سفينة تسافر بالقرب من Longyearbyen على جزر سفالبارد النرويجية / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

في الأسابيع المقبلة ستستكمل تركيا عملية التصديق على الانضمام إلى معاهدة سفالبارد لعام 1920، التي ستوفّر لأنقرة فرصاً جديدة للبحث والنشاط الاقتصادي في منطقة القطب الشمالي.

يضمّ القطب الشمالي الأراضي والمياه الإقليمية لثماني دول تقع على ثلاث قارات (الولايات المتحدة وكندا وروسيا وأيسلندا والدنمارك [بسبب غرينلاند] والنرويج وفنلندا والسويد). على عكس القطب الجنوبي، لا توجد كتلة أرضية تغطي مساحة القطب الشمالي، هناك فقط المحيط. المنطقة هي موطن لبعض من أقسى التضاريس وأقسى الأحوال الجوية على الكوكب، وهي أيضاً إحدى أقلّ المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم، مع وجود مجتمعات بدوية متفرقة وعدد قليل من المدن والبلدات الكبيرة. غالباً ما تكون المناطق بعيدة جدّاً وتفتقر إلى البنية التحتية الأساسية للنقل.

غير أن القطب الشمالي أصبح منطقة ذات أهمية متزايدة ومنافسة، فالمنطقة غنية بالمعادن والحياة البرية والأسماك والموارد الطبيعية الأخرى.

وفقاً لبعض التقديرات، في القطب الشمالي ما يصل إلى 13 في المئة من احتياطيات النفط غير المكتشَفة في العالم وما يقرب من ثلث احتياطيات الغاز الطبيعي غير المكتشفة في العالم. ذوبان بعض جليد القطب الشمالي خلال أشهر الصيف يعني فتح ممرات شحن جديدة، وزيادة السياحة، ومزيداً من استكشاف الموارد الطبيعية.

ليس من المستغرب أن تركيا تريد مزيداً من المشاركة في المنطقة، وتوفر معاهدة سفالبارد فرصة مثالية لهذه المشاركة.

سُمّيَت معاهدة سفالبارد على اسم أرخبيل سفالبارد، الواقع فوق الدائرة القطبية الشمالية قبالة ساحل النرويج ونحو 500 ميل بحري من القطب الشمالي.

يبلغ عدد سكان سفالبارد نحو 2000 نسمة، وهي موطن لأقصى مستوطَنة بشرية مأهولة بالسكان في منطقة شمال الكوكب. كجزء من سلسلة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، مُنحَت النرويج السيادة على الجزر كجزء من معاهدة سفالبارد لعام 1920.

مع ذلك تسمح شروط المعاهدة لأي من الموقعين عليها بالوصول المتساوي إلى صيد الأسماك والموارد الطبيعية في الجزر.

تشمل هذه الدول الموقعة قوى كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين، وكذلك دولاً بعيدة عن القطب الشمالي، مثل المملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وحتى أفغانستان. إجمالاً، يتمتع نحو 46 دولة بوصول متساوٍ إلى الموارد الطبيعية في سفالبارد، وتريد تركيا أن تكون الدول السابعة والأربعين.

الاستخدام العسكري لسفالبارد محدود في وقت السلم بسبب القيود المفروضة على المنطقة بموجب معاهدة عام 1920، التي اعتبرت الجزر منطقة منزوعة السلاح. ومع ذلك فإن هذا لم يمنع منطقة الجزر من أن تكون جزءاً من منافسة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين.

استفادت روسيا والصين من وصولهما إلى سفالبارد. روسيا اليوم في سفالبارد من خلال مستوطنتها لتعدين الفحم في منطقة بارنتسبرغ. لا يمكن الوصول إلى هذه القرية البعيدة إلا عن طريق السفن أو الهليكوبتر أو كاسحة الثلج، وهي موطن لبضع مئات من الأشخاص فقط.

من الغريب، بالنظر إلى بُعد موقعها، أن بارينتسبيرغ تستضيف أكبر قنصلية روسية شمالية في العالم. اليوم تنتج بارينتسبيرغ فقط ما يكفي من الفحم للحفاظ على نفسها. أما موسكو، فكانت هذه التسوية دائماً تتعلق بالمكانة الوطنية لا المكسب المادي.

بصفتها دولة موقعة على معاهدة سفالبارد، أجرت الصين بحثاً علمياً عن سفالبارد منذ عام 2004 في محطة القطب الشمالي للنهر الأصفر الواقعة في ني أولسوند.

يُعَدّ هذا المركز العلمي إحدى محطات البحث العلمي العديدة في القطب الشمالي التي تديرها الصين. بطبيعة الحال، يمكن أن يكون لكثير من الأبحاث العلمية التي تركز عليها الصين في القطب الشمالي، مثل فيزياء الغلاف الجوي والقطبية عالية الارتفاع وجيولوجيا الأرصاد الجوية، تطبيقات عسكرية.

ليست تركيا غريبة على الاستكشاف والبحث العلمي حول القطب الشمالي، فقد كان لها تركيز في السنوات الأخيرة على القطب الجنوبي للأرض في أنتاركتيكا.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالقطب الشمالي، تفسّر ثلاثة أسباب رئيسية أهمية وجود أنقرة في المنطقة: أولاً، أصبحت المنطقة نقطة محورية في الجغرافيا السياسية. من المفهوم أنه مع سعي مزيد من الدول لمشاركة أكبر في المنطقة، لا تريد تركيا أن تتخلف عن الركب. ثانياً، مع ظهور الفرص الاقتصادية في القطب الشمالي تريد تركيا أن تكون في وضع جيد لزيادة المشاركة. أخيراً، تُعَدّ منطقة القطب الشمالي موطناً لمئات الآلاف من الشعوب التركية، مثل ياقوت ودولجان. كانت أنقرة حريصة على تعزيز التراث والثقافة المشتركة مع الشعوب التركية في السنوات الأخيرة في عديد من دول العالم ومنطقة القطب الشمالي ليست استثناء.

أدرك الرئيس أردوغان وغيره من صُنّاع السياسة الأتراك الأهمية المتزايدة لمنطقة القطب الشمالي. في عام 2015 تقدمت تركيا بطلب للحصول على صفة مراقب في مجلس القطب الشمالي، منظمة القطب الشمالي المتعددة الأطراف الرائدة في العالم. ومع ذلك، مع انهيار العلاقات بين روسيا ودول القطب الشمالي الأخرى بسبب الحرب في أوكرانيا، توقف مجلس القطب الشمالي عن العمل تقريباً.

هذا يجعل الانضمام إلى معاهدة سفالبارد الطريقة الأسرع والأكثر مباشرة لتركيا للحصول على موطئ قدم في منطقة القطب الشمالي.

سيزداد الاهتمام العالمي بالقطب الشمالي في السنوات القادمة بكل تأكيد. وبينما تكرّس الدول الأخرى الموارد والأصول في المنطقة لتأمين مصالحها الوطنية، فليس لدى تركيا الرغبة في التخلُّف عن الركب.



TRT عربي