صورة لرؤساء منظمة الدول التركية والتي تضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأزبكستان، إضافة إلى المجر وتركمانستان بصفة مراقب. (Others)
تابعنا

قبلت الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية، جمهورية شمال قبرص التركية عضواً مراقباً في المنظمة، كما جاء في البيان الختامي لاجتماع القمة التاسعة للمنظمة التي عُقدت مؤخراً في مدينة سمرقند في أوزبكستان.

خبر ترحيب الدول الأعضاء بقبرص التركية زفه وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو عبر حسابه على تويتر، مرفقاً بالتغريدة/الخبر وسم "جمهورية قبرص التركية".

وتضمّ المنظمة، التي تأسست عام 2009 باسم "المجلس التركي" قبل أن يتحول إلى "منظمة الدول التركية" العام الفائت، تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأزبكستان، إضافة إلى المجر وتركمانستان بصفة مراقب.

ولعلّ قرار قبول جمهورية شمال قبرص التركية عضواً مراقباً في المنظمة كان الملمح الأبرز والأكثر لفتاً للأنظار في قرارات القمة وبيانها الختامي، إذ يحمل متغيراً مهمّاً على صعيد القضية القبرصية والتعامل مع جمهورية قبرص.

كانت تركيا تدخّلَت عسكرياً في قبرص عام 1974 في إطار "عملية سلام قبرص" لحماية الأقلية التركية إثر الانقلاب المدعوم من اليونان بهدف ضم الجزيرة إلى الأخيرة، متذرعة بأن "اتفاقية الضمان" الموقعة عام 1960 تمنحها الحقّ في ذلك، وما زالت حتى اللحظة ضمن الإطار الثلاثي الضامن في الجزيرة مع اليونان والمملكة المتحدة.

أفشل التدخل التركي الانقلاب القبرصي اليوناني، وأعلنت في 1975 "دولة قبرص التركية الفيدرالية"، وهو ما رفضه القبارصة اليونانيون، ثم بعد مسار طويل من المفاوضات دون التوصل إلى حلّ متَّفَق عليه، أعلن القبارصة الأتراك في 1983 وبشكل أحادي "جمهورية شمال قبرص التركية".

لم تتوقف الجهود والمحاولات لإعادة توحيد الجزيرة، وكان أهمها خطة الأمين العامّ السابق للأمم المتحدة كوفي عنان الذي اقترح إجراء استفتاء لتوحيد الجزيرة في إطار فيدرالي، ضمن خطة تُفضِي إلى ضمّها للاتحاد الأوروبي.

أُجريَ الاستفتاء في 2004، ورغم أن القبارصة الأتراك في الشمال صوّتوا بأغلبية واضحة (زهاء 65%) لصالح خطة توحيد الجزيرة، والقبارصة اليونانيين في الجنوب صوّتوا بأغلبية ساحقة (أكثر من 75%) ضد الخطة، فإن الاتحاد الأوروبي قبِلَ عضوية قبرص بوضعها المنقسم.

وهكذا، بقي القبارصة الأتراك خارج الاتحاد الأوروبي ولم يعترف بجمهورية قبرص التركية إلا تركيا التي تنظر إليها على أنها "الوطن الابن"، إذ تعتمد عليها الأخيرة بشكل كامل في مختلف المجالات، بخاصة الاقتصاد والسياسة الخارجية.

كما أن قبرص اليونانية انضمت إلى الدول التي ترفع "الفيتو" في وجه تركيا لتعرقل مسار المفاوضات الهادف إلى ضمّها إلى الاتحاد الأوروبي.

وقد بقيَ الوضع في الجزيرة على ما هو عليه مع انفراجات بسيطة بين الجانبين الشمالي/التركي والجنوبي/اليوناني مثل فتح بعض الممرات بينهما. كما بقيت المواقف الدولية على حالها حتى السنوات القليلة الماضية التي تميزت من جهة بتوتر تركي-يوناني متكرر، ومن جهة ثانية بتوتر تركي مع عدد من الدول الغربية في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

وكان من ملامح ذلك ونتائجه نكوص الأخيرة عن سياسة الحياد في المسألة القبرصية لدعم جهود توحيد الجزيرة، إذ إنها رفعت مؤخراً الحظر الذي كانت فرضته حول تصدير السلاح إلى قبرص اليونانية، وهو ما أثار استياء أنقرة والقبارصة الأتراك.

كما أن السنوات القليلة الأخيرة تميزت بالتنافس على الثورات في حوض شرق البحر المتوسط، في ظلّ الخلاف بين اليونان التي تدعو إلى منطق "التنصيف" لتستأثر بحصة الأسد من المناطق الاقتصادية الخالصة وبالتالي الثروات فيه، وتركيا التي تدعو إلى منطق "الإنصاف" في ترسيم الحدود البحرية بحيث تحصل كل دولة على ما تستحقه.

انعكاساً لكل ذلك ومع استمرار تعنُّت قبرص اليونانية إزاء توحيد الجزيرة القبرصية، تراجعت تركيا مؤخراً عن فكرة توحيد الجزيرة وباتت تروّج من أعلى الهرم السياسي فيها فكرة "حلّ الدولتين"، بحيث تكون للقبارصة الأتراك دولة مستقلة في الشمال، وأخرى للقبارصة اليونانيين/الروم في الجنوب.

ورغم أن هذا الطرح لم يحظَ حتى اللحظة بموافقة أي من الأطراف ذات العلاقة أو الدول الفاعلة، فإنه يبقى طرحاً قويّاً، إذ تقف خلفه تركيا دولةً ضامنةً في المسألة القبرصية أولاً، و"دولة أُمّاً" أو راعية بالنسبة إلى القبارصة الأتراك، ودولة إقليمية صاعدة وقويَّة تتمتع بعلاقات دولية واسعة من جهة ثالثة.

ومن المهمّ الإشارة إلى أن أي دولة أو كيان سياسي يحتاج إلى الوجود والاستمرارية اعتراف المجتمع الدولي (أو معظمه أو جزء منه) به و/أو دعم قوى عظمى أو عالمية أو إقليمية قادرة.

في هذا السياق، فإن لخطوة قبول جمهورية قبرص التركية عضواً مراقباً في منظمة الدول التركية أهمية كبيرة، ويمكن عدُّها اختراقاً تركيّاً في هذا المجال. ذلك أن هذه الخطوة تُضاف إلى عضوية مراقب التي تحظى بها الجمهورية في منظمة التعاون الإسلامي منذ 1979 باسم "دولة قبرص التركية"، وأخرى غيرها، كما أن لها أهميتها الخاصة بعد الطرح التركي-القبرصي الأخير بخصوص حلّ الدولتين.

ومما يُضاف إلى هذا القرار ويزيد أهميته نية روسيا فتح قنصلية لها في جمهورية شمال قبرص التركية لمتابعة شؤون المواطنين الروس المقيمين هناك، كما جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الروسي ألكسندر جروشكو خلال مشاركته في منتدى فيرونا الاقتصادي الأوراسي في العاصمة الأذربيجانية باكو نهاية الشهر الفائت.

لا تعني الخطوة الأخيرة أن جمهورية شمال قبرص التركية في طريقها إلى نيل اعتراف العالم بها قريباً، لكن الخطوة رمزية ومهمَّة جدّاً في سياقها. فمن جهة، أثبتت أنقرة أنها جادَّة في سعيها لدعم طرح حلّ الدولتين ودعم القبارصة الأتراك في هذا الإطار، ومن جهة ثانية فمنظمة الدول التركية ذات خصوصية لتركيا وقبرص التركية، وقرار القنصلية الروسية -إذا ما رأى النور- سيكون له أثره الكبير بالنظر إلى ثقل روسيا في النظام الدولي وارتدادات الحرب الروسية-الأوكرانية وكذلك العلاقات التركية-الروسية.

لذلك يمكن القول إن الخطوة الأخيرة تضمنت "تعاملاً" من قبل المنظمة مع جمهورية شمال قبرص التركية وتُعَدُّ اعترافاً ضمنيّاً بها وإن لم يكُن اعترافاً رسميّاً، وإنها بالتالي خطوة يمكن البناء عليها، وقد تلحق بها خطوات إضافية من أطراف أخرى، خصوصاً أن الحقبة الحالية تشهد حالة من عدم اليقين والسيولة في ما يتصل بالنظام الدولي.

وبكل الأحوال، وبالحدّ الأدنى، فإن هذه الخطوات تقوّي يد تركيا والقبارصة الأتراك وتعزّز أوراقهما التفاوضية مع اليونان وقبرص اليونانية والأطراف الداعمة لهما، وبالتالي قد تحمل جديداً على صعيد المسألة القبرصية على المدى البعيد. ولكن الأهمّ في ما يبدو بالنسبة إلى تركيا، هو الرسالة التي خطّها وزير الخارجية جاوش أوغلو على تويتر للقبارصة الأتراك، بأن تركيا ستكون "إلى جانبكم دائماً وفي كل مكان".

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي