تابعنا
برهن مقاتلو "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أنهم يحملون أرواحهم بين أكفّهم جهاداً ودفاعاً عن عقيدتهم ومبادئهم، وسطروا ملاحم في ساحات الوغى أينما تشابكوا عن قرب مع العدو.

ليس الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة بجديد، إذ إن صفحات التاريخ تحفل بقصص حصار المدن والقلاع في كل الحروب، ومبتغى الحصار كان دوماً إرغام العدو على الاستسلام والخضوع لشروط المحاصِرين.

بعد عملية "طوفان الأقصى" وما أعقبها من حرب على غزة، باشرت الطائرات الإسرائيلية بشنّ غارات مدمِّرة على عموم القطاع معتبرة مدينة غزة هدفاً استراتيجياً أعظم، ناهيك عن إصرار القيادة الإسرائيلية على التأكيد أن غايتها هو القضاء على حركة حماس بالمطلق، مهما بلغت الخسائر والتضحيات والتكلفة الماديّة والمدّة الزمنية التي ستستغرقها.

ومن متابعة أخبار الحرب، نرصد كيف أنّ المخابرات الإسرائيلية استطاعت استهداف شخصيات قياديّة وناشطين بارزين تجاوز عددهم 12 شخصاً.

واستثمرت في سبيل ذلك طائراتها المسيّرة الدقيقة، إضافةً إلى الاغتيالات المتنوّعة، وما زالت تتابع عدداً آخر منهم جِهاراً، مقترفة في أثناء ذلك تصرفات إجرامية مُشينة.

وقد اعترفت باستهدافها عشرات من سيارات الإسعاف، وقصفها ألوف المدنيين الأبرياء الملتجئين إلى المدارس والمساجد ومحيط المستشفيات بقنابل ذات قدرة تدميريّة كبيرة، ما تمخّض عنه قتل مئات الأبرياء لمجرد الشكّ بوجود قائد حماسي أو أفراد عائلته في أوساطهم.

إذاً، ولو أنّ لها غايات أخرى من حصار وقصف غزة، فإن القضاء على "حماس" هو هدف إسرائيل المُعلَن ولا تراجع عنه، ومن المُسَلَّم أن يأتي استهداف قادته العسكريين من الخط الأول على رأس القائمة، ثم يليهم الخط الثاني وما يليه.

ولا تفرّق إسرائيل بين القادة السياسيين والعسكريين ومقاتلي حماس، إذ تستهدفهم جميعاً معلنة أن المواجهة مفتوحة.

سيناريوهات محتملة

لقد برهن مقاتلو "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أنهم يحملون أرواحهم بين أكفّهم جهاداً ودفاعاً عن عقيدتهم ومبادئهم، وسطروا ملاحم في ساحات الوغى أينما تشابكوا عن قرب مع العدو.

وبشكل لم يسبقهم إليه أحد في كلّ الحروب التي فرضت أوزارها نصرة لفلسطين أثبتوا مهارة كبيرة في القتال، بل فاقوا الجيوش العربية النظامية في أدائهم وإتقانهم لتقنيات الحرب واستثمار أسلحتهم المتواضعة، وحققوا ملاحم مشهودة من البطولة والشرف.

ولكن لا بدّ لنا من التطرق إلى أسوأ السيناريوهات التي قد تجابه "حماس" في قادم الأيام إزاء عدو جنّ جنون قادته، وأطلقوا العنان لتصريحاتهم.

بات هؤلاء يتكلّمون، يتصرّفون من دون ضمير ولا وازع أخلاقي، خارجين على مواثيق حقوق الإنسان الملزِمة لكل دولة عضو في الأمم المتحدة بما فيها إسرائيل.

ومن دون اكتراث لأي منطق سياسيّ ولا عسكريّ، أضحوا يسيرون على سياسة "أرض غزة المحروقة مع أهلها"، وهنا احتمالات عدّة لما قد يقع.

استهداف قادة حماس، إمّا بعمليات اغتيال تنفذها الاستخبارات الإسرائيلية بمختلف أجهزتها، على أيدي مجموعات من قوات النخبة، أو عن طريق عملاء مُندَسّين ومرتزقة، أو باستثمار التكنولوجيات الحديثة التي تقاد عن بعد مثل الدرونز والروبوتات.

ومن الممكن أن تقدم إسرائيل في حال تحديد مواقع القادة، على قصف كل موقع على حدة بقنبلة خارقة للتحصينات (BUNKER BUSTER) المتوافرة لدى سلاح الجو الإسرائيلي منذ 2009، حتى قبل أن تُغدق عليه الولايات المتحدة الأمريكية بمزيد من العتاد بعد اندلاع الحرب على غزة.

إغراق وغاز سام

ويكمن أحد الأساليب البديلة في إغراق أنفاق غزة بكميات هائلة من مياه البحر المتوسط، إذ تروّج تقارير إعلامية بأن إسرائيل قد درست هذا السيناريو، وهيّأت عشرات المضخات ابتغاء نصبها حين إتمام السيطرة على السواحل المطلة على ساحل غزّة، وشفط المياه وضخّها نحو مداخل الأنفاق ومخارجها الرئيسة والثانوية، بغية إجبار مقاتلي حماس على مغادرتها، وقتلهم أو أسرهم.

وهناك أيضاً سيناريو القتل الجَماعي لمن يتحصّنون في الأنفاق بتسريب غازات سامة قاتلة تنتشر في جميع الأنفاق التي توجد فيها مواقع القيادة، أو بغازات أعصاب مُخدِّرة غير قاتلة، تفقدهم وعيهم لساعات طويلة، فيُقبض عليهم في غضونها.

ومن المُسَلَّم به أنَّ لا مانع لدى إسرائيل المعروفة بوحشيّة جيشها وقساوته من قتل الآلاف بأسلوب "السدود النارية" الزاحفة على عموم مدينة غزة على وجه الخصوص من أقصاها إلى أقصاها.

وقد تستعمل في هذه الحرب كلّ أنواع الأسلحة، من القنابل الثقيلة والمقذوفات المحمّلة على الطائرات الحربية، إلى جانب المدافع وراجمات الصواريخ والهاونات والرشاشات الثقيلة المركبة على أبراج الدبابات والمدرعات والآليات.

ويمكن استثمار الأسلحة المتنوعة لقطعِ الأسطول البحري العائمة والغواصات من دون اكتراث لأرواح المدنيين، كما جرت العادة منذ الأيام الأولى لـ"طوفان الأقصى"، فيستهدف القادة في مكامنهم إلى جانب مقاتليهم المجاهدين وسط الأنفاق، ويقضون نحبهم تحت أنقاض بيوتهم أسوة بأهاليهم وأفراد عائلاتهم.

سيناريو جنوني

وقد يكون الاحتمال الأخير وهو الأكثر جنوناً هو الذي عبّر عنه وزير "التراث" الإسرائيلي، قصف غزة بقنبلة نووية من بين 200 تمتلكها إسرائيل منذ الستينيات.

لكن هذا الاحتمال ضعيف جدّاً؛ لما له من عواقب سياسيّة وبيئيّة، ويعتبر مجرّد تهديدات وكلام لا محلّ له، رغم أن الدعاة إليه في صفوف اليمين المتطرف الإسرائيلي يرون أنه الحل الأنسب في حالة استمرار المقاومة لأي توغل بريّ إسرائيلي، ويحسبون أنهم سيحصلون مجدداً على دعم أمريكي في حال استعمال الورقة النووية، رغم الإدانة الدولية التي قد تجابه قراراً شبيهاً.

من دون إطالة حديثنا عن السيناريوهات المحتملة، نقول: إنْ لم تطرأ مواقف ميدانية ليست في الحسبان، فإنَّ سيناريوهات حصار غزة وأطرافها سوف تطبّقها إسرائيل وفقاً لعمليات مشابهة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً