صورة لمرفأ بيروت بعد الانفجار الضخم الذي أصابه (Mohamed Azakir/Reuters)
تابعنا

أدّى انفجار كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في أحد عنابر مرفأ بيروت لمقتل أكثر من 200 شخص وجرح الآلاف وتدمير الواجهة البحرية للمدينة.

وقد أشار العديد من التقارير إلى أن ثلث أبنية العاصمة تضررت كلياً أو جزئياً جراء الانفجار. حالة من الذهول عاشها اللبنانيون، بخاصة حين علموا أن الانفجار الذي صنّفته جامعة "شيفيلد" البريطانية بأنه أقوى الانفجارات في التاريخ التي لم تنتجها قنبلة نووية وقع في المرفأ. فقد اعتادوا أن تقع الانفجارات بالقرب من مواكب السياسيين وبمحاذاة أماكن سكنهم، لكنه هذه المرة لم يستهدف شخصية بعينها، بل استهدف الشعب اللبناني.

رغم مرور عام عليه، فإن المؤكد الوحيد في انفجار المرفأ هو أن كمية غير محددة من نيترات الأمونيوم انفجرت في العنبر رقم 12، وأدّت إلى الدمار الهائل الذي أسفر عنه. وكل ما عدا ذلك ما زال مجرد تخمينات وتحليلات واستنتاجات، علماً أن الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب اجتمعت في اليوم التالي لوقوع الانفجار ووعدت اللبنانيين على لسان وزير الداخلية بأن التحقيقات "الشفافة" بانفجار المرفأ ستنتهي بعد خمسة أيام.

الرواية التي أشاعتها السلطة عقب وقوع الانفجار، هي أن عمّالاً كانوا يقومون بأعمال "تلحيم"، تسببت أعمالهم بشرارة أدت إلى اندلاع حريق في العنبر رقم 12 الذي يحوي إلى جانب نيترات الأمونيوم ألعاباً نارية سريعة الاشتعال، سرعان ما امتدت النيران إلى النيترات فحصل ما حصل.

رواية أقنعت حينها الكثير من اللبنانيين، لكن مع مرور الأيام وتكشُّف المزيد من المعطيات والمعلومات، بدأت علامات الشك والاستفهام ترتسم حول هذه الرواية، وبدأ طرح الأسئلة التي لم تجد إجابات. آخر هذه المعطيات ما كشفه تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي صدر قبل أيام كشف أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت لم تزد على 20 بالمئة من الشحنة التي يُفترض أنها كانت موجودة. فسنداً إلى المستندات تزن الشحنة 2754 طناً، في حين أن كمية النيترات المقدَّر انفجارها لا تزيد على 552 طناً.

فكل يوم يمرّ على الانفجار يطرح المزيد من التساؤلات التي ما زالت تبحث عن إجابات.

من هذه التساؤلات البحث عن هوية صاحب شحنة نيترات الأمونيوم. مَن الذي اشترى الشحنة من شركة في جورجيا ودفع ثمنها وشحنها على متن سفينة مستأجرة من روسيا، وكانت متجهة إلى موزمبيق، لكن قبطان السفينة قال إنه جاءه الأمر من رب عمله بالتوقف في بيروت وتحميل شحنة إضافية. لماذا لم يُطالب حينها صاحب الشحنة باسترجاع أمواله؟ ولماذا لم يراجع حول مصيرها رغم أنها بقيت في مرفأ بيروت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013 حتى انفجارها في أغسطس/آب 2020؟ وماذا عن المعلومات التي أشارت إلى أن الشركة التي طلبت الشحنة والسفينة التي نقلتها يملكهما رجال أعمال سوريون وروس مرتبطون بعلاقات تجارية بالنظام السوري، وأن تنزيل الشحنة في مرفأ بيروت كان متعمَّداً ولم يكن نتيجة مشكلات قانونية متعلقة بالسفينة؟

السؤال الآخر الذي لا يقلّ أهمية: أين اختفى أكثر من ألفي طن من نيترات الأمونيوم؟ إلى أين نُقلت؟ وهل فعلاً عبرت الحدود البرية لاستخدامها في القتال الدائر في سوريا؟ وهل كان وجود هذه الكمية الضخمة من الموادّ المتفجرة في مرفأ بيروت بعلم الأجهزة الأمنية اللبنانية؟ وهل خرج معظم الشحنة من المرفأ بترتيب وغطاء الأجهزة الأمنية المشرفة على عمل المرفأ؟ وهل الأجهزة الأمنية وربما جهات رسمية متواطئون مع جهات أخرى لتخزين النيترات وتأمين خروجها من المرفأ لاستخدامها في مكان آخر؟

يبقى السؤال المتعلق بسبب انفجار الشحنة، فهل حصل الانفجار عرَضاً نتيجة حريق أو إهمال في التخزين، أم كان متعمّداً؟ ولماذا أهمل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء وقادة أجهزة أمنية وقضاة وموظفون كبار وجود هذه المواد المتفجرة في مرفأ بيروت طوال سنوات رغم علمهم بخطورتها وتأثيرها المدمّر في حال انفجارها؟

أسئلة دفعت أهالي الضحايا والمتضررين من الانفجار وبعض القوى السياسية إلى المطالبة بتحقيق دولي يبحث عن أجوبة، بخاصة أن تعامل السلطة مع التحقيقات القضائية خلال عام لا يبشّر بخير.

فبعدما تمّ تعيين قاضٍ لتولي التحقيقات في انفجار المرفأ، عادت محكمة التمييز وكفّت يد القاضي عن متابعة التحقيقات بعدما ادّعى على عدد من الوزراء والنواب إضافة إلى آخرين بالمسؤولية عن الانفجار، ليُصار بعدها إلى تعيين قاض جديد، ادّعى بدوره على عدد من الوزراء والنواب وقادة أجهزة أمنية، لكن مجلس النواب رفض رفع الحصانة عن النواب المتهمين وأحال طلب قاضي التحقيق إلى محكمة الرؤساء والوزراء، وهي محكمة وهمية لا وجود لها، ولم تعقد جلسة واحدة منذ صدور قرار تشكيلها.

كما رفضت الجهات الإدارية المعنية منح الإذن لاستدعاء قادة الأجهزة الأمنية للتحقيق لأسباب غير معروفة، الأمر الذي يدعم ظنون ذوي الضحايا بأن التحقيق القضائي لن يصل إلى نتيجة، في ظلّ تمسُّك السلطة بحصانتها ورفض تحمُّل المسؤولية ومحاولة تمييع التحقيق والتشكيك بنزاهة قاضي التحقيق الذي قامت هي بتعيينه، رغم إقرار عدد من المسؤولين بمعرفتهم المسبقة بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وعلى رأس هؤلاء رئيس الجمهورية.

في هذه الأثناء يواصل ذَوُو ضحايا انفجار المرفأ والجرحى والمتضررون من الانفجار حراكهم الذي لم يتوقف، ويلوّحون بأن تحركاتهم لن تستمر سلمية في ظل استمرار تمسك السلطة بحصاناتها ورفض المثول أمام قاضي التحقيق.

فحسب هؤلاء، لا يجوز أن تقف إجراءات إدارية أمام محاسبة المسؤولين عن إراقة دماء أبنائهم، فيما يخشى البعض أن استمرار تعنّت السلطة وتمييع التحقيقات بملفّ انفجار المرفأ، ونضوج ظروف دولية تؤدِّي إلى تشكيل محكمة دولية، تطيح بحصانات المسؤولين في لبنان، قد يكون الهدف من ورائها أبعد من كشف حقيقة انفجار المرفأ، وتصبح عنواناً للانقسام الداخلي شبيهاً بالمحكمة الدولية التي تمّ تشكيلها باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي