محمد كاكا رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد (Christophe Petit-Tesson/AFP)
تابعنا

وعقب إعلان مقتل ديبي تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي، بقيادة نجله الجنرال البالغ من العمر 37 عاماً محمد كاكا ، على أن يكون نقل السلطة في غضون 18 شهراً.

وقرر المجلس الانتقالي تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان، بجانب فرض حظر تجوال ليلي، قبل أن يعلن لاحقاً عن عودة البرلمان إلى العمل، وتعيين حكومة انتقالية.

ووصفت أحزابُ المعارضة تحركَ الجيش، بأنه استيلاء على السلطة بالقوة، داعية إلى عدم الامتثال للإجراءات.

واستُحدثت في الحكومة الانتقالية وزارة جديدة للمصالحة الوطنية والحوار، تولاها الشيخ ابن عمر، وهو وزير سابق للشؤون الخارجية، والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطنية التي شاركت في التمرد على الرئيس الراحل إدريس ديبي سنة 2008، والذي كاد أن ينهي حكم ديبي، لولا التدخل العسكري الفرنسي.

وفي عام 2019 عُيِّن ابن عمر مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، وظل في هذا المنصب حتى مقتل ديبي، وتم تعيينه في الحكومة الانتقالية في منصب وزيراً المصالحة الوطنية والحوار كونه يحظى بعلاقات وخبرات واسعة سواء مع المعارضة والحكومة.

وقال ابن عمر بعد توليه منصب الوزارة إن "مفهوم المصالحة الوطنية في تشاد أوسع بكثير من التقارب والتوافق بين المجلس العسكري الحاكم حالياً، ومجموعة جبهة الوفاق المتمردة"، مضيفاً أن "المصالحة لا تشمل فقط جبهة الوفاق أو المجموعات المسلحة، بل تشمل كل المجتمع التشادي، بكل الأحزاب والنقابات والقبائل والطوائف الدينية بما في ذلك المجموعات المسلحة".

العفو العام عن المعارضين من أجل الحوار الوطنى

في بادرة يرى مراقبون أنها تضفي شرعية على حكم الجنرال محمد كاكا، أصدر المجلس العسكري في تشاد مرسوم العفو العام الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ليشمل حتى المتمردين والمعارضين المدانين بارتكاب "جرائم رأي" أو "إرهاب" أو "المساس بوحدة الدولة" بغية حض الجماعات المسلحة على المشاركة في حوار وطني.

ويشمل الإجراء 296 مداناً بين معتقلٍ وغير معتقل، ويلبي أحد مطالب جماعات المتمردين الكبرى لإجراء مفاوضات بدعوة من الرئيس.

ويشمل العفو العام 39 شخصاً محكوماً بتهم المساس بوحدة الدولة أو جرائم الرأي والتعبير، إضافة إلى 257 عضواً من مجموعات مسلحة ومعتقلين ومحكوم عليهم بعد هجوم شنته عناصر من المعارضة التشادية عام 2019 وكان يهدف إلى الإطاحة بالرئيس الراحل إدريس ديبي وهو الهجوم الذي قتل فيه ديبي.

تعقيدات المشهد التشادى الداخلى وتحديات المصالحة

تحتل تشاد المرتبة 187 من 189 دولة في تصنيف درجة الفقر على مستوى العالم، وترتفع فيها نسبة الأمية إلى 68%، وتشير إحصائيات برنامج الغذاء العالمي في 2021 إلى أن 3.7 ملايين يعانون انعدام الأمن الغذائي و2.2 مليون تشادي يعانون سوء التغذية و43% من أطفال تشاد يعانون التقزم، هذا فضلاً عن نحو نصف مليون نازح بسبب الصراعات والنزاعات الداخلية، ناهيك عن أعداد المهاجرين الكبيرة التي تقدّرها بعض المصادر بالملايين ويبلغ عدد سكان تشاد 16 مليون ونصف مليون نسمة، ويوجد فى جمهورية تشاد عدد كبير من القبائل مختلفة الأعراق التى تتجاوز عددها مائتي مجموعة عرقية تختلف هذه المجموعات العرقية في الدين واللهجة واللغة.

تدلل هذه الإحصاءات على عمق معاناة الشعب التشادي، وتؤكد أن الحروب الأهلية استنزفت طاقاته ومقدراته، ومن ثم فإن جهود المصالحة يجب أن تضع مصفوفات تعالج جذور مشكلات المجتمع التي تتسبب في اللجوء إلى العنف والحروب ومحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة والانقلابات التي تزيد الشقة بين التشاديين وتُطيل معاناتهم

رؤية المعارضة التشادية للحوار

تنقسم المعارضة التشادية إلى ثلاث مجموعات رئيسة: الأولي تضم الأطراف ذات الموقف الإيجابي المشاركة في الحكومة المدنية أو المستعدة للمشاركة في المجلس التشريعي الجاري تكوينه. أما الثانية، فهي الأطراف المتطرفة التي ترفض المشاركة في الأجهزة الانتقالية للوصول معها إلى وضع المفاهيم والأسس التي يقوم عليها الحوار.

وأخيراً الجماعات المسلحة المعارضة وأبرزها "جبهة الوفاق من أجل التغيير" والتي يترأسها محمد مهدى على، وهي حركة مسلحة بدأت هجومها في 11 من أبريل/نيسان يوم الإقتراع للإنتخابات الرئاسية و خاضت معاركها في منطقة كامن و زيغي وهي المعارك التي قتل فيها إدريس ديبي.

إن الأسباب التي تعيق الوصول إلى اتفاق بين المجلس العسكري والجماعات المعارضة يعود إلى التباين الشديد بين الطرفين. حيث يرى المجلس العسكري أن هذه المجموعة "الوفاق من أجل التغيير" تختلف عن المجموعات الأخرى لأنها تكونت في الخارج وبدعم خارجي ضخم مجهول الهوية. ومن جانب "جبهة الوفاق"، ومنظمات اليسار المدني، فإنهم "يرون أن المجلس العسكرى أو الحكومة في تشاد تفتقد الشرعية ولا تستحق الاعتراف بها وليست مستعدة للحوار معها إلا في حالة واحدة هي إزالتها، وإقامة حكومة أخرى يسمونها توافقية بديلة للحكومة القائمة، وهذا يعقِّد عملية التفاهم". كل هذه العوامل الضاغطة تُملي منهجية متعددة ومركبة وبراغماتية للفاعلين السياسيين في عملية المصالحة.

الدوحة تستضيف رئيس المجلس العسكرى التشادى طلباً للدعم والوساطة

بحثاً عن مخرج سياسي واقتصادي زار الجنرال محمد كاكا العاصمة القطرية الدوحة في 14 سبتمبر/أيلول الماضي واضعاً أزمات بلاده في طاولة قطر. ووفقاً للبيان الصادر من الديوان الأميرى القطرى فإن أمير قطر ورئيس المجلس العسكرى اتفقا خلال الاجتماع على إعطاء بعد جديد لتعاونهما كما طمأنت الدوحة إنجمينا على أن قطر مستعدة لدعم تشاد في العديد من المجالات.

واعتبرت العديد من الجهات أن الزيارة جاءت من أجل أن تلعب الدوحة دوراً كبيراً في رعاية مشروع المصالحة التشادية سياسياً ومادياً إذ ضاعف محمد ديبي نشاطه من أجل الانفتاح على الجماعات المسلحة والمتمردة داعياً الجميع إلى المشاركة في حوار وطني شامل، إذ يعيش في الدوحة، تحت الإقامة الجبرية، أحد قادة التمرد تيمان إرديمي. وتناولت الأوساط الإعلامية أن لقاءً جمع الرجلين، وفي الدوحة أيضا التقى ديبي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان وبحثا مشروع المصالحة.

إلى أى الاتجاهات تسير الأمور

بات واضحاً أن الأوساط التشادية في الحكومة والمعارضة تتجه إلى قبول وساطة الدوحة واستضافتها لمفاوضات السلام القادمة. وأن العديد من قادة المعارضة قاموا بزيارة الدوحة في ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفي تقديرنا أن قطر تتمتع بدعم فرنسا، كما أن فرنسا هي الداعم الأكبر للمجلس العسكري في تشاد، مما يجعل الوساطة القطرية هي الأقرب والأقدر على جمع فرقاء السياسة والحرب التشاديين، ولكن من الواضح أن إعلان موعد انطلاق المحادثات لن يكون قبل مارس/آذار القادم.

استضافت من قبل الدوحة العديد من المفاوضات وجمعت بين الأطراف، ولديها خبرة في الملف التشادي إذ أن الدوحة كانت احتضنت مفاوضات دارفور، الإقليم السوداني المجاور لتشاد، والذي يحظي بتداخل عميق مع المكونات التشادية. مما يجعل الدوحة العاصمة الأقدر لرعاية المفاوضات التشادية، ليس لحياديتها تجاه جميع الأطراف التشادية فحسب، بل لأنها أصبحت عاصمة عالمية للمفاوضات والتي كانت آخرها المفاوضات الأفغانية الامريكية.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً