تابعنا
تتمتع تركيا والجزائر بإمكانات قيادية كبيرة، ومثلما ناضل الشعب التركي من أجل الاستقلال، كذلك فعلت الجزائر، وكلتاهما كافحت ضد آفة الإرهاب والضغوط الخارجية لسنوات كثيرة.

العلاقات التركية-الجزائرية ليست وليدة اللحظة، بل هي مبنيّة على تاريخ عميق مشترك بين البلدين، إذ كان للجزائر دور كبير في الاتحاد العثماني الذي اعترض توغل الإمبريالية الغربية في شمال إفريقيا بعد سقوط الأندلس، وهذه الوحدة التي بدأت مع بربروس خير الدين باشا، أسهمت في استقرار شمال إفريقيا وغرب المتوسط.

واشترك الجيشان العثماني والجزائري في إفلات المغرب من براثن الاحتلال البرتغالي، محققين انتصاراً في معركة "وادي المخازن" عام 1578، وفي تلك الفترة، تصاهر الجنود العثمانيون مع السكان المحليين الجزائريين.

وحين احتلت فرنسا الجزائر لأول مرة حاولت الإمبراطورية العثمانية دعم المقاومة هناك من أجل الاستقلال عن الغرب.

تتمتع تركيا والجزائر بإمكانات قيادية كبيرة، ومثلما ناضل الشعب التركي من أجل الاستقلال، كذلك فعلت الجزائر، وكلتاهما كافحت ضد آفة الإرهاب والضغوط الخارجية لسنوات كثيرة.

وفي الآونة الأخيرة، ركز البلدان على أهمية استقلالهما في السياسة الخارجية. وخلال السنوات العشرين الماضية، طوّرت تركيا العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دول المنطقة، فضلاً عن إيلاء اهتمام خاص للعالم العربي والإفريقي، وزادت من تمثيلها الدبلوماسي هناك.

ولطالما حازت الجزائر أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا، سواء في البعد الإفريقي أو في العالمين العربي والإسلامي، فوجهات النظر المتشابهة بشأن التطورات والمصالح المشتركة تجمعهما بطبيعة الحال، فالبَلَدان لديهما موقف مشترك بشأن القضية الفلسطينية، التي اشتعلت اليوم بقوة مرة أخرى، والعداء المتنامي للإسلام في الغرب.

كما أن همَّ البلدين الأساسي هو معارضة التدخلات الأجنبية في العالم العربي والإسلامي، حيث يريد البلدان أن تلعب دول المنطقة بنفسها -وليست القوى الغربية- دوراً مستقلاً فعالاً في حل مشكلاتها الإقليمية، وفي هذا الصدد يتعاون البلدان تحت مظلة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وفي نطاق القمم التركية-الإفريقية.

العلاقات الاقتصادية

من ناحية أخرى، تطورت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل الزيارات رفيعة المستوى -خصوصاً على المستوى الرئاسي- وعقد الاتفاقيات الشاملة.

وعلى الجانب الاقتصادي، يتكامل اقتصادا كلٍّ من تركيا والجزائر، إذ إن الأولى تتميز بالصناعة والسياحة والزراعة والصادرات، وفي المقابل يشتهر الاقتصاد الجزائري بموارده من النفط والغاز الطبيعي والتعدين والواردات، ويستطيع البلدان تبادل الخبرات كما من الممكن أن تنقل تركيا تجربتها الصناعية إلى الجزائر.

ومن المعروف أن الجزائر بوابة مهمة لشمال إفريقيا، ومع الإنتاج المشترك في الكثير من المجالات، توجد إمكانات جدية للبلدين للتصدير إلى أوروبا وإفريقيا، كما أن الجزائر هي الدولة الثالثة التي تزود تركيا بالغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران.

وبفضل زيادة التجارة بين البلدين، التي بلغت 5 مليارات دولار عام 2022، تتدفق استثمارات تركيا في الجزائر، سواء في مشاريع التعدين والبنية التحتية أم في المنتجات الاستهلاكية التي بلغت 6 مليارات دولار، والآن تركيا هي الدولة التي تنفّذ أكبر استثمار أجنبي في الجزائر.

العلاقات الثقافية

تتبادل تركيا والجزائر نظرة إيجابية للغاية، سواء على المستوى الإداري أو الشعبي، وبينهما علاقات جيدة، وهذا الوضع يسمح بالتعاون المشترك لتطويرها على أساس أكثر صحة، فالشعب الجزائري يولي اهتماماً خاصاً للثقافة والدراما واللغة التركية.

ومن هذا المنطلق، بدأ التعاون في المجالات الأكاديمية والثقافية، فعلى سبيل المثال، تعمل مؤسسة "تيكا" على تنشيط التراث التاريخي والثقافي المشترك بين البلدين، كما سيُفتتح فرع لـ"مدارس المعارف" التركية في الجزائر، بالإضافة إلى مركز ثقافي مشترك.

وفي الجامعات الجزائرية توجد أقسام اللغة التركية، ودروسها على مواقعهم الإلكترونية، وقد يُفتتح المزيد. وبالمثل، يمكن للجزائر أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في تدريس اللغة العربية وآدابها في تركيا، وبذل مزيد من الجهود لتعزيز ثقافتها الخاصة.

كما يهتم السياح والطلبة الجزائريون بشكل كبير بتركيا، وينبغي على الجزائر أيضاً أن تبذل مزيداً من الجهود لجعل ثقافتها وتاريخها ومجتمعها وجغرافيتها الواسعة وسياستها معروفة بشكل أفضل في تركيا.

وفي النهاية، فإن زيارة الرئيس أردوغان للجزائر جاءت في وقت مهم للغاية، حيث يُعقد في الجزائر العاصمة الاجتماع الثاني لمجلس التعاون المشترك رفيع المستوى، ما يكشف عن أن التعاون بين البلدين قد وصل إلى مستوى استراتيجي.

ويجري العمل على إبرام اتفاقية تجارية تفضيلية بين البلدين، إذ يعمل نحو 1400 شركة تركية في الجزائر، ولهذا الغرض جرى التخطيط لاتفاقية حماية الاستثمار وافتتاح فرع "بنك زراعات". كما وُقعت 13 اتفاقية بين البلدين تهدف إلى إنشاء مدارس مشتركة، وتعزيز جهود التعاون في مجالات التعليم والأمن وغيرها.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

نقله من اللغة التركية: سمية الكومي

TRT عربي
الأكثر تداولاً