تابعنا
إنّنا عندما نمعن النظر في ذلك التاريخ القصير البالغ مئة عام، نجد أنّ الجمهورية التركية قد واجهت صعوبات كبيرة، وتغلبت على مشكلات خطيرة، واليوم وبعد مرور قرن قد تمكنت من أن تصبح دولة قوية.

تمضي الجمهورية التركية قُدماً لتدخل مئويتها الثانية تاركةً وراءها مئة عام، ورغم أنّ الجمهورية الحديثة هي دولة شابة عمرها مئة عام، فإنّها تمثل ماضياً عريقاً ومستقبلاً موعوداً بالنظر إلى تاريخها وثقافتها وتجربة الدولة والذاكرة الوطنية والحضور الأصيل في المنطقة.

إنّنا عندما نمعن النظر في ذلك التاريخ القصير البالغ مئة عام، نجد أنّ الجمهورية التركية قد واجهت صعوبات كبيرة، وتغلبت على مشكلات خطيرة، واليوم وبعد مرور قرن قد تمكنت من أن تصبح دولة قوية.

بدايات الجمهورية

ومثل حال الدول بعد الحرب العالمية الأولى، خرجت تركيا منهكة من الحرب لتشهد تغييرات جذرية، وبينما كان النظام العالمي الحديث يتأسس، كانت تركيا مشغولة بحل مشكلاتها الخاصة والنأي بنفسها عن الحرب العالمية الثانية، لتجد لنفسها في نهاية المطاف موقعاً قوياً داخل النظام العالمي الحديث.

وقد عانت الجمهورية لسنوات طويلة من الانقلابات والاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية، لكنّها صمدت وحافظت على مكانتها من خلال قدراتها التاريخية والجغرافية والعسكرية.

شرعت الجمهورية التركية خلال ربع قرن في تخطي الحدود في كثير من المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وقد مكّنها ذلك أولاً من إبصار قدراتها في الجغرافيا الإسلامية. وثانياً، من تعزيز إدراكها بالهوية وثقتها بنفسها. وثالثاً، اغتنمت تركيا فرص النمو في المجالات كافة، وهو ما زوّدها بالحافز لتصبح قوة إقليمية جديدة.

قوة عظمى

وبفضل هذه الطاقات التي اكتشفتها تركيا في السنوات الأخيرة، ومن خلال سرعة تكيفها مع التحولات العالمية، فقد توفرت لها فرصة إنشاء رؤية مستقبلية جديدة.

إنّ تركيا مقارنةً بالعالم الغربي، تحظى اليوم بفرص أكبر في التطور والنمو لتصبح أقوى، وتكمن خلف ذلك أسباب كثيرة، مثل الإنهاك الذي يعتري العالم الغربي، وإدارة الغرب للنظام العالمي طوال القرنين الماضيين ووقوفه خلف كل أزماته، كذلك حاجة جميع الدول -باستثناء أوروبا وأمريكا- لقوة جديدة تُحدث توازناً، إضافةً إلى قلة المنافسين لتركيا في المنطقة. وكل هذه الأسباب تدلل على إمكانية أن تصبح تركيا لاعباً رئيسياً خلال المئوية المقبلة.

وتدرك تركيا أنّ الوضع في منطقتها والعالم يتيح لها فرصاً مهمة، كي تصبح قوة عظمى في القرن المقبل، وبالإضافة إلى هذا الإدراك، فإنّ تركيا على وعي أيضاً بالسُّبل اللازمة لإدارة تلك المرحلة وإبراز الإرادة التي ستضمن تحقيق هذا النمو.

مئوية تركيا

إذن، ما مستقبل هذا العزم والإمكانات التركية؟ إنّنا من خلال طرح سؤالين مركزيين حول المئوية التركية القادمة، نستطيع أن نتنبأ بشكل دقيق بذلك المستقبل.

السؤال الأول هو: كيف تخطط الجمهورية التركية للمئوية القادمة؟ والسؤال الثاني هو: ما طبيعة الرؤية التي يطرحها السيد الرئيس أردوغان للمئوية التركية المقبلة؟

يجب طرح هذين السؤالين معاً، وذلك أنّ الرئيس أردوغان في السنوات العشرين الماضية قد قاد مسيرة وضع الرؤية الجديدة للمئوية القادمة بإزاحة الستار عن طاقات تركيا، بالنهوض بقدرات البلاد، ومعالجة إرث الماضي من المشكلات المتراكمة في شتى المجالات ومنها الحريات، والاقتصاد، والصناعة، ومكافحة الإرهاب، والتجارة الخارجية، والحريات الدينية، والصناعات الدفاعية، والوصاية العسكرية، والصحة.

وبالعودة إلى السؤال الأول، فما الذي تتضمنه رؤية المئوية الثانية للجمهورية التركية؟

إنّ تركيا على وعي بطبيعة المرحلة الراهنة؛ فأمريكا دولة قد ثَقُل كاهلها وتراكمت مشكلاتها في العراق وأفغانستان، وروسيا في حالة حرب أنهكت قواها، وأوروبا مضطربة بين مشكلات كثيرة، وضمن تلك المعادلة تبصر تركيا الفرص السانحة لها لتصبح قوة إقليمية.

وفي هذا السياق فإنّ تركيا تعمل وفقاً لرؤية ثاقبة في مئويتها الثانية، تسعى من خلالها للصعود اقتصادياً لتنتقل من بين أفضل 20 اقتصاداً إلى أفضل 10 اقتصادات، وامتلاك صناعة عسكرية وطنية خالصة، وأن تكون القوة الأكثر فاعلية في محيطها، وتحقيق تفوق جغرافي كبير مع الجمهوريات التركية.

ستواصل تركيا تطوير قدراتها الإنتاجية العسكرية والوطنية خلال القرن المقبل، وتبذل مزيداً من الجهود لتحقيق أمنها الغذائي، كما تنشد تحقيق أهداف أساسية مثل الإجهاز على تنظيمات تشكل تهديداً لحدودها في المنطقة، مثل تنظيمي PKK/PYD و"داعش" الإرهابيين، وأخرى تعمل ضدّ البلاد في الأوساط الدولية مثل تنظيم غولن الإرهابي (فيتو).

ستبذل تركيا قصارى جهدها لتحقيق النمو الاقتصادي في القرن القادم، وستضع اقتصاد بلادها ضمن أفضل عشر دول بين اقتصادات العالم، كما تعمل على زيادة حصتها في السوق في مجال الصناعات الدفاعية يوماً بعد يوم، ومعنى ذلك أنّ كل الدول الراغبة في تحقيق مزيدٍ من الاستقلالية في محيطها مستقبلاً ستُقبل على التعاون مع تركيا، وهو ما سيمهّد الطريق أمامها لتحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح قوة إقليمية.

رؤية أردوغان

إنّ رؤية الرئيس أردوغان للمئوية التركية الجديدة تسير بالتوازي مع أهداف الجمهورية التركية وتضيف إليها أهدافاً خاصة، وقد حدّد الرئيس أردوغان بعض الأهداف التي بنى تصورها بنفسه، ووضعها بوضوح أمام الدولة والشعب التركي، وأخذ يعزّزها من خلال الإفصاح عنها مراراً وتكراراً في مختلف المحافل، "العالم أكبر من خمسة" هو هدف المئوية التركية الجديدة بالنسبة إلى الرئيس.

تلفت تركيا الانتباه إلى مشكلات النظام العالمي الحالي، وتشير إلى عجزه عن تقديم حلول لمشكلات الإنسانية. إنّ تركيا التي ما فتئت تعبّر عن غياب نظام عالمي عادل، كثيراً ما ذكرت ضرورة وجود دولة مسلمة عضو في الأمم المتحدة تمتلك حق النقض.

إنّ الشعار المفاهيمي الآخر للرئيس أردوغان هو "عالم أكثر عدالة"، فكثيراً ما يؤكد الرئيس في اجتماعات الأمم المتحدة وقمم مجموعة العشرين واجتماعات حلف شمال الأطلسي، على القسوة والظلم اللذين يعاني منهما العالم.

لقد تبنى مواقف إنسانية ودبلوماسية واضحة في فلسطين والصومال وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الأزمات، وسعى جاهداً لتكون تركيا هي ضمير العالم الحي في تلك القضايا.

وإننا حين ننظر إلى هذَين الشعارين، نرى بوضوح أنّ الرئيس أردوغان قد وضع تصوراً للمئوية القادمة تكون فيها تركيا قوة ممثلة للعدالة، والتشارك، والحرية والمضطهَدين حول العالم.

يهدف الرئيس أردوغان إلى تركيا قويةٍ قادرة على دفع المظالم، وتركيا متطورةٍ بقدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وإلى رؤية لتركيا الكبرى القادرة على الإسهام في حكم أكثر عدالة في العالم.

إنّ تركيا تؤسس لمحور جديد في السياسة الخارجية في المئوية الجديدة، وتتحول لمركز إنتاج جديد وتصعد كقوة جديدة، كما أنّ الأزمات الاقتصادية والأمنية والإنسانية الحالية في العالم تجعل من المئوية التركية فرصة سانحة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً