تابعنا
كلمة "التضامن" لا تفي بوصف حجم "فزعة" الإدارة الأمريكية لنصرة إسرائيل، إذ تتجاوز التحالف الإستراتيجي إلى حدّ دعم الموقف الإسرائيلي وتوجيهه سياسياً وعسكرياً!

شهدت إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول في غلاف غزة، زيارة تضامنية غير مسبوقة في مضمونها وكثافتها، من قِبَل الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن قبْله كلّ من وزير خارجيته أنتوني بلينكن، الذي أجرى زيارتين متتاليتين، ووزير الدفاع لويد أوستن.

كان الهدف المعلن لهذه الزيارات هو إبداء التضامن الكامل مع إسرائيل التي تعرضت لضربة إستراتيجية غير مسبوقة في تاريخها، استهدفت أساساً قواعد عسكرية لـ"فرقة غزة"، وهي القوة العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة والمكلفة بإحكام الحصار عليها وإدارة العمليات العسكرية ضدّ القطاع، فضلاً عن إدارة عمليات التجسس وتجنيد العملاء.

أقوى من تحالف إستراتيجي

غير أنّ كلمة "التضامن" لا تفي بوصف حجم "فزعة" الإدارة الأمريكية لنصرة إسرائيل، إذ تتجاوز التحالف الإستراتيجي إلى حدّ دعم الموقف الإسرائيلي وتوجيهه سياسياً وعسكرياً!

تطابق الموقف الأمريكي مع المزاعم الإسرائيلية ضدّ المقاومة الفلسطينية، إلى حدّ شيطنتها ووصفها بـ"داعش" و"النازية الجديدة"، تمهيداً لشن حرب استئصال ضدّها لا تشمل بنيتها العسكرية فقط، وإنّما تصل إلى حدّ "مسحها عن الخارطة" كما وصفت إسرائيل.

واستدعت واشنطن حاملتين للطائرات على متنهما آلاف الجنود، وزودت الاحتلال بكل الأسلحة التي تلزمه في المعركة بما فيها الصواريخ الاعتراضية لتدعيم "القبة الحديدية" الإسرائيلية، وأكّدت أنها ستضمن امتلاك إسرائيل ما تحتاجه "للدفاع عن نفسها"، وفق الوصف الأمريكي.

والأخطر من هذا أنّ واشنطن وضعت 2000 جندي أمريكي لـ"إسناد" الحرب البرية التي يمكن أن تشنها القوات الإسرائيلية على غزة.

ولا شك أنّ واشنطن بادرت إلى التحرّك السريع لتأكيد حضورها ووجودها في المنطقة، ومحاولة الحفاظ على مصالح حليفتها إسرائيل، إذ عقد بلينكن لقاءات مع زعماء مصر والأردن والسعودية.

ورغم الخلافات السابقة مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، تسعى إدارة بايدن بتحركها هذا لإرضاء "اللوبي الداعم لإسرائيل" لكسبه على وقع اقتراب حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولقطع الطريق على مزايدة من طرف الجمهوريين على الحكومة الديمقراطية في دعم إسرائيل وإسنادها.

واشنطن تدير المعركة

ويبدو أنّ عمق التدخل الأمريكي وصل إلى حدّ الدعم الوثيق في إدارة المعركة مباشرةً، بعد أن رأت أنّ حليفها الاستراتيجي قد اهتز، وفقد توازنه، وتعرض لهزيمة إستراتيجية قد تؤثر في مستقبله ووجوده، بما يُلحق الضرر بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وتمثّل ذلك بحضور بايدن وبلينكن جلسات "حكومة الحرب" المصغرة.

وربما كان للولايات المتحدة دور أيضاً في تأخير الحرب البرية على القطاع، بهدف تهيئة جيش الاحتلال لخوضها بكفاءة أكبر، والمساهمة في وضع الخطط العسكرية بعد زيارة وزير الدفاع إليها.

كما زودت الولايات المتحدة إسرائيل طيلة عقود بأسلحة أمريكية متطورة تستعمل اليوم في "القصف البساطي" العشوائي على غزة لإلحاق أضرار كبيرة وتدمير البنى التحتية وأنفاق المقاومة.

ورغم أنّ الإدارة الأمريكية تحدثت عن أهداف أخرى للزيارة، تتمثل في إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين لدى حماس، وتأمين ممرات إنسانية لخروج الأجانب وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، إلا أنّ هذه تبقى أهداف ثانوية، مقابل الهدف الأساس وهو مساعدة إسرائيل على استعادة اتّزانها العسكري والدبلوماسي.

دعم سياسي ودبلوماسي

ويبدو أنّ الولايات المتحدة تدرك عمق فشل إسرائيل الاستخباري والأمني والعسكري، والذي أسفر عن نجاح المقاومة الفلسطينية بأسر نحو 250 جندياً إسرائيلياً.

وربما رأت واشنطن أنّ ترك حكومة متطرفة، فيها بن غفير وسموترتش، لاتخاذ قرار عسكري طائش باقتحام غزة من دافع الانتقام، قد يتسبّب بنكسة ثانية لقوات الاحتلال.

ولذلك ضغطت واشنطن على نتنياهو لتشكيل حكومة طوارئ (حكومة حرب) مع زعيم حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي المعارض الجنرال بيني غانتس، بالإضافة إلى القائد السابق للجيش من حزب غانتس غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر كمراقبين.

وهدف ذلك بالأساس هو تهميش أدوار اليمينيين بن غفير وسموترتش في الحكومة، وتعزيز الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وترشيد قرار الحرب بعد ضم شخصيّتين عسكريتين للحكومة.

وقد سبق أن وضّح بايدن وجهة نظره في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، قائلاً: "أي تحرك من جانب إسرائيل لاحتلال قطاع غزة مرة أخرى، سيشكل خطأً فادحاً". وهو بالتأكيد ما يشكل ضغطاً أمريكياً على إسرائيل لتجنب هذا الخيار.

ولاستكمال الحماية للحليف الاستراتيجي، رمت واشنطن بثقلها الدبلوماسي داخل مجلس الأمن باستعمال حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرار قد يدين إسرائيل.

كما عملت على الحيلولة دون مشاركة إيران وأذرعها في المعركة لإسناد المقاومة الفلسطينية، فكانت حاملات الطائرات أوّل رسالة بهذا الخصوص، تبعتها تهديدات أمريكية واضحة لإيران من المشاركة، وتهديدات إسرائيلية مماثلة لـ"حزب الله".

ويأتي ذلك على قاعدة أنّ واشنطن لا تريد التورط بحرب إقليمية في المنطقة تشغلها عن توجهاتها الإستراتيجية في احتواء الصين والحرب الأوكرانية.

كما أنّ الإدارة الأمريكية تعتبر أنّ توسع دائرة الحرب سيلحق الضرر بمصالحها في المنطقة، وقد يضعف حلفاءها التقليديّين، وسيقضي على فرص التطبيع بين إسرائيل والسعودية خصوصاً بعد أن أعلنت الأخيرة تجميده.

لا حساب للفلسطينيين

وقد أغمضت أمريكا عينيها عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في حق المدنيين الفلسطينيين، وآخرها مجزرة المستشفى المعمداني، وألقت بالتهمة على المقاومة رغم التورط الإسرائيلي الواضح فيها!

ويرقى السلوك الإسرائيلي إلى حدّ "التطهير العرقي"، عبر ممارسة سياسة الأرض المحروقة استعداداً لحرب برية محتملة، ورغبتها في تهجير سكان غزة المدنيين إلى مصر.

ولتسهيل ذلك، ضغطت واشنطن على الدول العربية وعلى الأخص مصر للقبول بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين. وقد رفضت هذا السيناريو، بسبب تداعياته المحتملة على القضية ومصر نفسها حسب ما عبّر عنه الرئيس السيسي.

فضلاً عن أنّ الفلسطينيين أظهروا وعياً عالياً برفضهم الاستجابة للتهديدات الإسرائيلية والضغط عليهم للهجرة إلى جنوب غزة، من خلال استهداف إسرائيلي ممنهج للبنايات السكنية ومنشآت مدنية.

مرحلة لها ما بعدها

إنّ استمرار الضغط الأمريكي ينذر بنتائج خطيرة على الشعب الفلسطيني بما قد يشكّل نكبة جديدة، بخاصة أنّ هناك مخططاً إسرائيلياً لتصفية القضية الفلسطينية، ستكون له نتائج وخيمة على المنطقة بأسرها.

إنّ الحملة الإسرائيلية تستهدف الشعب الفلسطيني كلّه وليس المقاومة وحدها، وهي تشكل شكلاً من أشكال التطهير العرقي، وتتوافق مع خطط اليمين الديني المتطرف الذي لا يعترف أصلاً بالشعب فلسطيني، ويعتقد أنّ الحلّ الأمثل هو ترحيل الفلسطينيّين في الضفة إلى الأردن، كما يسعى اليوم بدعم أمريكي لا محدود لتهجير فلسطينيّي غزة إلى مصر.

وعلى عكس ما تسعى إليه الحرب الحالية، وبصرف النظر عن النتائج التي ستؤول إليها، فإنّ ذلك لن ينهي تطلعات الشعب الفلسطيني إلى الحرية والاستقلال، ولن يردعه عن ممارسة حقّه في المقاومة بالوسائل المشروعة المتاحة، وإفشال مشاريع التهجير وإلغاء الكيانية الفلسطينية.

كما يعني ذلك في المحصلة، دفن عملية التسوية وإهالة التراب عليها، بعد أن انتهت مقولة الوسيط الأمريكي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً