واجهة مبنى الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا (Reuters)
تابعنا

إذ تنعقد هذه القمة تحت رعاية الرئاسة التركية بمشاركة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية ومفوضية الاتحاد الإفريقي. علاوة على ذلك، يأتي انعقاد القمة التي كان موعدها الأصلي نيسان /أبريل 2020، بعد أن تأجل قيامها عدة مرات.

عقدت القمة الأولى في إسطنبول أغسطس/آب 2008، بمشاركة أكثر من 50 دولة إفريقية. والثانية في مالابو (غينيا الاستوائية) نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وجاء انعقاد هاتين القمتين انطلاقاً من كون تركيا شريكاً استراتيجياً للقارة بشكل عام وللاتحاد الإفريقي بشكل خاص. ومن هنا يهدف الطرفان إلى جعلها إطاراً، يتسم بالديمومة والمؤسسية، يحكم علاقات الطرفين بهدف تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي بين تركيا والدول الإفريقية.

الندية والشراكة

منذ حصولها على صفة مراقب لدى الاتحاد الإفريقي في العام 2005، شهدت العلاقات بين الجمهورية التركية من جهة ودول القارة الإفريقية ومؤسساتها من جهة أخرى تطوراً ملحوظاً، إذ أعلن الاتحاد الإفريقي في العام 2018 تركيا شريكاً استراتيجياً للقارة.

استناداً الى خطابات المسؤولين في الطرفين، تقوم هذه العلاقات على الندية والاحترام المتبادل وليس الوصاية وتكريس التبعية، أو بعبارة أخري تجسيد معنى "الشراكة المتكافئة"، كما هو شأن العلاقة بين القارة الإفريقية وبعض الدول الاستعمارية السابقة. وخلال زيارته الى تركيا مؤخراً قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي: " ناقشنا أولويات الاتحاد الإفريقي والقضايا ذات الاهتمام المشترك، كما ناقشنا قضايا السلام والأمن والتنمية والتجارة والشراكة وتعزيزها".

بحسب تقرير تقييمي حول أداء مفوضية الاتحاد الإفريقي بين 2017 و2021، والذي تناول تقييم الشراكات بين الاتحاد وأطراف دولية أخرى، شدد التقرير على أن الشراكات الاستراتيجية بين الاتحاد الإفريقي والأطراف الدولية يجب أن تساعد القارة على تعزيز مكانتها على الصعيد الدولي، مع إيلاء نزع الاستعمار وتعميق تعاون "الجنوب-جنوب"، فضلاً عن نسج علاقات تعاون فعالة مع أقاليم العالم المختلفة. أما في الجانب التركي. واستناداً إلى تقرير تركي قُدِّم إلى الاتحاد الإفريقي بشأن تقييم التعاون بين تركيا والقارة بين 2015 و2020، بجانب خطة عمل لخمس سنوات أخرى، كان هذا التقرير قد شدد بالقول: "نريد أن نرى قارة افريقية موحدة ومستقلة".

حضور دبلوماسي متزايد

حرصت تركيا على تقوية علاقاتها مع دول القارة، من خلال دبلوماسية نشطة وفعالة، لا سيّما من خلال آلية الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، خاصة الزيارات على مستوى الرؤساء، والتي عززت من أوجه التعاون بين الطرفين بشكل كبير، إذ زار الرئيس أردوغان منذ العام 2003، أي منذ أن كان رئيساً للوزراء، القارة الإفريقية نحو 27 مرة. وتهدف "ديبلوماسية القيادة" التي يتبناها الرئيس أردوغان تجاه إفريقيا، حسب الأكاديمي بمؤسسة "سيتا"، التركي محي الدين أتامان، إلى تعزيز دور تركيا المستقل في المحافل الدولية.

في هذا السياق، لم تكن الجولة الأخيرة التي قام بها الرئيس أردوغان بين17 و20 أكتوبر/تشرين الأول والتي شملت دول أنغولا وتوغو ونيجيريا، بعيدة عن روح هذه القمة والتحضيرات اللازمة لإنجاحها، وكذلك حشد الدعم والتأييد لضمان الحضور القوي في قمة الشراكة الثالثة بين تركيا وإفريقيا، والتي تعكس حجم المشاركة فيها من رؤساء الدول والحكومات مدى الاحترام المتبادل بينهما والإدراك أيضاً، فضلاً عن تعزيز العلاقات الثنائية مع دول القارة المختلفة.

علاوة على ذلك، فإن الحضور التركي في القارة آخذ في التزايد والتوسع رأسياً وأفقياً، إذ نجحت أنقرة في نسج علاقات دبلوماسية، فارتفع عدد السفارات التركية من 12 سفارة فقط في عام 2003 إلى 42 سفارة في العام 2021. في المقابل لدى الدول الافريقية 32 سفارة بأنقرة. ونتيجة لهذا تضاعف حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو خمس مرات بين 2003 و2019 بنحو 25 مليار دولار أمريكي.

في هذا الصدد، يمكن تفسير زيارة العمل التي قام بها الى تركيا السيد موسى فكي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، بين 3 سبتمبر/أيلول، و1 أكتوبر/تشرين الأول، والتقى خلالها كبار المسؤولين، حيث جرت الشراكة الاستراتيجية التركية-الإفريقية في ضوء التحضيرات لعقد القمة الثالثة التركية-الإفريقية التي تأخرت عن موعدها بسبب جائحة كوفيد-19، فضلاً عن " القضايا العالمية".

إطار هيكلي فعال

يأتي عقدها في هذا التوقيت بعد تأجيلها لأسباب موضوعية وتحديدا القيود التي فرضها انتشار جائحة كورونا على عالميا. إذ يحرص الجانب التركي على جعل هذه الآلية (قمة التركية-الإفريقية) إطاراً مؤسسياً يعزز من العلاقات الإستراتيجية التي تجمعه بالقارة السمراء، والتي يعمل على ترقيتها إلى مستويات أعلى من التعاون والتبادل الممكنة.

وقد وجدت هنالك العديد من الوثائق التي أطرت الاستراتيجية التركية، منها على سبيل المثال: "خطة العمل المشتركة للشراكة التركية-الإفريقية: 2015 -2019". وفي سياق الارتباط المؤسسي بين الجانبين أيضاً، انعقد "المنتدى الاقتصادي الثالث" في أكتوبر/تشرين الأول بإسطنبول. بجانب الاجتماعات الوزارية ولجان العمل والفعاليات الجماعية والثنائية المختلفة.

بجانب ذلك يتشاطر الطرفان أيضاً وبوضوح، الاتفاق على ضرورة الحاجة إلى إصلاح النظام الدولي بحيث يعكس التمثيل العادل للدول والشعوب، بعيدا عن سياسات الهيمنة الغربية، فضلاً عن تأسيس نظام دولي جديد على التعاون الحقيقي وعلى أساس "الكل رابح" كنهج عالمي بديل.

إفريقيا كعمق استراتيجي

تأتي سياسة الانفتاح التركي على إفريقيا أيضاً في خضم تكالب دولي كبير على القارة السمراء، ترى تركيا أنها تملك مقومات التنافس من أجل بناء نفوذ يحقق لها مكانتها دولياً من خلال استخدام مقاربات القوة الناعمة والخشنة على حد سواء. مؤخراً، وبجانب إقامة علاقات ديبلوماسية كبيرة مع مختلف دول وكيانات القارة، أيضاً رسخت تركيا مكانة لها باعتبارها شريكاً أمنياً محتملاً لدول القارة خاصة تلك التي تواجه بتحديات تتعلق بالأمن والاستقرار، وتحديداً بمكافحة الإرهاب والتمرد.

بناءً على ما سبق، واستناداً إلى تنظيرات رئيس الوزراء التركي الأسبق، البروفيسور أحمد داؤود أوغلو، تعتبر القارة الافريقية "عمقاً استراتيجياً" بالنسبة لتركيا العثمانية الجديدة، فمن جهة تهدف تركيا إلى تعزيز إعادة الارتباط مع المجالات الحضارية والروابط التاريخية القائم اليوم بالبناء على إرث الإمبراطورية العثمانية. ومن جهة أخرى، تهدف إقامة علاقات مع كافة دول ومجتمعات القارة عبر ترويج مفاهيم عالم اليوم في مجالات التعاون وتبادل والمصالح المشتركة، خاصة وأن القارة تعتبر مجالاً اقتصادياً واعداً باتت التنافس عليه على أشده بين القوى الكبرى وتلك الصاعدة، فضلاً عن القوى المتوسطة الصاعدة، ومنها تركيا.

الكتلة التصويتية للقارة السمراء

وعطفاً على ما تقدم، تمر القارة الافريقية بموجة تكالب بين الدول الكبرى أو ما يمكن وصفه بـ"حرب باردة جديدة" من أجل الحصول على النفوذ والموارد من هذه القارة. وتعتبر تركيا من بين الدول التي حققت حضوراً لها داخل القارة على أكثر من مجال. كما تعتبر القارة الإفريقية، وبخاصة بالنسبة للدول الصاعدة كتركيا، كتلة تصويتية مهمة في المحافل الدولية القائمة أو مساعي تشكيل عالم بديل يقوم على تعدد الأقطاب والتوازن بين مكوناته. وفي هذا المجال تشكل الكتلة التصويتية للقارة الإفريقية (54 دولة) أهمية كبرى في سياسة تركيا الرامية لتشكيل عالم متعدد الأقطاب أو تحالف الحضارات أو خطاب إعادة بناء الجنوب العالمي في مواجهة الهيمنة الغربية. ويشدد مسؤولون أتراك باستمرار على أن تركيا تريد أن تكون صوت القارة في المحافل الدولية.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً