التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا بين خيارات الوساطة وآفاق الحرب والسلام (Others)
تابعنا

جاء ذلك عقب سلسلة من التوترات الحدودية التى تخطت المعتاد، في 14 فبراير/شباط طلبت إثيوبيا وساطة تركية في النزاع الحدودي المتجدد المرتبط بأرض الفشقة.

هناك مزاحمة إماراتية للدور التركي في هذه المنطقة، حيث طلبت إثيوبيا وساطة تركية في الخلاف الحدودي مع السودان بينما عرضت الإمارات على السودان وساطة في نفس الملف.

وتتزايد التساؤلات حول قدرات الوسطاء المتزاحمين على حل هذه المعضلات الحدودية المتجددة مع تعقداتها الحالية، والحرب الإثيوبية مع التيغراي وتبعاتها على الأزمة الحدودية في ظل تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين.

فعلى صعيد المستجدات، تزايد تعقيد التوتر الحدودي الإثيوبي السوداني خاصة في ظل الحرب بين الحكومة المركزية وإقليم التيغراي، والتي أدت إلى تدفق آلاف الإثيوبيين على الحدود السودانية لينضموا إلى آلاف اللاجئين سابقاً، ويخشى السودانيونمن أن يؤدي الوصول الكثيف للاجئين الإثيوبيين إلى زيادة حدة الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد، ويعتبر بعض المحللين أن العملية التي قام بها الجيش السوداني على أهميتها تبقى أقل من المطلوب كثيراً، إذ إن الجيش استعاد قرابة 15 ألف فدان فقط فيما يشمل إقليم الفشقة الكبرى أكثر من 600 ألف فدان صالحة للزراعة، وتعبر بالنسبة إلى السودان أرضاً سودانية وفقاً لاتفاقيات 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا.

جاء هذا التوتر بين السلطات الانتقالية في السودان وحكومة آبي أحمد الذي كان وسيطاً مقبولاً للتوصل إلى توافق بين الجناح المدني في الثورة السودانية والمجلس العسكري السوداني، وفي ظل خلاف حاد بين السودان وإثيوبيا ومصر حول أزمة سد النهضة الذي يقع جغرافياً في إقليم يسيطر عليه التيغراي، وهنا يبدو أن الحكومة الإثيوبية راغبة في التهدئة حتى لا يتجه السودان بمواقفه بعيداً عن الحكومة الإثيوبية سواء في موضوع السد أو غيره من الملفات الإقليمية.

بل تطمع الحكومة الإثيوبية بمساعدة سودانية في مواجهة حكومة إقليم التيغراي والحركات التي تعتبرها متمردة في الإقليم، إلا أن مخاوف السودان تتزايد من استمرار الأزمة وتدفق مزيد من اللاجئين حيث وصل عددهم وفق مفوضية اللاجئين، قبل شهر من بدء الحرب إلى أكثر من 40 ألفاً.

وفي نفس الوقت فإن القاهرة وطدت علاقاتها بالخرطوم عبر توقيع اتفاقية للتعاون العسكري على هامش زيارة رئيس أركان الجيش المصري محمد فريد حجازي إلى الخرطوم في 2 مارس/آذار الجاري، وهي الاتفاقية التي تخشى أديس أبابا أن تكون موجهة ضدها، خصوصاً في ظل تعقد مسار التفاوض الشاق والطويل حول السد.

ولكن هل التزاحم في مناطق النفوذ ينتج حلولاً؟

يتعاظم النفوذ الإماراتي في شرق القارة الإفريقية سواء عبر إنشاء القواعد العسكرية أو عبر الاستثمارات والمساعدات والمنح والقروض التي تقدمها لبعض الدول والحكومات بل والحركات الانفصالية، وتجمعها علاقات متميزة بحكومات إقليم أرض الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، وتنافس في ذلك دولاً أكبر في الحجم والنفوذ مثل مصر وإيران وتركيا، وتحاول تحدي نفوذ الأخيرة في هذه المنطقة بشكل خاص، إذ تتوغل في قطاعات المواني والنقل البحري.

وسبق أن لعبت الإمارات دوراً في تواصل القيادات العسكرية العليا السودانية مع مسؤولين إسرائيليين في إطار مساعيها وخطواتها المتسارعة لقيادة عملية التطبيع قبل رحيل ترمب عن البيت الأبيض، وفي 12 يناير/كانون الثانيدخلت الإمارات والسعودية وفقاً لتقارير على خط التوسط لتخفيف حدة التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا، إذ وصل وفد إماراتي إلى الخرطوم، والتقى عدداً من المسؤولين السودانيين بعد لقائه في وقت سابق الجانب الإثيوبي.

واجتمع الوفد الإماراتي برئيس المفوضية القومية للحدود معاذ تنقو بشأن هذا الملف، وتملك الإمارات قاعدة عسكرية كبيرة في منطقة عصب بإريتريا، ويعتقد أنها تستخدم في تدريب قوات الجنجويد لكنها تواجه قلقاً أمريكياً من تزايد نشاطها في المنطقة.

وفي 16 فبراير/شباط طرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، طلباً للوساطة التركية قائلة في تصريح لوكالة الأناضول للأنباء إن بلادها ستشعر بالامتنان في حال توسطت تركيا بينها وبين السودان من أجل حل النزاع الحدودي القائم حول منطقة الفشقة، جاء ذلك خلال احتفال تركيا وإثيوبيا بالذكرى 125 لتأسيس العلاقات الثنائية الدبلوماسية، من خلال مراسم افتتاح سفارة جديدة للثانية في العاصمة أنقرة، بمشاركة وزيري خارجية البلدين، مولود جاوش أوغلو، وديميكي ميكونين.

يلتقي هذا الطرح مع بعض التحليلات السودانية التي تشير إلى أن النزاع على الفشقة يعود إلى حقبة السودان العثماني. لذلك لا يجد الدور التركي المعارضة نفسها التي يلقاها الدور الإماراتي الذي يواجه معارضة من قوى الحرية والتغيير، وبقية القوى المحسوبة على الثورة، سواء لجهة التخوف من دعمها للعسكريين أو لدورها في التطبيع، أو لمحاولاتها الاستحواذ على المواني السودانية مقابل دعم القيادات العسكرية سواء عبر تحسين صورتها في واشنطن أو وعود بمعونات اقتصادية.

يبدو الأمر أنه حتى لو وجِد وسيط محايد في هذا الملف فإنه سيواجه مفاوضات مضنية وطرفاً إثيوبياً قادراً على المراوغة رغم إشكالياته الداخلية، ففي كل الملفات العالقة من سد النهضة إلى التقسيمات المحلية للنفوذ بين الإثنيات تحتج الحكومة الإثيوبية بأنها لا تعترف بالاتفاقات التاريخية الاستعمارية، بينما هي الدولة التي لم تكن محتلة عشية توقيع أغلب الاتفاقات المنظمة لحدودها مع جيرانها أو لمياه النيل، وبالتالي لم يكن يجبرها أحد على توقيع تلك الاتفاقات.

ومن ثم تبقي حكوماتها العديد من الملفات معلقة، وأهم هذه الملفات ترسيم الحدود مع العديد من دول جوارها، والاستعانة بهم على خصومها المحليين، وكذلك ملف التوافق حول سد النهضة مع كل من مصر والسودان، والاضطراب الكبير بين الحكومة المركزية والإثنيات في الشمال، هذا الأمر يزيد من قلق مصر والسودان من احتمالية استغلال الحكومة أو الأطراف المناوئة لها لملف السد في المساومة مع الطرف الآخر أو مع تلك الدول حال عدم دعمها له في مواقفه الداخلية.

تبقى الوساطات الخليجية ممكنة لكن يقلل من فعاليتها تعقد وتناقض مصالح أطرافها في السودان ومصر وإثيوبيا، وبالتالي تواجه محدودية في المناورة أو فرض الحلول الوسط دون انحياز كبير لمصالحها أو مصالح أقرب حلفائها، بينما تملك تركيا علاقات شبه متوازنة مع الأطراف لكن تبقى قدرتها محدودة على تحقيق تهدئة في هذه الملفات شديدة الحساسية.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً