عضو مجلس النواب الأمريكي التقدمية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (Others)
تابعنا

السياسية الاشتراكية الشابة، أصغر عضو برلماني في تاريخ الولايات المتحدة، والقائدة غير الرسمية لفرقة السكواد التي تضم أيضاً إلهان عمر ورشيدة طليب وآخرين، قررت في اللحظة الأخيرة أن تغير رأيها من التصويت بـ"لا" إلى "حاضرة". تخلت عن دعم فرقتها، والقلة القليلة التي صوتت ضد القرار (8 ديمقراطيين معظمهم من الأفارقة الأمريكيين وجمهوري واحد مقابل أغلبية ساحقة بلغت 402 صوتت مع مشروع القرار).

بعد التصويت انتحبت ابنة الـ31 عاماً. بكاء لم يجد هذه المرة من يتعاطف معه. فالسؤال البسيط، وفي محله: إذا كانت أوكاسيو كورتيز داعمة للشعب الفلسطيني وفي مكانها الطبيعي باعتبارها تقدمية ومثالية في خطابها السياسي، لماذا لم تسجل، للتاريخ على الأقل، أنها صوتت ضد القرار؟

في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في مايو/أيار الفائت برزت أوكاسيو كورتيز صوتاً عالياً في انتقاد إسرائيل إلى حد وصفها بأنها دولة فصل عنصري، وقالت إن الهجوم في حينها يقع بدعم من الولايات المتحدة، مسائلة إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن عن سبب عدم وقف هذا الحليف للولايات المتحدة عند حده.

خطابها -ورفاقها ورفيقاتها التقدميون في حينها- كان نادراً في السياسة الأمريكية التي تكتفي عادة بمدح إسرائيل والصمت وغض الطرف عن الارتكابات الفظيعة. خطاب بدا باعثاً للأمل بأن تغييراً ما، ولو بطيئاً، يتكرس.

في حينها، كانت أوكاسيو كورتيز تشبه نفسها مشرعة وناشطة حقوقية لا تفصل بين حقوق الإنسان في فلسطين وحقوقه مهاجراً يُفصل عن أطفاله على الحدود الأمريكية-المكسيكية. ما الذي تغير بينما يغض الكونغرس الطرف مجدداً عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين بينما يضخ مزيداً من الدعم المادي والمعنوي للقبة الحديدية؟ لا شيء. أوكاسيو كورتيز هي التي تاهت ولم تعرف كيف تتصرف، وفتحت بترددها وبكائها الباب واسعاً أمام خيبة أمل اليسار وسخرية اليمين وهجومه عليها.

وكارهو المشرعة، في المعسكر اليميني المقابل، لم يرحموها. فمع أنها امتنعت عملياً عن التصويت ضد المشروع، فقد فسروا سبب بكائها بأنها حزينة "لأن القبة الحديدية تعني أن عدداً أقل من اليهود سيُقتلون"، كتب كثيرون على تويتر ممن يتهمونها (طبعاً) بمعاداة السامية.

تبرير أوكاسيو كورتيز اللاحق لقرارها ودموعها ظل ضبابياً واعتذارياً، ويقف على أرض رخوة، على عكس عادتها في الوقوف على أرض صلبة من الوضوح والجرأة والحزم في مواقفها، التي تذهب إلى النهاية في الدفاع عما تؤمن به.

في تحوُّل اللحظة الأخيرة، والبكاء بعده، ما يوحي بأن الشابة الواعدة وجدت نفسها لأول مرة أمام الوحش السياسي الأمريكي كما هو، وكان عليها أن توازن بين موقفها الإنساني والحقوقي ضد إسرائيل باعتبارها دولة تمارس ظلماً ضد الشعب الفلسطيني، وبين حسابات الربح والخسارة في مستقبلها، وهي التي ستحتاج لا شك إلى الصوت اليهودي الموالي لإسرائيل في نيويورك في أي استحقاق انتخابي عاجل أم آجل.

لا تريد أوكاسيو كورتيز أن يسجل عليها أنها صوتت ضد دعم القبة الحديدية لإسرائيل. كما لا تستطيع أن تصوت بنعم، ضد كل قيمها السياسية والإنسانية المعلنة. لجأت إلى خيار"حاضرة" الذي كالماء الفاترة، وبدت، حين بكت، كأنما تبكي فقدان براءتها السياسية. تفقد ثوريتها ومشيها الدائم عكس التيار الرمادي للحياة السياسية الأمريكية. بدت كمن ترمي نفسها في هذا التيار الجارف، حيث الجميع يشبه الجميع، لا فرق بين حزب وحزب وسياسي وسياسي.

حققت مفاجأة هائلة، النادلة الشابة من أصول لاتينية حين أبعدت قبل أعوام أحد أهم المكرسين في الحزب الديمقراطي وفي دائرته الانتخابية. أزاحته من المشهد السياسي برمته وتقدمت بخطى واثقة لتكون ممثلة ممتازة لجيل برمته من أمريكا المختلفة المتنوعة والتقدمية في طروحاتها على الصعد كافة، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. كانت واحدة من أشرس المقاتلات ضد إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وضد حالته برمتها. ومع أنها ليست أول مرة تبكي فيها علناً، إلا أنها في المرات السابقة كانت تعلن مشاعر إنسانية لا لبس فيها، مدعومة بالموقف الأخلاقي الصحيح. بكاؤها هذه المرة، وإن كان صادقاً، بدا ناتجاً عن تخبط كامل.

تخبطت AOC. أقدمت على خطوة ناقصة، لم تدرسها جيداً، حتى في الحسابات الباردة للسياسة. تركت انطباعاً عاماً بأنها لا تعرف ماذا تريد، وليست واثقة بما تفعل. خسرت الكثير في معسكرها، وسمحت للمعسكر المقابل بأن يصوب عليها بلا أدنى رحمة. خسارة مزدوجة فعلاً، لكنها قد تكون درساً أول في السياسة. ربما كان عليها أن تختار بين ”نعم“ و“كلا“ وتوفر الدموع والاعتذار، كما توفر هذه الـ”حاضرة“، كأنها تلميذة في تعداد أول النهار في مدرسة السياسة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً