تابعنا
تُعتبر "توغ" أكثر من مجرّد سيارة، فخلال جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة في دول الخليج العربي، شهدنا كيف تتجاوز السيارات الكهربائية دورها التقليدي بوصفها مجرّد مركبات، وتكتسب أهمية أكبر في سياقات مختلفة.

في ظل ما يعيشه كوكب الأرض من تغيّر كبير في مناخه، لا سيّما عبر الشعور المتزايد بظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن التلوث الصادر عن انبعاثات مشتقات النفط بشكل أساسي، تحاول تركيا أن تُعزِّز نموذجاً مفيداً للمستقبل بتركيزها تقنياً وسياسياً على الصناعات النظيفة.

ومن أبرز صناعات تركيا النظيفة مؤخراً سيارة توغ (TOGG) التي تتمتع بخصائص تنافسية بوصفها سيارة كهربائية عالية الكفاءة، ورغم أنّها ليست الوحيدة في هذا المضمار فإنّها من خلال الجهود الدبلوماسية تأخذه إلى مستويات جديدة.

دبلوماسية السيارات الكهربائية

تُعتبر "توغ" أكثر من مجرّد سيارة، فخلال جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة في دول الخليج العربي، شهدنا كيف تتجاوز السيارات الكهربائية دورها التقليدي بوصفها مجرّد مركبات، وتكتسب أهمية أكبر في سياقات مختلفة.

وخلال جولته الخليجية، أهدى الرئيس أردوغان سيارة "توغ" إلى كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الأمير تميم بن حمد، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في خطوة تهدف إلى زيادة التقارب، إذ إنّ هذه الجولة لها أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية والبيئية.

وأشار وزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح كاجر، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة أنقرة، إلى إهداء بلاده سيارات كهربائية إلى كل من تركمانستان وأوزباكستان وأذربيجان، وكذلك إلى بقية دول المجلس التركي، مبيناً أنّ حجم صادرات قطاع السيارات في تركيا بلغ نحو 30 مليار دولار.

إنّ إهداء الرئيس أردوغان سيارة بلاده الكهربائية خلال جولته الأخيرة في الخليج يتجاوز التجارة الثنائية ويمثل التفكير الاستراتيجي في مجالات واسعة، بما في ذلك الاستثمارات المتبادلة والتعاون الدفاعي والأمن القومي والتضامن في مواجهة أزمة المناخ والمشكلات الإقليمية والعالمية.

لذا، فإنّ السيارة الكهربائية هي دعوة لتنويع علاقات تركيا الدولية وتعزيز شراكاتها وتأكيد استقلاليتها بإنتاجاتها المحلية ذات الجودة العالية التي تعتمد عليها دول أخرى، لا سيّما حينما تظهر مستقبلاً في الطرق والشوارع حول العالم حاملةً العلامة التجارية التركية، كالطائرات المسيّرة التركية التي تحمي أجواء عشرات الدول اليوم.

وإضافةً إلى الحضور التركي في بعض مناطق العالم عبر القوة الصلبة، فإنّ السيارات الكهربائية تُعَدّ أحد أضلاع قوة تركيا الناعمة، إذ تأتي هذه السيارات أداةً من الممكن أن تزيد حضور وقوة تركيا في محيطها والعالم، خصوصاً أنّ القيادة التركية تؤكد أنّ "توغ" ستسير قريباً في طرقات بلدان أخرى.

وخلال افتتاحه منتدى أنطاليا الدبلوماسي، الذي عُقد في 18-20 يونيو/حزيران 2021، استخدم الرئيس أردوغان مفهوماً جديداً يمكن أن يشكل أساساً لتطوير العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدول، وهو مفهوم "الدبلوماسية الابتكارية أو الإبداعية"، قائلاً إنّ العالم يتغير بسرعة، لذلك يجب أن نطور دبلوماسيتنا وعلاقاتنا الدولية، والدبلوماسية التركية تستند إلى معرفة وتجربة تاريخية، وهي في الوقت نفسه تستمد قوتها من القدرة على التفاعل مع الظروف المتغيرة.

وفي ظل الصورة الذهنية عن جودة البضائع والماركات التركية، من المُتوقَّع أن تكون السيارة الكهربائية أحد أهم روافد الاقتصاد لتركيا، كما هي الحال بالنسبة إلى المسيّرات، لذا فإنّ إهداء الرئيس أردوغان السيارة إلى أمراء دول الخليج يصبّ في هذه الخانة، فعبر التسهيلات التي قدّمتها تركيا إلى المستثمرين والتجار الذين قصدوا السوق التركية، أسهمت في تشكيل صورة إيجابية صارت نموذجاً أدّى إلى جذبهم إليه، وهذا عين القوة الناعمة.

صديقة للبيئة والمناخ

وفي ظل سعي أنقرة لنَيل عضوية الاتحاد الأوروبي الذي لديه شروط تتعلق بالمناخ والبيئة والاقتصاد، فإنّ سيارة تركيا الكهربائية أصبحت ترساً في عجلة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد، كما أنّها تُحرج أوروبا، كون تركيا بهذه الصناعة وغيرها تدلّل على قوتها واستقلالها واهتمامها بالمناخ، لا سيّما أنّ صنّاع السياسة يتوقون إلى حظر السيارات الهجينة التي تستخدم محركات الاحتراق.

وفي السياق، صدّق الاتحاد الأوروبي على ملْكية تركيا لكل الحقوق الفكرية للتصميم الداخلي والخارجي الخاص بسيارتها المحلية توغ، وهذا أدّى إلى رفع الوعي بقطاع السيارات الكهربائية التركي وزاد الاهتمام بها.

ومن المعلوم أنّ الصناعات التي تعتمد على النفط تجعل الدول غير النفطية ضمن إطار التبعية للخارج ويهدد أمن الطاقة لديها، الأمر الذي دفع أنقرة خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز استثماراتها في مجال الطاقة النظيفة.

وبصناعتها السيارات الكهربائية تعزّز تركيا موقعها العالمي في استخدام الطاقة النظيفة، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في مجالَي طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي حلّت تركيا من خلالهما في المرتبة السابعة أوروبياً في قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى مجال الطاقة النظيفة التي حظيت به محطات الطاقة الكهرومائية المنتشرة في عموم البلاد، إذ حلّت تركيا في المرتبة الأولى أوروبياً والثانية عالمياً بعد الصين.

ويبيّن مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأمريكية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيّرة منذ عام 2001" أومود شوكري أنّ تركيا احتلت في عام 2021 المرتبة الخامسة في أوروبا في توليد الكهرباء من مصادر متجددة، وصارت الآن مصدّراً رئيسياً لمكوّنات طاقة الرياح وتكنولوجياتها، وذلك إلى أكثر من 45 دولة.

زوايا متعددة لإنجاز واحد

وعليه يبدو من الواضح أنّ "توغ" ليست مجرد سيارة فقط بالنسبة إلى تركيا، فبالمعنى العاطفي كانت إشارة مهمة على قدرة البلاد على الإنجاز ومبعث فخر لشعبها، وبالمعنى الاقتصادي من المتوقع أن تسهم في توفير مصدر دخل مهم للبلاد، إضافةً إلى أنّ زيادة استعمالها قد يسهم في خفض اعتماد البلاد على المحروقات المستوردة بما يخفف من تبعيتها للخارج في ملف الطاقة.

ليس هذا فحسب، بل تساهم سيارة "توغ" في تعزيز التزامات تركيا المناخية في عالمنا الذي تزداد فيه الأزمة المناخية وضوحاً كل يوم، لكنّ الدور الأبرز لهذه السيارة الكهربائية هو تحولها إلى أداة جديدة من أدوات القوة الناعمة التي قد تُمكّن تركيا من زيادة حضورها الخارجي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً