الجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ اطلق من لبنان / صورة: AFP (Jalaa Marey/AFP)
تابعنا

عقب جملة مواقف وممارسات متشددة وعنصرية أطلقها قطبا اليمين حليفا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحكومة سموترتش وبن غفير، ضد الفلسطينيين، والتي هزت العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، نفذت الحكومة الإسرائيلية حملة تصعيد ضد المسجد الأقصى، باقتحامه والاعتداء بالضرب والتكسير على المصلين فيه برمضان واعتقال مئات منهم، ليطلق ذلك عدداً من ردود الفعل العربية والعالمية المنددة والمستنكرة لانتهاكات الحكومة المدججة باليمين الصهيوني المتطرف.

مسؤولية من؟

غير أن ردود الشعب الفلسطيني كانت الأشد والأكثر فاعلية في التعبير عن رفض هذه الممارسات والتصدي لها بالوسائل المتاحة، لأن الاعتداء على الأقصى طاول هذه المرة حق الفلسطينيين بالعبادة، والتنكيل بهم ومنعهم الاعتكاف والصلاة في المسجد الأقصى.

لكن اللافت بالردود الفلسطينية هذه المرة أنها لم تقتصر على الصواريخ التقليدية التي تطلق من غزة، ليضاف إليها هذه المرة صواريخ أطلقت من جنوب لبنان التي أذهلت إسرائيل بكثافتها غير المسبوقة، بصرف النظر عن الضرر الضئيل الذي أوقعته.

صحيح أن أياً من التنظيمات الفلسطينية لم يعلن عن مسؤوليته عن 34 صاروخاً أطلقت حسب الرواية الإسرائيلية، لكن إسرائيل أكدت مسؤولية حماس عنها.

وليس خفياً على المتابعين ما تملكه حماس من حضور فاعل بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تتهم إسرائيل الحركة بوجود عسكري لكوادرها بجنوب لبنان بعلم حزب الله اللبناني، كما لا يخفى على أحد الوجود العسكري لتنظيمات فلسطينية أخرى في الجنوب اللبناني.

لذا فإن المسؤولية المفترضة في ظل نفي حزب الله مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، تقع على هذه الحركة، وربما أي تنظيم فلسطيني آخر أو مجموعة تنظيمات فلسطينية.

أما عن دور حزب الله فيتمثل برعاية هذه الحالة الفلسطينية، على اعتبار أنها موجودة ضمن مناطق سيطرته. ويبدو أن مبتدأ فعل إطلاق الصواريخ فلسطينياً بحتاً، إلا أنه لا يمكن أن يكون بمعزل عن موافقة حزب الله عليه، والذي يبدو أنه يوجه رسالة مزدوجة إلى إسرائيل أولها أنه جزء من حالة الرد الإيراني على استهداف إسرائيل لمواقع إيرانية في سوريا، وثانيها رسالة للساحة الفلسطينية أنه يدعم مقاومتها.

الأقصى عنوان الصراع

غير أن الأكثر أهمية في فعل إطلاق الصواريخ من لبنان، هو دلالاته المهمة في مسار الصراع مع إسرائيل واندماج الفلسطينيين في هذا الصراع.

وأهم هذه الدلالات هو أن القدس والمسجد الأقصى أصبحا العنوان الأهم والأبرز في إدامة وإثارة وتوسيع دائرة الصراع مع إسرائيل، خصوصاً بعد أن باتت حرية المسلمين وحرية عبادتهم في مسجدهم وأولى القبلتين التي تخص المسلمين جميعاً مهددة.

فلم يعد عنوان الصراع يتوقف عند احتلال أرض ومقدسات، ومحاولات تهويد وطمس الهوية الإسلامية لها، ولا عند التقسيم الزماني والمكاني للمسجد التي أدت إلى انتفاضات وهبات فلسطينية متعددة على مدار السنوات العشر الماضية. بل إن المسألة باتت تمس صميم العقيدة والعبادة، خصوصاً مع تصاعد منسوب التشدد والتطرف لدى إسرائيل، ووصول التيارات الدينية واليمينية المتشددة إلى سدة الحكم ومحاولاتها المستميتة لفرض أجندتها المتطرفة على الصراع وعلى الأخص تجاه المسجد الأقصى.

اندماج متزايد للاجئين

الدلالة المهمة الأخرى والتي لا تقل أهمية عن الأولى، هي في توسع انخراط الفلسطينيين في الصراع المباشر مع إسرائيل، فإذا كانت معركة سيف القدس عام 2021 أسفرت عن التحام فلسطينيي 48 في فاعليات المقاومة بأشكال مختلفة، وهو ما عُد تطوراً نوعياً في مجرى الصراع، ويؤشر على أزمة جديدة لإسرائيل في عقر مجتمعها الإحلالي، فإن عملية الشمال أكدت انخراطاً أوسع وأكبر لفلسطينيي الخارج أو اللاجئين الذين يشكلون أكثر من 60% من الشعب الفلسطيني.

ولا شك أن نضال اللاجئين أو فلسطينيي الخارج اكتسب بعداً جديداً يضاف إلى أبعاد نضالهم السياسي والإعلامي والجماهيري والمؤسساتي في أماكن وجودهم في شتى أصقاع الكرة الأرضية، وعلى كل المستويات.

لقد أخرجت اتفاقية أوسلو اللاجئين من إطار الحل وتخلت عنهم، لينتقلوا بهذه العملية من إطار معارضة اتفاق أوسلو سياسياً، إلى الفعل المقاوم الميداني، الأمر الذي يطرح تحدياً جديداً لإسرائيل، فيما لو جرى تكريس هذا الخط التفاعلي وتوسيعه ليشمل دوراً أكثر فاعلية وتأثيراً للاجئين الفلسطينيين الذين يحتضن لبنان شقاً كبيراً منهم.

أزمة إسرائيل

ولا شك أن أزمات إسرائيل باتت في تصاعد ونمو مُطَّرد، ففي ظل الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة التي صعدت إلى سدة الحكم، فقد تفاقمت الأزمة الداخلية الإسرائيلية على خلفية الخلاف بين التيار الديني اليميني المتشدد والتيار العلماني، والتي أثرت بالفعل على كينونة إسرائيل وهويتها التي كانت تتسلح بالقيم الغربية والطابع العلماني للتغطية على احتلال شعب آخر وسلبه حقوقه وحريته على أساس قومي وديني، وممارسة أشد أنواع البطش به، ضمن السياسة الاستيطانية.

وفيما تواجه إسرائيل تحدي الاستمرارية وعدم التمزق لأسباب داخلية، تأتي مفاعيل الصراع والمقاومة الفلسطينية لتفرض نفسها على البيئة الداخلية، وتعمق أزمات إسرائيل، وتؤثر على قابليتها للتعامل مع التهديدات الخارجية، وتزيد الخلاف الداخلي ليصل إلى أعلى مستوياته.

وشكلت الصواريخ الأخيرة مفاجأة وصدمة لقادة إسرائيل، سواء من المنطقة التي أتت منها الصواريخ التي كان يتوقعها دائماً من غزة، أو من جهة الكثافة والاستمرارية لها، فيما وجد نفسه مشتتاً في الرد، فشن هجمات محدودة على غزة مُحمِّلاً حماس المسؤولية، فيما تجنب إدانة حزب الله، حتى لا يجد نفسه مضطراً إلى دخول مواجهة مفتوحة ليس أوانها ولا مكانها مع حزب الله الذي يشاركه هذه الرغبة حيث سارع لنفي مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ!

إن مشاركة اللاجئين المباشرة والفاعلة في الصراع تشكل تهديداً جديداً قابلاً للتطور إلى آفاق أوسع في الإطار الكمي والنوعي والجغرافي، وهذا التهديد لا يقل خطراً عن تهديد القنبلة الموقوتة الداخلية المتمثلة بفلسطينيي 48، فكيف إذا اجتمع التهديدان معاً جنباً إلى جنب مع مقاومة غزة والضفة اللتين تشكلان عمود الارتكاز في الصراع.

ويلاحظ في هذا السياق نهوض القدس والضفة الغربية وتحررهما من القبضة الأمنية لتشكيل مجموعات مقاتلة مستقلة، فضلاً عن المبادرات الفردية التي تشكل حالة أرق لإسرائيل عبر العمليات الفردية التي وصل بعضها إلى منطقة الـ48.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً