تعمل السينما الامريكية على صنع صورة نمطية سالبة للعرب. (Others)
تابعنا

وكثيراً ما تحمل هذه الصورة النمطية معانٍ إيجابية أو سلبية اعتماداً على طبيعة العلاقات ‏ ‏السياسية والاقتصادية والثقافية ‏التي تربط شعباً ما بآخر، وتطور هذه العلاقات ‏عبر حقب زمنية مختلفة. ‏إلا أن هذه الصور النمطية قد تأخذ منحىً خطيراً إذا كانت ‏صنيعة مؤسسات إعلامية، حكومية كانت أو خاصة، تدفع بها لتحقيق وتسويق ‏سياسات خارجية توسعية على حساب شعوب ‏مغلوب على أمرها ومستهدفة.

‏الصورة الذهنية لخدمة السياسات الداخلية والخارجية

أفنى العالم الأمريكي العربي جاك شاهين (1935-2017) حياته العلمية والعملية في دراسة الصور النمطية ‏للعرب والمسلمين في ‏أكثر من ألف فيلم أمريكي ‏من إنتاج عملاق الصناعة السينمائية الأمريكية هوليوود، إذ ساعدت جميعها في ترسيخ صور سلبية للشخصية العربية والمسلمة في الثقافة الشعبية الأمريكية. ‏يعتقد جاك شاهين أن الأمريكيين ورثوا الصور النمطية للعرب والمسلمين من أسلافهم الأوروبيين وخاصة المستشرقين ‏الفرنسيين والبريطانيين الذين قدموا العالم العربي والمجتمعات المسلمة للغرب تقديماً مشوهاً ساهم في تبرير الاستعمار الأوروبي والاستغلال الاقتصادي ‏لهذه المجتمعات.

‏ويشير جاك شاهين إلى العلاقة الوثيقة ‏التي تربط هوليود بالحكومة الأمريكية ‏ومؤسساتها المختلفة في مدينة واشنطن دي سي، وهي علاقة بلا شك تتضح كثيراً عندما ترغب الحكومة الأمريكية في تعبئة الرأي ‏العام الأمريكي حول قضية سياسية ‏معينة ‏مثل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. ‏لقد ساعدت هوليوود ونجومها السينمائيين ‏لعقود مديدة في تحقيق الكثير من السياسات الأمريكية الخارجية وخاصة في ‏تعبئة الرأي العام وإشاعة الروح الوطنية ‏لمساعدة الجيش الأمريكي في تجنيد الكثير من المواطنين لمثل هذه الحروب.

‏عكف العالم الأمريكي العربي جاك شاهين ‏على نقد وتفنيد هذه الأفلام الأمريكية واحداً تلو الأخر تفنيداً علمياً دقيقاً في دراسات رصينة ‏شارحاً خطورتها في تشكيل الوعي الأمريكي الجمعي ‏بالشخصية العربية والمسلمة. وعلى سبيل المثال ‏يذكر جاك شاهين أن‏ مئات الملايين من الأطفال حول العالم شاهدوا فيلم الرسوم المتحركة علاء الدين، الذي أنتجته شركة ديزني واعتُبر حينها أحد الإنجازات السينمائية العريقة، وهو يعمّق الصورة البربرية الوحشية للمجتمع العربي بطريقة خفية من خلال الأغنية الافتتاحية للفيلم ‏التي تقول بعض كلماتها أنهم، أي العرب، يقطعون آذانك إذا لم يعجبهم وجهك.

وفيها ‏يشير جاك شاهين أيضا إلى تقديم الصحراء العربية دوماً في مثل هذه الأفلام كمعالم طبيعية مخيفة تحمل الكثير من الغموض والإبهام، كما تعرض فيها الشخصية العربية ‏كشخصية مهرجة ذات بعد واحد لغرض جلب ضحكات رخيصة من المشاهدين لهذه الأعمال السينمائية. ‏ومن النادر جداً أن تجد أعمالاً سينمائية أمريكية تُصور الرجل العربي والمسلم ‏والداً عطوفاً بأبنائه شفوقاً بأسرته مكافحاً ‏من أجل سعادتهم كحال المئات من الملايين من الرجال ‏في ‏مشارق البلاد العربية والمسلمة ‏وغربها.

‏قسّم جاك شاهين مراحل تناول هوليوود للشخصيات العربية والمسلمة ‏النمطية إلى عدة ‏فترات زمنية تخللتها جميعاً أزمات سياسية واقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والبلاد المسلمة كالصراع العربي الإسرائيلي، وأزمة النفط في السبعينيات من القرن الماضي، وأزمة الرهائن ‏الأمريكيين إبان الثورة الإسلامية في إيران.

تنحاز السينما الأمريكية إلى اليهود والإسرائيليين

تناولت عديد من الأفلام الأمريكية الصراع العربي الإسرائيلي منحازة انحيازاً واضحاً إلى الجانب الإسرائيلي مبرزة الجوانب الإنسانية ‏لليهود الإسرائيليين باعتبارهم ضحايا للعنف العربي، وتصوير الفلسطيني كإرهابي لا يعرف إلا لغة العنف في أحداث كثيرة تدور حول اختطاف بعض الفلسطينيين للطائرات ‏المدنية غير عابئين بالضحايا الأبرياء من النساء والأطفال وكبار السن. ‏ومن المضحك المبكي معاً تصوير العربي كشخصية عاجزة وفاشلة حتى ‏في أدائها لمثل هذه الأدوار الإرهابية الشريرة.

تقدم هوليوود ‏ولعقود عديدة صوراً سلبية للعربي والمسلم حول علاقته بالمرأة، مسلمة كانت أو غربية

وبعد أزمة النفط ‏ ‏وثراء الكثير من الدول النفطية العربية ورغبة البعض منها في الاستثمار في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ‏ظهرت بعض ‏الأعمال الفنية التي ‏سعت جاهدة لإثارة الرعب بين الأمريكيين ‏محذرة إياهم من مغبة سيطرة المال العربي على الاقتصاد الأمريكي. ولا يزال الأمريكيون حتى يومنا هذا متوجسين ‏من الاستثمارات العربية الضخمة وشراء الأصول الأمريكية كما حدث لشركة دبي للمواني العالمية التي تخلت عن رغبتها في إدارة بعض المواني الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش ‏في سنة 2005 نتيجة لتنامي السخط والضغط الشعبي ‏الرافض للمال العربي.

‏وتقدم هوليوود ‏ولعقود عديدة صوراً سلبية للعربي والمسلم حول علاقته بالمرأة، مسلمة كانت أو غربية، فتصف العربي كرجل يتبع شهواته ويلهث ‏وراء المرأة الشقراء الغربية غامراً إياها بالمال كالأبله ‏الذي ‏لا يعرف للمال قيمة ولا معنى. وكذلك تصف هوليوود المرأة العربية المسلمة كدمية في يد زوجها لا حول لها ولا ‏شأن، وهنا ‏يلفت جاك شاهين انتباهنا إلى الفيلم ‏الأمريكي الكوميدي والد العروسة الجزء الثاني، إذ احتوى على مشهد يصور المسلم فيه ‏رجلاً جشعاً ‏بجانب زوجته التي ‏يزجرها ويلزمها بالصمت حين حاولت المشاركة في الحديث.

ولا عجب أن يسخر الرئيس الأمريكي ‏دونالد ترمب، حينما كان مرشحا للرئاسة في سنة 2016، ‏من ‏والدة أحد الجنود الأمريكيين المسلمين الذين قتلوا في الحرب في أفغانستان وقد ‏وقفت بجانب زوجها ‏السيد ‏خزير خان وهو يلقي خطاباً، في مؤتمر الحزب الديمقراطي الأمريكي لإعلان ترشيح هيلاري كلينتون للرئاسة الأمريكية، منتقداً في خطابه نهج السياسة الداخلية للبرنامج ‏الانتخابي للمرشح الجمهوري آنذاك دونالد ترمب، ‏ومذكراً إياه بمبادئ الدستور الأمريكي.

استشاط ترمب غضباً مِن خان وانتقد صمت زوجته خلال خطابه متسائلاً لماذا هي صامتة‏؟ ‏هل لأنها لا يحق لها الكلام، مردداً الصورة السلبية النمطية حول المرأة المسلمة متناسياً أنها قد وصلت في كثير من الدول الإسلامية ‏إلى أعلى المناصب السياسية كرئاسة الدولة ورئاسة الحكومة في بلدان ذات ثقل سكاني كبير مثل إندونيسيا وباكستان وبنغلاديش وتركيا، ‏وأن نصف طلاب الجامعات في الدول الإسلامية من الفتيات المسلمات ‏المثابرات المرابطات في تعليمهن.

‏ومن المحزن جداً ألا ‏يواجه العالم العربي والإسلامي هذه المؤسسة الإعلامية العملاقة هوليوود ‏والتي يبلغ دخلها السنوي عشرات المليارات من الدولارات بأي سياسة إعلامية واضحة الاستراتيجيات والأهداف ‏تُحسّن صورة الشخصية العربية والمسلمة في الغرب والعالم أجمع. ‏ ‏ولا يكاد المرء يجد إلا قليلاً من الأعمال الفنية السينمائية التي تعد على أصابع اليد الواحدة، والتي أنتجتها دول مسلمة وعربية، وهي تتناول التاريخ والثقافة الإسلامية والعربية ‏تناولاً ‏علمياً وموضوعياً.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي