تابعنا
وفي هذا التوقيت الهام، تأتي زيارة الرئيس أردوغان إلى منطقة الخليج العربي، فقد ناقش خلال حضوره قمة المُناخ عديداً من القضايا الحيوية، وعلى رأسها قضية غزة، كما وصل الرئيس أردوغان، أمس، إلى الدوحة في زيارة تستغرق يومين.

تحتل منطقة الخليج العربي موقعاً هامّاً بين قارتي آسيا وإفريقيا، وفضلاً عن أهميتها من الناحية الملاحية، تتمتع المنطقة بحجم هائل من موارد الطاقة، ما جعل الإنجليز يسيطرون عليها لما يقرب من 150 عاماً.

ثم استطاع الخليج بعد الحرب العالمية الثانية التخلص من الهيمنة البريطانية، لذا تُعتبر الإمارات العربية المتحدة وقطر من البُلدان الشابَّة نسبيّاً، إذ أصبحتا دولتين مستقلَّتين عام 1971، ومع اكتشاف النفط والغاز الطبيعي حققت الدولتان مؤخراً تنمية كبيرة، واكتسبتا أهمية في التجارة والسياسة العالمية.

واستعداداً لعصر ما بعد الطاقة، مثل كثير من الدول، تحاول الإمارات وقطر تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط، أو الطاقة عموماً، لذلك ينفق البلدان بعضاً من دخل الطاقة التقليدية على أبحاث وتطوير الطاقة المتجدِّدة، ومن هذا المنطلق، تستضيف الإمارات العربية حاليّاً القمة العالمية للعمل المُناخي "كوب 28".

وفي هذا التوقيت الهام، تأتي زيارة الرئيس أردوغان إلى منطقة الخليج العربي، فقد ناقش خلال حضوره قمة المُناخ عديداً من القضايا الحيوية، وعلى رأسها قضية غزة، كما وصل الرئيس أردوغان، أمس، إلى الدوحة في زيارة تستغرق يومين، يشارك خلالها في اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية، والقمة الرابعة والأربعين لمجلس التعاون الخليجي، إذ تُعتبر قطر حليفة لتركيا، بالإضافة إلى دورها النشط في التوسط خلال الأزمة الفلسطينية، وسنحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على هاتين الزيارتين وآثارهما المحتمَلة.

المحطة الأولى

في المحطة الأولى من الزيارة، حضر الرئيس أردوغان، وعقيلته السيدة أمينة أردوغان، قمة المُناخ العالمية التي عُقدت في دبي، بصحبة وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي محمد أوز حسكي، ووزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، ومدير دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، وكبير مستشاري الرئيس، السفير عاكف تشاغطاي قيليتش، في وفد رسمي يُظهر ثقل تركيا الدبلوماسي، في إشارة إلى أن الجهود الدبلوماسية التي انطلقت من تركيا تُستكمل أيضاً من دبي.

وفي معرض شرح وجهة نظر تركيا بشأن القضايا البيئية في القمة، دعا الرئيس أردوغان الجميع إلى تحمُّل المسؤولية والتعاون بشكل أكبر في مكافحة الآثار المدمرة لتغير المُناخ، متحدثاً عن الخطوات التي اتخذتها تركيا لحل أزمة المناخ والبيئة.

وأشار إلى مشروع "صفر نفايات" الذي نُفذ بمبادرة وقيادة عقيلته السيدة أمينة أردوغان، وحظي بقبول عالمي، مؤكداً أن التنمية في تركيا تسير بالتوازي مع نهجها البيئي المُستدام.

من ناحية أخرى، نقل الرئيس أردوغان آراءه بشأن غزة أمام رؤساء الدول والحكومات من جميع أنحاء العالم، الذين حضروا القمة، وأصرت تركيا على وقف إطلاق النار وتحسين الوضع الإنساني في غزة، داعية الدول الأخرى إلى إبداء قدر أكبر من الحساسية تجاه قضية غزة، وبما أن الوضع يمر بمرحلة حرجة وخطيرة للغاية، فمن المهم جدّاً أن يعمل مختلف البلاد من غربية وإسلامية معاً من أجل إيجاد حل عادل للشعب الفلسطيني.

إلى جانب ذلك، التقى الرئيس خلال الزيارة المسؤولين الإماراتيين، ورغم أن العلاقات بين البلدين كانت متوترة بعد الربيع العربي، فإنها بدأت تتطور بشكل جيد في السنوات الأخيرة.

وبلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين 10 مليارات دولار عام 2022، وتجاوز 13 مليار دولار في النصف الأول من 2023، ومن الممكن أن يتخطى 20 ملياراً بنهاية العام، كما بلغ حجم الاستثمار المباشر لدولة الإمارات في تركيا نحو 8 مليارات دولار.

الحليف الأقرب في المنطقة

بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى دولة الإمارات، اتجه أمس إلى الدوحة لحضور الاجتماع التاسع للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية، وخلال اللقاء تناول زعيما البلدين آخر التطورات في غزة، وجهود وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصَر، وعقب الاجتماع وقَّعت تركيا وقطر 12 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات السياسية، والثقافية، والعسكرية، والتجارية، بالإضافة إلى البحوث العلمية، والتكنولوجيا، والاتصالات، والاستثمار، وذلك بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وتُعدُّ قطر الحليف الأقرب إلى تركيا في المنطقة، كما أن لها تأثيراً في الأجندة العربية والإقليمية من خلال عديد من القنوات، مثل قناتي الجزيرة والعربي، اللتين لعبتا دوراً في نقل مطالب ثورات الربيع العربي، التي دعمت فيه تركيا وقطر رغبة الشعوب، وتعتبر السياسة الخارجية للدولتين على مقربة من بعضهما، ومثلما كان لتركيا دورٌ في حرب أوكرانيا، كان لقطر أيضاً دورٌ نشِطٌ في الوساطة بأزمة أفغانستان وكذا الأزمة الفلسطينية.

وواحدة من أهم المحطات في العلاقات التركية القطرية حادثة الحصار على قطر، ففي عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاصر عديد من الدول العربية قطر جوّاً وبرّاً وبحراً، وأمام هذا التطور المفاجئ، صمَّمت تركيا على منع قطر من السقوط ودعَّمتها دبلوماسيّاً ولوجستيّاً، محاولة تلبية احتياجات الاستهلاك اليومي لأسواق قطر بسرعة كبيرة، ومع إنشاء الجسر الجوي بين البلدين جنّبت تركيا حليفتها نقص المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية الأخرى.

من جهة أخرى، تُعدُّ القاعدة العسكرية التركية في قطر من القواعد النادرة في البلاد بعد القاعدة الأمريكية، ورغم أن الأولى لم تُستخدم في أثناء الحصار، فإنها بطبيعة الحال كان لها دور رادع ضد التدخل العسكري من دول الحظر. وبمرور الوقت عقدت قطر مصالحاتٍ مع دول الحصار، خصوصاً السعودية والإمارات ومصر، وقد دعّمت تركيا أيضاً هذا السلام.

كما تشجع تركيا وقطر على تخفيف التوترات وتحسين التعاون بين دول المنطقة، وكذلك منع الصراعات الطائفية والعرقية فيها، حتى إنهما تشجعان على عدم استبعاد إيران.

ومثل تركيا، فإن قطر تشكل ملاذاً لعديد من الفارّين من القمع والأزمات، فالبلدان لم يتجاهلا مطالب الشعب العربي في الديمقراطية والتنمية، وعلى سبيل المثال، ورغم أن عديداً من الدول العربية قد استأنف العلاقات مع النظام السوري، فإن قطر وتركيا لم تستأنفا العلاقات مع بشار، الذي قتل أكثر من مليون شخص، مع إصرارهما على ضرورة حل الأزمة السياسية في سوريا وفقاً لمطالب السوريين (وبما يتماشى مع اتفاقية جنيف).

دبلوماسية كأس العالم

خلال فترة الإعداد لكأس العالم، وبينما أجرى بعض الدول دعاية سلبية، مفادها أن قطر لن تتمكن من تنظيم هذه البطولة، تصرفت تركيا عكس ذلك، وكذلك لعبت الشركات التركية دوراً قويّاً في بطولة كأس العالم، التي نظمتها قطر بشكل ناجح، وشكّلت إنجازاً مرموقاً للعالمين العربي والإسلامي.

وقد أسهمت الشركات التركية في بناء عديد من البنى التحتية والملاعب، كما شارك 3000 شرطي تركي في ضمان أمن المسابقات الرياضية، وحضرت تركيا افتتاح الكأس على أعلى مستوى (بحضور الرئيس أردوغان) مقدمة الدعم المعنوي اللازم.

وفي سياق متصل، لعب كأس العالم دوراً في الدبلوماسية العامة لقطر والعالم العربي، إذ شهد تطوراً دبلوماسيّاً مهمّاً باجتماع الرئيس أردوغان والرئيس المصري السيسي، وكما نتذكر، فإن العلاقات بين تركيا ومصر توترت بعد الانقلاب العسكري على محمد مرسي عام 2013، ويبدو أن وساطة قطر كانت فعّالة في هذه العملية، ودخلت العلاقات التركية المصرية بهذا اللقاء مرحلة جديدة تتسم باللين.

وفي أثناء الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، قدمت الحكومة القطرية مساعدات كثيفة وشاركت في جمع المساعدات المالية من العالم العربي من خلال الحملات الإعلامية، كما أرسلت مستشفيات ميدانية وآلاف الخيام ومنازل الحاويات إلى تركيا، وزودتها بكميات كبيرة من الإمدادات الغذائية والصحية، ومن خلال طائراتها العسكرية وطائرات الشحن أسهمت قطر بشكل كبير في إيصال المساعدات من جميع أنحاء العالم إلى تركيا وسوريا.

وختاماً، رغم أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تسير في الاتجاه الصحيح، يوجد مجال لتطويرها على نطاق أوسع، فعلى سبيل المثال، بلغ حجم التجارة بين البلدين 2.3 مليار دولار لعام 2022، وهو ليس كافياً لمستوى التحالف.

ومن أجل استكمال الشراكة الاستراتيجية، توجد حاجة إلى تعاون أوثق في المجال الاقتصادي وكذلك في المجالين التعليمي والثقافي، فإمكانات التعاون في تلك المجالات هائلة، ويتبقى كثير من العمل الذي يتعين إجراؤه، بما في ذلك مشروع الجامعة القطرية-التركية، وهذه المودة والثقة بين شعبي وحكومتي البلدين تستدعي تعاوناً أكبر في مختلف المجالات الأخرى.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

نقله من اللغة التركية: سمية الكومي

TRT عربي
الأكثر تداولاً