تابعنا
تقدّمت عشرات الدول بطلب للانضمام إلى مجموعة بريكس من بينها دول عربية محورية مثل مصر والسعودية، ورغم وجود مساعٍ حقيقية للتوسع، إلا أنّه لا يخفى وجود نوع من الانقسام داخل المجموعة، إذ تخشى البرازيل والهند أن تؤدي عملية التوسع هذه إلى إضعاف نفوذهما.

اجتمع زعماء مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في مدينة جوهانسبرج قبل نحو عشرة أيام، في قمة تُعتبر محورية لمسار المجموعة مستقبلاً.

ورغم أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يحضر بسبب مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ موسكو وبكين تعملان جنباً إلى جنب لتوسيع الكتلة؛ في محاولةٍ منهما لتحدّي النظام القائم الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقد تقدّمت عشرات الدول بطلب للانضمام إلى المجموعة من بينها دول عربية محورية مثل مصر والسعودية، ورغم وجود مساعٍ حقيقية للتوسع، إلا أنّه لا يخفى وجود نوع من الانقسام داخل المجموعة، إذ تخشى البرازيل والهند أن تؤدي عملية التوسع هذه إلى إضعاف نفوذهما والتأثير بالتالي على سياسة عدم الانحياز في سياستهما الخارجية.

وفي المقابل، تدفع كل من الصين وروسيا باتجاه عملية التوسع في رغبة منهما لوضع المجموعة كثقل موازٍ لمجموعة السبعة وغيرها من التحالفات الدولية التي يتزعمها الغرب.

على صعيد متصل، ورغم عدم إدراجها رسمياً على جدول أعمال القمة، فإنّ سياسة مكافحة الدولار أو ما يعرف بـ(de-dollarization) تمثل بالنسبة لعديدٍ من دول بريكس أولوية وتحظى بأهمية خاصة، فقد اقترحت بعض الدول أن تُنشئ المجموعة عملتها الخاصة للحدّ من الاعتماد على الدولار الأمريكي.

مع ذلك، فإنّ معظم المراقبين يرون أنّه حتى وإن جرى اعتماد عملة موحدة للمجموعة، فإنّ تحدّيها للدولار على الصعيد العالمي لن يتحقق في المدى المنظور.

الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنّ دول البريكس والشركاء الآخرين سيواصلون السير تجاه التداول التجاري بعملاتهم المحلية بدلاً من استخدام الدولار، وهذا ما يجري فعلياً، فبنك البريكس يقرض باليوان الصيني، كما أنّه أعلن منذ أيام أنّه سيُفعّل ذلك أيضاً بعملتَي جنوب إفريقيا والبرازيل.

في الحقيقية يراقب كثيرون في أرجاء مختلفة من دول العالم قمة مجموعة البريكس الأخيرة، ويرجع ذلك- أولاً- إلى حالة الاستقطاب الدولية وتزايد التنافس بين الدول الكبرى كالولايات المتحدة والصين وروسيا.

إضافةً إلى أنّ المجموعة تكتسب أهمية بحدّ ذاتها، فعدد سكان دول المجموعة يبلغ 3.5 مليار نسمة، وهو ما يمثل شريحة كبيرة من الأسواق الناشئة الأكثر نمواً.

علاوةً على ذلك، يمثل صعودها تغييراً لقواعد اللعبة الدولية، وعلى عكس الحرب الباردة التي جرى فيها التنافس بين قوى عظمى (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، يأخذ التنافس الدولي حالياً شكل الصراع بين دول عظمى من ناحية (الولايات المتحدة) ودول متوسطة الحجم (روسيا، والبرازيل) وأخرى كبرى (كالصين والهند)، وجميعهم لم يصلوا بعد إلى مستوى الدول العظمى، وفق التصنيفات المتعارف عليها.

على صعيدٍ آخر، تشكل بريكس نموذجاً جديداً للتعاون الدولي، فعلى مدار أكثر من ثمانين عاماً، كانت الدول تلجأ إلى المنظمات الدولية التي يسيطر عليها الغرب مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة باريس، ومجموعة السبع وغيرها، لكنّ اليوم، ومع صعود مجموعة بريكس، والاحتمالات الكبيرة في توسعها، نشهد ظهور نموذج تعاوني للمجموعات "ما دون الأممية"، وهي المجموعات التي تعدّ أصغر من المجموعات الدولية (كصندوق النقد الدولي) وأكبر من المجموعات الإقليمية (كالاتحاد الأوروبي).

على أي حالٍ، مازال من المبكر الحكم على هذا النموذج ما دون الأممي من التعاون، فمن وجهة النظر الغربية، من شأن هذا النموذج أن يرفع حدّة التنافس بين الكتل المتصارعة (بريكس من جهة ومجموعة السبع من جهة أخرى)، وهو ما تسعى إليه الصين وروسيا على وجه التحديد؛ لإعادة رسم خرائط النظام العالمي بعيداً عن الهيمنة الغربية.

من ناحية أخرى، قد يعمل على تقويض الجهود الدولية في التصدّي للآفات العابرة للحدود من قبيل التغير المناخي، وانتشار الأسلحة النووية والبيولوجية، والجوائح الصحية، وغيرها.

تعاني حالة التوافق الدولية أصلاً من حالة عجز ظاهرة، فحتى الساعة لم يستطِع المجتمع الدولي وضع آليات عامة يجمع عليها الكل للتصدّي للاحتباس الحراري أو الحدّ من التسلح، وآخر ما شهده العالم من مثل هذه التوافقات كان اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة إبان ولاية الرئيس دونالد ترمب.

من وجهة النظر المقابلة، تسعى الصين بشكل متزايد إلى اعتبار نفسها زعيمة لعالم ناشئ متعدّد الأقطاب، وفي هذا السياق، تأتي مبادرة الأمن العالمي، التي أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ العام الماضي، في محاولة منها لصياغة نظام أمني عالمي جديد، تقول بكين إنّه أكثر قدرة على معالجة تحديات الأمن المستعصية في النظام الدولي الذي يقوده الغرب.

وبما أن بريكس تمثل بالفعل 40% من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإنّ توسع الكتلة أكثر يعني أن المجموعة ستكون أقوى وأكثر نفوذاً، مما يزيد من تعزيز التعدّدية القطبية.

من جانبها، تحرص موسكو أيضاً على تعزيز عالم متعدّد الأقطاب، وترى أنّ توسع مجموعة بريكس قد يشكل وسيلة لتقويض النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فبعد أن عزلها الغرب في أعقاب غزوها لأوكرانيا، تطلعت روسيا إلى دول الجنوب للمساعدة في إبقاء اقتصادها على قيد الحياة. لذا، فإنّ بريكس -الأكبر حجماً- تساعد في كسر عزلة موسكو الدولية، كما أنّ حضور عشرات الدول للقمة ستعتبره موسكو إشارة إيجابية فيما يتعلق بمكانتها الدولية.

وتقدّمت أكثر من 40 دولة -بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإندونيسيا ونيجيريا وإثيوبيا- بطلبات للانضمام إلى مجموعة بريكس، وهي دول تشعر بالإحباط أيضاً بسبب النظام الدولي الليبرالي الذي يقوده الغرب، وتشعر بالغضب مما تعتبره هيمنة أمريكية تمارس عديداً من المضايقات من قبيل العقوبات الاقتصادية، وتقدّم بريكس لهذه الدول بديلاً يبدو ملائماً للفكاك من الهيمنة الأمريكية وقبضة الدولار.

وتأتي قمة مجموعة بريكس الأخيرة وسط فترة مضطربة ومتوترة في السياسة الدولية، لقد أدت المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين والحرب الروسية على أوكرانيا إلى إبراز خطوط التصدع في النظام الجيوسياسي الدولي.

وإذا كان هناك استنتاج واضح من اتجاه القمة الأخيرة، فهو أنّ عديداً من البلدان، ومن ضمنها الشركاء التقليديون لواشنطن، يشعرون بالإحباط من النظام الدولي الليبرالي وغير راضين عن الأحادية القطبية في فترة ما بعد الحرب الباردة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي