منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومسار المواجهة يثبت أنّ لأمتنا العربية والإسلامية أعداء كُثراً وليس عدواً واحداً؛ فقد كشف هذا المسار عن حرب صهيونية غربية وحشية بربرية ظالمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بمساندة غربية ضدّ الإنسان والشجر والحجر في قطاع غزة.
وبمساعدة الدول الغربية التي تقاطر قادتها ليدعموا العدوان على غزة، تواصل إسرائيل انتهاك القانون الدولي الإنساني والمواثيق والاتفاقيات الدولية، وهو ما يثبت حقيقتها؛ فهي تتصرف كمنظمة إرهابية، ولا يمكن تبرير المجازر الوحشية والعقاب الجماعي ضدّ شعب بأكمله تحت أي ذريعة، إلا إذا كان هؤلاء القادة شركاء في الجريمة التي تجري تحت سمع العالم وبصره.
لقد كشفت هذه المواجهة زيف الرهان على "مشاريع السلام" وحقيقة إسرائيل التي لم ولن تتغير، رغم أنّ البُعد الإنساني تجلى في المظاهرات التي خرجت في كل أنحاء العالم لتعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بصفتها قضية عادلة، وذلك يجهض محاولات وصمها ووصم مقاومتها بـ"الإرهاب".
إنّ ما جعل الاحتلال الإسرائيلي يتمادى في جرائمه هو ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع قضايا المنطقة، حيث أصبح جلياً أنّه لا مجال للسلام إلا بزوال الكيان الغاصب الذي يزرع بذور الحقد والغضب والكراهية في المنطقة.
تتَّبع إسرائيل سياسات عنصرية قمعية غير إنسانية لا تعرف الرحمة، منها مصادرة الأراضي والاستيطان غير الشرعي وإخلاء أصحاب الأرض منها بالقوة، والتمييز في التعامل والقوانين العنصرية، والمعاناة المستمرة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، بالإضافة إلى عرقلة أي تقدم على صعيد التنمية البشرية للفلسطينيين في غزة، والمساهمة في ركود النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
لقد أعادت معركة "طوفان الأقصى" لأمتنا روح الجهاد والفداء للدفاع عن قضايا الأمة وحقوقها المسلوبة من خلال صمود المقاومة الأسطوري الذي يرعب قلوب الاحتلال الإسرائيلي وقادته وحلفائه، لا سيّما مع مقارنة القوى غير المتكافئة والتفوق الصهيوني والدعم الغربي غير المسبوق من حيث العدة والعتاد.
ويدافع المقاتل الفلسطيني عن أرضه وعرضه وماله ووطنه بعقيدة راسخة وإيمان كبير وقوة واستبسال لينال الشهادة في سبيل الله تعالى، فيما الجندي الإسرائيلي المعتدي المهزوم من الداخل حريص على حياته يخاف الموت.
وإنْ كنّا لسنا دعاة للكراهية، لكنّ مستوى النفاق الغربي وعمق الأزمة يحتّمان علينا كأمّة أن نُعلّم أطفالنا أن الغرب الظالم لا يمكن أن ينصفنا، وعلينا العمل لاسترداد حقوقنا، فما أُخذ بالقوة لن يُسترد إلا بالقوة، لا مجال للسلام إلا بزوال الكيان الإسرائيلي الغاصب.
علينا أن نزرع في عقول أبنائنا وقلوبهم أنّ المرحلة القادمة هي التحضير والاستعداد للعمل على تحرير فلسطين، والقدس عاصمة لها، وعلى المغتصبين المرتزقة المارقين أن يعودوا من حيث أتوا، وإلّا ستكون فلسطين محرقة لهم.
على العرب أن يصحوا ويضعوا خلافاتهم جانباً ويعيدوا النظر في علاقتهم مع الغرب من منظور الأمن القومي العربي، واستخدام سلاح النفط والغاز ضدّ الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي؛ للضغط على أعدائنا واسترداد كرامتنا بين الأمم، ما من شأنه إيقاف الحرب الظالمة على غزة فوراً، حيث سيؤدي إيقاف النفط والغاز إلى إلحاق خسائر فادحة باقتصاد تلك الدول وأسواقها المالية والضغط على المجتمع الدولي.
إنّ الحكومات العربية وقياداتها تمتلك كثيراً من أوراق الضغط المؤثرة على إسرائيل وسياساتها، وعلى العرب أن يكونوا جزءاً من أي اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل، ولدينا -كأمة- خيارات عدّة في معركة الكرامة هذه.
على العرب أيضاً أن يكثفوا العمل على تجميد أو تعليق أو إلغاء الاتفاقيات مع الكيان الغاصب والدول المؤيدة له، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول التي تدعم إسرائيل بالسلاح والأموال والمعدات والقوات، ومقاطعة جميع المنتجات للشركات المؤيدة لإسرائيل.
وفي مؤسساتنا ومجتمعاتنا نحتاج إلى التركيز على البحث العلمي والزراعة والتدريب المهني، وترشيد الإنفاق، والعمل بالخدمة الإلزامية في الجيوش، وتدريب المواطنين المدنيين على استخدام السلاح، وكذلك الارتقاء بالمعلم ودوره في إعداد الجيل، وإعادة النظر في المناهج الدراسية، فضلاً عن تفعيل دور المساجد والخطاب والتوجيه الديني للأمة، والتركيز على الإعلام ورفع الروح المعنوية.
إنّ المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً لبناء جيل متمسك بدينه وعقيدته وفق منهج تربوي سليم محب لوطنه مخلص لقيادته، وحمايته من المظاهر السلبية للغزو الفكري والثقافي الذي يسعى أعداء أمتنا للتأثير بها فينا، وفق ضوابط ومعايير وقيم من خلال الأركان الأساسية: الأسرة والمدرسة والمعلم.
ونحن نتذكر الوعد الإلهي، فنحن مؤمنون بأنّ من هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس قادرون على إحداث التغيير، فغزة اليوم تصنع الكبرياء والمجد والعز والفخار، وستكون أيضاً وصمة خزي وعار لكل من خذلهم.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.