تابعنا
ويرى نحو 42٪ من الإسرائيليين أنّ أكبر تهديد على الدولة تتمثل في الانقسام الداخلي كما يرى 20٪ أنّ التهديد الأكبر هو الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، ويعتبر 17٪ أنّ التهديد الثالث يتمثل في ضعف الديمقراطية، أما 15٪ فيعتبرون الوضع الأمني هو التهديد الرابع.

تتواتر التقديرات الإسرائيلية يوماً بعد يوم، أنّهم أمام انقلاب حقيقي تعيشه الدولة بعد خمسة وسبعين عاماً على إعلان تأسيسها على يد رئيس حكومتها الأول ديفيد بن غوريون 1948.

هذا يفسّر حقيقة أنّ مئات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين الذين طافوا الشوارع وأغلقوا الطرقات، ويقتربون من إعلان العصيان المدني، باتوا على قناعة أكيدة أنّ العمود الفقري للدولة في طريقه إلى الانكسار، وهم يرون ما تعيشه الدولة من حالة شيزوفرينيا، وسط استقطابات حزبية ودينيّة وإثنيّة وجهويّة، لا لأسباب متعلّقة بالقوى المعادية المحيطة بها، بل بسبب "حرب الكل في الكل" بين الإسرائيليين، مع تخوّف من سلوك الحكومة الحاليّة لفرض ديكتاتوريّة عليهم.

تغيير وجه الدولة

إنّ خطورة ما تواجهه إسرائيل في هذه الآونة يتعلّق بحالة من تبدّد هويّتها، وضياع شخصيّتها، مما دفع آلافاً من الطيارين المقاتلين وعناصر وحدات غولاني والوحدات الخاصة وخبراء السايبر والتقنية العالية وأقطاب الاقتصاد والأوساط الأكاديمية، للانخراط في الصراع الدائر حول مستقبل الدولة الذي باتوا يرونه في خطر.

ويرى نحو 42٪ من الإسرائيليين أنّ أكبر تهديد على الدولة تتمثل في الانقسام الداخلي كما يرى 20٪ أنّ التهديد الأكبر هو الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، ويعتبر 17٪ أنّ التهديد الثالث يتمثل في ضعف الديمقراطية، أما 15٪ فيعتبرون الوضع الأمني هو التهديد الرابع.

اللّافت أنّ حكومة اليمين بزعامة نتنياهو لم تُلقِ بالاً لكل هذه المعارضات، بل أدارت لها ظهرها، وبلغت حالة تسطيحها واحتقارها أنّها اخترعت لها مصطلحات ومفردات من العالم القديم، وتحاول اشتقاق أوصاف مهينة لهم، مثل الفوضويين والرافضين والمتآمرين والخونة.

في الوقت ذاته، يدرك الإسرائيليون بعد ستة أشهر من عمر الحكومة وأيام قليلة على التصديق على أخطر بنود الانقلاب القضائي، أنّهم أمام انهيار لما تبقّى من الإرث التاريخي الذي قامت عليه الدولة، يتعلّق بفصل السلطات، ويوشك أن يكون له تبعات كارثيّة على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مع أنّ عملية الانهيار الحاليّة تجري على قدم وساق، لأنّ الصراع بات يُحسم رويداً رويداً لصالح إقامة ديكتاتوريّة عنصريّة بعد التصويت الأخير في الكنيست.

المشهد الذي لم يتوقّع الإسرائيليون رؤيته في شوارعهم أن تمارس الشرطة عنفها ضدّهم، بل أن يحاول مؤيدو الحكومة قتلهم بدعسهم بالسيارات، وبخاصّة وأنّهم خريجي مدرسة العنصريّة التي أسسها الحاخام مائير كهانا قبل عقود طويلة، وتخرّج منها عدد كبير من أعضاء الكنيست الحاليّين ووزراء الحكومة.

صحيح أنّ التصويت الأخير في الكنيست شكّل ذروة الانقلاب القانوني والقضائي، لكن المسألة بدأت قبل ذلك بكثير، حين بدأت الحكومة الحاليّة منذ أوائل العام الجاري بسنّ جملة قوانين وتشريعات وإجراءات توسّع نطاق الخطر وشدّة الدمار الذي بات محدقاً بالدولة، في الطريق نحو انعدام أمنها الداخلي.

كل ذلك في محاولة لا تخطئها العين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يركّز كل كيانه وأفكاره وجوهر خططه في سبيل وقف محاكمته، وتهرّبه من السجن، وتحويل النظام السياسي في الدولة إلى ديكتاتورية وهميّة.

تدمير الاقتصاد

لم تقتصر آثار ونتائج الانقلاب القضائي الإسرائيلي على الأبعاد السياسية والحزبية والقانونية، بل وصلت الى حدّ الأوضاع المعيشية للإسرائيليين، بالتزامن مع إعلان غير معتاد لوكالة التصنيف العالمية "موديز"، التي حذّرت المستثمرين من مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، وكشفت التقاعس الاقتصادي لهذه الحكومة.

ولم يتوقف الأمر عند "موديز"، إذ صدرت جملة تحذيرات عالميّة أخرى، أهمّها توصية البنك الاستثماري "سيتي بنك" بتوخي الحذر والانتظار قبل الاستثمار في إسرائيل، وإعلان "مورغان ستانلي" تخفيض تصنيف إسرائيل إلى "وضع سلبي".

كما تراجعت قيمة عملة الشيكل الإسرائيلي بصورة خطيرة، وعبّرت محافل اقتصادية إسرائيلية داخلية عن تخوفها من هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج، وإغلاق الشركات العالمية فروعها في إسرائيل.

أكثر من ذلك، فقد وصلت التبعات الاقتصادية الكارثية الى حدّ التهديد بتراجع العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية، وما تعنيه بلغة الأرقام من تأثّر الصناعات العسكرية الإسرائيلية سلباً لأنّها تعتمد بشكل حاسم على نوعية العلاقات مع واشنطن، إذ تُضخ مليارات الشواقل من المساعدات الأمنية عليها كل عام لغرض تطوير الأسلحة.

لا يتردد الإسرائيليون الذين يضعون أيديهم على قلوبهم من تضرر مستوى معيشتهم في اتهام رئيس حكومتهم أنّه يستطيع أن يكذب على كل العالم، لكنه تحت أي ظرف لن ينجح في الكذب أبداً على أيّ شركة تصنيف ائتماني رغم خبرته الاقتصادية الواسعة.

مع العلم أنّ نتنياهو يعلم أكثر مِن سواه أنّ تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل يعدّ حدثاً له آثار بعيدة المدى على اقتصادها، وستواجه صعوبة أكبر بسداد ديونها، وسيجعل من الصعب عليها جمع الأموال في أسواق رأس المال، ويؤدي إلى انخفاض قيمة عملتها.

انقسام الجيش

جرت العادة أن يقدّم قائد الجيش للمستوى السياسي تقييماً لوضع الجيش، ويتكون من ثلاثة أبعاد هي التهديدات المباشرة والكفاءة التشغيلية والتماسك الداخلي.

لكنّ الجديد أنّه بات يطلع ذات القيادة على آخر مسألتين، دون منح الأولى حقّها المتوقع، في ضوء التخوّف الإسرائيلي من تراجع كفاءة الجيش بسبب انقسامه الداخلي حول الموقف من الانقلاب القضائي الجاري، حتى إنّ بعض الجنرالات أطلقوا عليه مصطلح "منزلق خطير"، و"تدهور بطيء لن يكون بالإمكان وقفه".

اليوم ومع تقدم الانقلاب، وفشل المفاوضات بين الائتلاف والمعارضة، وتصويت الكنيست المصيري، يبدو أنّ الجيش وقيادته العسكرية تناور في مساحة إشكالية للغاية، وسط تخوف من تضرر كفاءة الخدمة الاحتياطية والأداء العملياتي، وتراجع الجاهزيّة.

ولأنّ مسألة التماسك داخل الجيش هي ما تقلق حقّاً رئيس الأركان وقيادته العسكرية، فالقلق المتصاعد لديها الآن يكمن في إمكانية انتقال "حرب الشوارع" بين متظاهري اليمين واليسار إلى صفوف الجيش، وخصوصاً مع إعلان منظمة "إخوة السلاح" أن عشرة آلاف من جنود الاحتياط قرّروا التوقّف عن التطوع.

إنّ استمرار تلك الأزمة سيعمل على تفاقم المعضلة، وفي هذه الحالة سيظهر الجيش متعباً مرهقاً، لأنّ قطار رفض الخدمة العسكرية يسير في سباق بلا كوابح إلى نقطة اللاعودة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي