يحيى السنوار قائد حماس في قطاع غزة (Others)
تابعنا

وقبل شهرين من انتخابات المجلس التشريعي المفترضة، قدمت الحركة في قطاع غزة نموذجاً لافتاً للديمقراطية الداخلية افتقده الكثير من التنظيمات الفلسطينية بما فيها حركة فتح، وغابت عن معظم الأنظمة العربية.

انتصار ديمقراطي

وشهدت الانتخابات منافسة حقيقية ونزيهة بين قطبين من قياديي الحركة هما الأسير المحرر من سجون الاحتلال يحيى السنوار والذي ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، والقيادي المخضرم نزار عوض الله الذي واكب الشهيدين أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وشارك في انطلاقة الجهاز العسكري لحماس.

ولأول مرة في تاريخ الحركة تتخذ الانتخابات في غزة، دون غيرها من الأقاليم، طابعاً علنياً في تصفياتها ونتائجها، حيث جرت هذه العملية على مراحل، وبإشراف قضائي مستقل، بانتخاب مجالس شورى في مناطق غزة ومن ثم مجلس شورى لكل غزة، وانتهاء بانتخاب رئيس الحركة في قطاع غزة من قبل (مجمع انتخابي) مشكل من كل مجالس شورى الحركة التي تعد نحو 320 عضواً.

ويعبر ذلك عن ممارسة ديمقراطية حقيقية وعريقة في حركة تصنف من قبل الغرب والكيان الصهيوني بأنها إرهابية، لتؤكد أن الشعب الرازح تحت الاحتلال قادر على الانتصار على محتليه ليس في ميدان المقاومة فقط، وإنما أيضاً في الحرية والديمقراطية والشفافية ليرفع من يراه أكثر كفاءة لخوض المعركة مع المحتل الذي يمتلك كل التكنولوجيا الحربية ويسوق نفسه على أنه واحة ديمقراطية وسط العالم العربي.

وأرسلت حماس صورة بأنها تدخل الانتخابات العامة موحدة وقوية، أمام فتح المنقسمة على نفسها، على صعيد القوائم والرئاسة، وأمام فصائل فلسطينية تزعم الديمقراطية في أدبياتها وتفتقدها في ممارساتها.

ومن المؤمل أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الساحة الفلسطينية، باتجاه تعزيز الخط الديمقراطي في الفصائل وتقويته في سلوكها.

وتقدم حماس بهذه الانتخابات أيضاً صورة مميزة وقوية للعالم الغربي، بأنه يتعامل مع حركة قوية وراسخة في مفاهيم الديمقراطية التي يتعالى فيها هؤلاء على منطقتنا.

اهتمام صهيوني

ولذلك، أبدى الكيان الصهيوني من خلال كتابه ومعلقيه، اهتماماً بهذه الانتخابات وإن حاول بعضهم وبسوء نية اللمز بما صور على أنه صراع المحتدم بين السنوار وعوض الله، حيث ادعى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل نقلاً عن رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب، ميخائيل ميلشطاين، أنه قال إن "الفوز الضعيف والمتأخر للسنوار، أشبه ببطاقة صفراء رفعها أمامه الناخبون من حركته". وذلك في إشارة إلى حصول السنوار على 167 صوتاً بفارق ضئيل عن عوض الله الذي حصل على 147 صوتاً.

وزعم ميلشطاين، الذي كان يرأس الدائرة الفلسطينية في شعبة الاستخبارات العسكرية، أن "نتائج الانتخابات في حماس تشير إلى" غضب متراكم من جانب جيل القدامى في حماس، الذين وضعهم السنوار، وقادة الذراع العسكرية من حوله جانباً. وعلى الأرجح سيضطر السنوار إلى إبداء ليونة أكثر وأخذ الانتقادات بالحسبان".

صورة مشرقة مع تجاوزات

ورغم أن ما رشح عن آليات وممارسات الانتخابات قليل، فإنه ليس مستغرباً أن تكون هناك تجاوزات في كل انتخابات، وإن تحدثت كوادر عن خروقات تمس النزاهة ومزاعم عن تدخل للجهاز العسكري للتأثير على خيارات ناخبيه. فيما شكل التنافس رغبة حقيقية من كوادر في حماس بتغيير القيادة الحالية.

وبلا شك، فإن هناك نوعاً من الإحباط لدى كثير لدى كوادر الحركة في ضوء استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتذبذب الأداء السياسي للسنوار، خصوصاً في الفترة الأخيرة حينما رفض في البداية تفاهمات إسطنبول ثم عاد ليدعم بشدة الموافقة على إجراء الانتخابات بالتتالي.

غير أن الرجل يسجل له، أنه نجح، ضمن فريقه في القيادة، في استعادة العلاقة مع مصر، وتخفيف حدة التوتر معها، ما أدى لتخفيف نسبي للحصار، متوازياً مع النجاح النسبي لمسيرات العودة والبالونات الحارقة على مناطق غلاف غزة المحتل، ودفع الاحتلال لإنجاز تفاهمات لاستمرار المساعدات القطرية لغزة.

ديمقراطية غير مكتملة

غير أن صورة بقية أقاليم حركة حماس تظل غير قادرة على تصدير صورة واضحة عن ديمقراطيتها، وذلك لسبب مهم وهو أن حركة حماس تعمل في إطار من السرية في إقليم الضفة وعدم العلنية في إقليم الخارج، وبالتالي لا تستطيع أن تصدر ممارسات محددة في هذا الإطار، وإن كانت ستلتزم بنفس الأسس الديمقراطية التي جرت عليها الانتخابات في غزة.

ففي الضفة الغربية يعاني تنظيم حماس من الملاحقة الشرسة من الاحتلال والسلطة، وقد لا يتمكن من عقد تجمعات انتخابية كتلك التي جرت في غزة، ولذلك نراه يقدم قياداته الأولى من مجموع الأسرى المحررين الذين توزعوا بين تركيا وقطر، وهم لا يزيدون عن بضع مئات، وهذا ما يجعل الفرز غير كامل وغير معبر عن حقيقة توجهات كل الناخبين، وإن نجحت مجموعة منهم من خلال التواصل السري أن تحدد ممثليها في الخارج لقيادة الإقليم وممثليها في قيادة الحركة، علماً أن الرقابة الانتخابية والقضائية على هذه الممارسة تبقى ضعيفة أو ربما معدومة.

ولهذا، فإن هذا الإقليم قد لا يشهد منافسة حقيقية أو تغييراً كبيراً في قياداته الحالية، وعلى رأسهم الشيخ صالح العاروري.

أما إقليم الخارج، فهو لا يعمل في إطار من العلنية، حيث لا تتمكن الكوادر والكفاءات غير المعلنة عن التعبير عن نفسها في إطار واسع، فالكادر الموجود في الخارج يكون معروفاً في البلد نفسه بل وربما لا تعرفه بقية الكوادر في نفس البلد، لأنه لا يوجد إطار معلن للعمل هناك، وربما يكون هذا الكادر غير معروف في بقية البلدان التي توجد فيها الحركة!

ينعكس هذا الأمر قطعاً على الانتخابات، لأن الكوادر المعلنة تكون لديها فرصة أكبر من غيرها للفوز، الأمر الذي يحد من إمكانية التجديد في القيادة على مستوى الإقليم أو الحركة ككل!

وبما أن القوانين الداخلية تمنع أي شخص من الإعلان عن ترشيح نفسه للانتخابات تحت حجة عدم تزكية النفس، فمن الصعب على أي كفاءة مهما عظمت أن تكسب أتباعاً أو أنصاراً يمكّنها من منافسة المعلنين.

ويستدعي هذا أن تعيد حماس النظر في هذا القانون من خلال السماح للمرشح بالإعلان عن نفسه من خلال برنامج يقدمه ويسوقه قبل فترة كافية من الانتخابات، كما يستدعي إشراك أكبر عدد من الكوادر عن طريق المجمع الانتخابي غير المطبق حالياً إلا في قطاع غزة حسب ما علمنا.

أضف إلى ذلك، فإن من مسؤولية قيادة الإقليم أن تتيح الفرصة لتصعيد كوادر مميزة في عملها، وتصعيدها للقيادة بدون تحيز أو محسوبية أو فساد، وهذه بلا شك مهمة تحدد شفافية القيادة ونزاهتها.

وتشير المعطيات إلى أن منافسي السيد خالد مشعل أعلنوا انسحابهم من المنافسة مع إعلانه الترشح، بما يرجح فوز مشعل بالتزكية، إن لم يقرر المنافسة على قيادة الحركة مع السيد إسماعيل هنية الذي يسعى للترشح لدورة ثانية لقيادة الحركة.

ويؤكد الفشل في إنجاز انتخابات بمعناها الكامل والحقيقي في إقليمي الضفة والخارج على البيئة الصعبة التي تتحرك فيها حركة حماس، بالاضافة إلى قصور في الأداء الديمقراطي ناتج عن تأخر التشكيل القيادي في معالجة مشكلة التصعيد القيادي الذي يؤمل التخلص منه في السنوات القادمة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً