تابعنا
تصدّر تدخُّل تركيا في قضية الإبادة الجماعية ضدّ إسرائيل موقعاً مهماً في الأجندة الأمريكية، وقال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إن "موقف الولايات المتحدة من القضية الإسرائيلية الجارية أمام محكمة العدل الدولية واضح".

أدت حرب الإبادة الجماعية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى ردود فعل دولية، أبرزها رفع جنوب إفريقيا دعوة أمام محكمة العدل الدولية.

وسبق لجنوب إفريقيا أن سحبت سفيرها من تل أبيب عام 2018، ومنذ ذلك الوقت اقتصر التمثيل الدبلوماسي جنوب الإفريقي في إسرائيل على مكتب للاتصال، وهو الذي سحبته بعد حرب الإبادة الحالية التي تشنّها إسرائيل ورفضها لجميع دعوات وقف إطلاق النار، وكذلك قرار البرلمان جنوب الإفريقي بتعليق العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارة الإسرائيلية في بريتوريا (في نوفمبر/تشرين الثاني 2023).

ودعا رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في اجتماعه مع قادة مجموعة "البريكس" المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة وملموسة للوصول إلى حل عادل وسلمي للقضية الفلسطينية، متهماً إسرائيل بانتهاك القانون الدولي بشكل واضح وارتكاب جريمة حرب في هجماتها على غزة.

ومع استمرار الإبادة الجماعية وعدم تدخّل المجتمع الدولي لوقف الإبادة، قررت جمهورية جنوب إفريقيا في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي رفع قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وعلى الرغم من أن قرارات المحكمة ملزمة قانونياً، فإن تنفيذها يستلزم موافقة مجلس الأمن الدولي.

التجربة التاريخية المشتركة

عانى سكان جنوب إفريقيا التمييز والقمع على غرار ما تعرّض له الشعب الفلسطيني، فمحنة الشعبين بدأت في وقت واحد، ففي عام 1948 تأسس نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على أساس سيادة الأقلية البيضاء التي تمثل نحو 20% من السكان، واستمر حتى عام 1994، وهي السنة التي سمح فيها للسود بالتصويت في انتخابات ديمقراطية بعد عقود من سيطرة النظام العنصري، فقد خلالها عشرات الآلاف من السكان حياتهم.

وفي العام ذاته (1948) كذلك تأسس نظام الفصل العنصري في فلسطين، واستخدم الأساليب العنصرية ذاتها ضدّ الشعب الفلسطيني الذي سقط منه آلاف الشهداء والجرحى.

هذا الأمر يجعل من دولة وشعب جنوب إفريقيا الأكثر تفهماً لمعاناة الشعب الفلسطيني، فكلاهما لديه تجربة العيش تحت نظام فصل عنصري، كما تتمتع جنوب إفريقيا ببنية اقتصادية وسياسية واجتماعية مستقلة، لا تهيمن عليها قوة خارجية، ما يمكنها من اتخاذ قراراتها والتصرف بشكل مستقل، لذلك ليس من قبيل المصادفة أن تكون الدولة التي تتقدم بطلب إلى محكمة العدل الدولية.

بعريضة طلب تجاوزت الـ80 صفحة، تقدمت جنوب إفريقيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمة دولة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، طلبت جنوب إفريقيا في التماسها ضمان "معاقبة أولئك الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية، أو يشكلون أي منظمة لارتكاب الإبادة الجماعية، أو يحرّضون بشكل مباشر وعلني على الإبادة الجماعية".

وعلى الرغم من إصدار أمر قضائي مؤقت بعد جلسات الاستماع التي خلقت أملاً بإمكانية وقف الإبادة الجماعية في غزة، فإن إسرائيل ضربت عرض الحائط بهذا القرار، وبدأت ترحيل سكان رفح المكتظة بالنازحين ومهاجمتها (6 مايو/أيار الجاري).

دور تركيا في القضية

وتحتفظ تركيا مع جنوب إفريقيا بأفضل علاقات ثنائية مع دولة في القارة الإفريقية، فسياسة تركيا الخارجية المستقلة ومعارضتها الظلم والخروج على القانون والوقوف إلى جانب الدول المضطهدة وتحديداً القضية الفلسطينية، شكلت أرضية قيمية للتعاون بين البلدين في مواجهة الإبادة الجماعية في غزة.

وسبق لتركيا أن أعلنت أنها ستزوّد جنوب إفريقيا بالمعلومات والوثائق والمستندات اللازمة لتوثيق جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

ومن المعلوم أن الانضمام إلى الأمم المتحدة يجعل من الدول أعضاء طبيعيين في محكمة العدل الدولية، ومن هنا كان انضمام تركيا إلى القضية، وهو الذي سيفتح الباب أمام دخول دول أخرى وتحديداً الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. فتركيا كان لها دور مهم في نقل وتوثيق جرائم إسرائيل في غزة عبر منصاتها الإعلامية مثل وكالة الأناضول وشبكة TRT، كما أن قدرتها السريعة على التواصل مع الجانب الفلسطيني يزيد من فاعلية الدور التركي.

وتصدّر تدخُّل تركيا في قضية الإبادة الجماعية ضدّ إسرائيل موقعاً مهماً في الأجندة الأمريكية، وقال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إن "موقف الولايات المتحدة من القضية الإسرائيلية الجارية أمام محكمة العدل الدولية واضح، وفيما يتعلق بقرار أنقرة فهو يخصُّها، وهذه القضية لن تضرّ بعلاقاتنا مع تركيا، وهي حليف مهم في حلف شمال الأطلسي، وأنه من الطبيعي أن يفكر الحلفاء أحياناً بشكل مختلف بشأن بعض القضايا".

وفي المحصلة، فإن اشتراك تركيا بالقضية سيؤدي إلى زيادة الدول المشاركة في القضية المرفوعة ضدّ إسرائيل، ويُعزّز من تعاون تركيا وجنوب إفريقيا، كما أن هذا التعاون سيعزّز من مبادرة الرئيس التركي "العالم أكبر من 5"، وتوجهاته في قضايا مثل إعادة هيكلة الأمم المتحدة، وخصوصاً أن هذا العالم عجز عن وقف الإبادة الجماعية في غزة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً