من المتوقع أن تدخل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مرحلة جديدة في ظل استمرار الدعم الأمريكي للعملية الإسرائيلية / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

بعد مرور أكثر من شهرين ونصف على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يتمكن الاحتلال من تحقيق صورة نصر على المقاومة الفلسطينية، رغم استشهاد أكثر من 20 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.

وتتحدث الحكومة الإسرائيلية عن الاستعداد للمرحلة الرابعة من العدوان، في ضوء مهلة أمريكية بإنهاء الهجمات المكثفة التي تستهدف المدنيين بنهاية العام أو منتصف الشهر المقبل.

ووسط ضغوط دولية وفي الإعلام العالمي لوقف الحرب، وتباشير تفكك الدعم الغربي لحرب الكيان، فما معالم المرحلة المقبلة؟ وبماذا سوف تختلف عن الوضع الحالي؟ وما الدور الأمريكي في تحديد معالمها ورسم نهاياتها؟ وكيف سيؤثر صمود المقاومة وإيقاعها الخسائر بجنود الاحتلال على مآلات هذه الحرب غير المسبوقة في التاريخ الحديث، التي ترقى إلى حد التطهير العرقي؟

دعم أمريكي مستمر

لا بد من التأكيد أن واشنطن وفّرت منذ البداية الدعم اللامحدود لإسرائيل في هذه الحرب، بل إنها قادتها عملياً، على اعتبار أن فشل الاحتلال سيشكل ضربة للمشروع الاستعماري الأمريكي ولمصالحه في المنطقة، وسيؤثر سلباً في الحرب في أوكرانيا ضدّ روسيا وفي الصراع مع الصين.

وقد واكبت واشنطن هذه الحرب بمراحلها المختلفة، ووفرت الدعم السياسي والعسكري والأمني للكيان وما زالت، غير أن تداعياتها السلبية بدأت تتدحرج بتراجع شعبية الرئيس الأمريكي بايدن، وتصاعد الاحتجاجات داخل هذه الإدارة وفي الشارع الأمريكي والأوروبي، فضلاً عن تململ الحلفاء من المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، خصوصاً مع انتشار صور استهداف المستشفيات والمدارس والمدنيين الأبرياء، إضافة إلى الحصار والتجويع غير المسبوق الذي كان مثار إدانة المنظمات الإنسانية والإغاثية الأممية، وإدانات العالم الحر.

وكان من اللافت صدور بيان مشترك لرؤساء وزراء لكل من كندا وأستراليا ونيوزيلندا، جاء فيه انتقاد صريح لإسرائيل بالقول: "لا يمكن أن تكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين هي ثمن هزيمة حماس".

وقال الرئيس الفرنسي إنه "لا يمكننا أن نسمح بترسيخ فكرة أن محاربة الإرهاب تعني تدمير كل شيء في غزة أو مهاجمة السكان المدنيين بشكل عشوائي".

ومن هنا يأتي تحذير بايدن من "مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أمريكا مركزها الأخلاقي بسبب دعمها إسرائيل"، فيما اعتبر وزير الدفاع لويد أوستن أن إسرائيل تخاطر بتلقي "هزيمة استراتيجية" إذا استمرت في التسبب بخسائر فادحة في صفوف المدنيين.

وترافق ذلك مع فشل جيش الاحتلال في تحقيق المهمتين اللتين أعلن عنهما، وهما القضاء على حماس، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، وما يمكن أن يؤديه استمرار وتيرة الحرب الحالية من مخاوف تفجر صراع إقليمي، خصوصاً مع التصعيد الذي يمارسه الحوثي باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.

استدعى ذلك تدخلاً أمريكياً، بدعوة نتنياهو لتغيير حكومة المتطرفين التي يرأسها بعد أن وصفها بأنها الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل، وذلك لأنها أسرفت في استهداف المدنيين، ولأنها تزيد استفزاز العالم بما تفعله في غزة، بالإضافة إلى تصعيدها في الضفة ورعايتها لقطعان المستوطنين الإرهابيين.

وربما كان الخلاف الأشد هو التصور الذي ستكون عليه غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها، إذ تعارض حكومة نتنياهو أي دور للسلطة الفلسطينية، فيما تسعى واشنطن لإصلاح وتنشيط السلطة وتمكينها من غزة، بما يستدعي انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع.

مرحلة جديدة.. بماذا تختلف؟

وقد أعلنت إدارة بايدن أن تصورها للمرحلة المقبلة يشمل تخفيضاً لوتيرة استهداف المدنيين، والتركيز على استهداف مقاتلي حماس، مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية والوقود بشكل واسع، بالإضافة إلى عدم السماح بتهجير المدنيين.

لكن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد في آخر تصريح له بهذا الشأن أن "إسرائيل لديها التزام بالقضاء على حماس وتقليص الضحايا المدنيين، وسنواصل التحقق من ذلك"، مشيراً إلى أنه "إذا سلمت حماس أسلحتها فإن الأزمة في غزة ستنتهي فوراً"!

ومع دعم استمرار الحرب ورفض وقف إطلاق النار، وإفشال أي محاولة لذلك من خلال مجلس الأمن، أكد بلينكن أن بلاده ستعمل على التوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة على غرار الهدنة السابقة.

ولكن يبدو أن الاستجابة الأمريكية للضغط لم تغير حقيقة الموقف الداعم بلا حدود للحرب على غزة، وأن الضوابط التي وضعتها لا تعني أبداً استخدام ضغوط حقيقية على الكيان، بعد اتضاح السلوك الإسرائيلي باستهداف المدنيين بعد انتهاء الهدنة الإنسانية واستئناف الحرب البرية في جنوب غزة الذي لم يتغير في حدته، فيما استمرت عمليات تهجير الفلسطينيين إلى أقصى حدود قطاع غزة الجنوبية.

وكان لافتاً هنا تصريحات نتنياهو بأن الكيان سيواصل الحرب "ولن توقفنا الضغوط الدولية"، وذلك رداً على تصريحات بايدن الأخيرة، وذلك كمؤشر على أنه لا توجد ضغوط أمريكية حقيقية لإلزام الحكومة الإسرائيلية المطالب الأمريكية المتعلقة بالحرب، مع استمرار تقديم الدعم اللوجستي والمالي، والحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

الحرب.. إلى أين؟

وفي ضوء هذه المعادلة فلن يكون هناك وقفاً لإطلاق النار، فيما قد يخفف جيش الاحتلال قصف المدنيين بحلول منتصف شهر يناير/كانون الثاني المقبل باتفاق وتنسيق مع الأمريكيين، مع استمرار التركيز على استهداف المقاتلين فوق الأرض وتحتها، وقد نلحظ تحسناً في الإمدادات الإنسانية والإغاثية في محاولة لتهدئة المخاوف الدولية، ومحاولة تحسين صورة بايدن الطامح إلى التجديد لنفسه في الانتخابات الأمريكية القادمة.

ولكن نسق الحرب سيظل مرتبطاً بمدى النجاح الذي ستحققه قوات الاحتلال على الأرض، ومدى نجاعة المقاومة في التصدي له وإيقاع الخسائر المتواصلة به، إذ لاحظنا أنه كلما تعرض المحتلون لنكسات أمام المقاومة فإنهم يصبّون جام غضبهم على المدنيين.

كما سيرتبط ذلك بمدى الضغوط التي ستتعرض لها واشنطن بسبب سلوك الاحتلال الموغل في الإجرام والسادية، في ظل حكومة متشددة يبدو أنها ستظل موجودة حتى انتهاء الحرب رغم دعوة بايدن لحلها.

وقد تكون هناك محاولات لإعادة تموضع قوات الاحتلال (وليس انسحاب)، غير أن الشكل النهائي له سيتحدد في ضوء الوضع العسكري لقوات الاحتلال على الأرض.

ورغم أن بايدن عبّر مراراً عن رفض استمرار احتلال غزة، فإن الاحتلال يؤكد أنه سيستمر في الحضور في القطاع حتى يحقق إنجازاً ضد حماس، يوقف بعده إطلاق النار، أو يفشل في تحقيق أهدافه ويضطر إلى الاستجابة لمطالب المقاومة بوقف إطلاق النار ضمن صفقة تبادل الأسرى بين الطرفين.

ويظل الخلاف موجوداً بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو حول ما بعد وقف إطلاق النار، وإمكانية وجود دور للسلطة، مع العلم أن هذه الترتيبات الأمريكية تفترض إخضاع وهزيمة المقاومة، وهذا لا يبدو أنه واقعي ولا ممكن التحقيق في ظل ما نراه على الأرض من صمود للمقاومة، بل تطورها بعد استئناف الحرب البرية، ما يؤكد جاهزيتها لخوض معركة طويلة مع الاحتلال، فضلاً عن أن تجذر حماس في الأرض يجعل فكرة اقتلاعها حلماً غير قابل للتحقق، كما أن هناك شكاً في أن تقبل السلطة أن تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية لحكم القطاع، إضافةً إلى استبعاد وجود قوات عربية أو دولية لتحل محل الاحتلال، بل إن احتمال فشل الاحتلال في تحقيق نصر بغزة يعتبر بحد ذاته هزيمة، سيكون لها ما بعدها في مستقبل الصراع.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً