Russia Ukraine War (Vadim Ghirda/AP)
تابعنا

ما من بلد عربي من المغرب إلى مصر والشام إلا وقد صدر أولاده إلى معارك لا تعنيهم. وها نحن نعيش حرباً أخرى ونجد عرباً على الجبهتين ترافقهم في بعض المرات فتاوى الجهاد في سبيل الله. حملت فرنسا في شمال أفريقيا الجنود العرب وقذفت بهم في أتون معاركها. وفعل الإنجليز الأمر نفسه في مصر والعراق. وكان المستفيد الوحيد من (بيع) هذه الأرواح الحاكم المحلي الذي كان يضمن عرشه بوضع رعاياه في خدمة عدوه. الصورة لم تتغير في حرب الروس وأوكرانيا.

الهوان السياسي الأبدي

النظر إلى الأمر من هذه الزاوية كفيل بتحويل المقال إلى مناحة. ولكن لم نجد زاوية أخرى لتناوله. فأن تظل شعوب المنطقة عاجزة عن حماية أبنائها من خوض معارك الآخرين لهُو في نظري قمة الهوان السياسي. السؤال عن الأسباب التاريخية يضطرنا إلى عودة طويلة إلى الوراء. لكن لنقف عند اللحظة الراهنة. الحاكم العربي الذي يصدّر البشر إلى جبهات القتال يفعل ذلك لحماية عرشه. فهذه اللحوم التي ترمى في أتون المعارك تذهب ثمناً لبقاء الحاكم على كرسيه. وأكثر الأدلة وضوحاً ما يفعله النظام السوري الحالي وبعض زعماء الحروب الآخرين على شاكلة حفتر.

النظام السوري باقٍ بفعل الدبابة الروسية. التي استجلبها لقمع شعبه. وأعطاها من أرضه وسمائه لتحميه (وتحمي مصالحها الخاصة كدولة توسعية) وهو الآن مطالب برد الجميل إلى من يحميه لكنه يفعل ذلك بمواطنيه. وليمة كاملة من اللحم السوري تُدفن في خنادق أوكرانيا ليبقى الأسد على عرشه.

ولا أجد ضرورة هنا للتذكير بحروب القذافي السخيفة في أطراف الأرض والتي سفّر إليها مقاتلين عرباً وأنفق فيها أموالاً لا تحصى بما في ذلك لنصرة جيش الرب الأوغندي.

هل لهذا اسم آخر غير هوان الشعوب على حكامها وهوان الحكام في خريطة السياسة العالمية منذ قرنين.

هل يلوح أفق خروج من وضع الهوان؟

عندما انطلقت معارك التحرر الوطني من الاستعمار المباشر في منتصف القرن العشرين لاح أفق تحرر أبعد من تحرر كل قطر على حدة. وازدهر خطاب السيادة الوطنية بل وطمح الناس إلى وحدة الأمة العربية والإسلامية بل وازدهر أيضاً خطاب تحرر أممي تتحالف فيه الشعوب المضطهدة ضد الاستعمار. لكن كل الطموحات التحررية تم امتصاصها وتفريغها من زخمها بواسطة نفس القوى الاستعمارية. ولكن هذه المرة كان التنفيذ بيد أنظمة محلية تتبجح بوطنيتها وقوميتها.

وعندما انطلقت ثورات الربيع العربي في بداية القرن 21 عادت طموحات الشعوب إلى التحرر ودحر الاستعمار وعملائه المحليين. لكن عملية التفريغ جرت بسرعة قياسية فإذا شباب العرب على الجبهة الروسية يقاتلون الأوكرانيين وقد نجد عرباً آخرين في المعسكرات الأوكرانية. عرب يقتتلون في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

نحن ننتبه الآن إلى أن الأنظمة التي نصبها الاستعمار وحماها من شعوبها قد استقوت وتقدمت إلى درجة أنها تسهم في حماية حُماتها بلحم شعوبها. ونظن أن الشعوب العربية لم تنتبه (من طيبة أو من جهل) إلى مقدار استعداد أنظمتها لبيعها في أسواق الحروب الدولية.

لذلك يصبح أفق النجاة من حروب الآخرين هو وضع مسألة الاستقلال والسيادة على جدول عمل الشعوب ومن جديد كما لو أن الاستعمار المباشر حاضر بينهم. لقد غلبت مسألة الديمقراطية على خطاب الربيع العربي وتقدمت الشعوب الثائرة (نموذج تونس ومصر) نحو الديمقراطية مغفِلة مسألة التحرر الوطني فإذا مسار الديمقراطية يفشل من داخله وبواسطة منظومات الدولة العميقة. والقناعة الآن أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بشرط الحرية. وقد كتب كثيرون أن تأسيس الديمقراطية سيكمل بناء الحرية والسيادة. لكن حتى الآن حصل على الأرض خلاف ذلك.

يصبح الأفق الفكري والنضالي هو كيف نجمع ضمن العمل السياسي المستقبلي مطلب الديمقراطية مع مطلب السيادة الوطنية فهما متلازمان. إنها عملية إعادة تأسيس للخطاب وللممارسة ظهرت كمطلب في شعارات الربيع العربي لكنها لم تتبلور كمشروع سياسي لدى من انجر بسرعة إلى العمل السياسي الديمقراطي. خيبة الربيع العربي درس مهم في اتجاه السيادة إن لم يلتقطها المفكرون والسياسيون فإن شعوبهم ستظل لحم مدافع في حروب لا تنتهي. كلما هدأت واحدة نشبت أخرى واستدعت المقاتلين العرب.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً