تابعنا
مع تفشي جائحة كورونا، وانتشارها في غالبية الدول العربية، ظهر حجم الخلل في البنية الاقتصادية للنظام العربي الأمر الذي بات ينعكس على المواطن سواء تجاه غلاء الأسعار أو زيادة نسب الفقر والبطالة.

تعاني الاقتصادات العربية تاريخياً من خلل هيكلي مزمن بدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتظهر أعراضه في شكل تبعية اقتصادية للخارج، وريعية مفرطة تعتمد على قطاع استخراج النفط والغاز، وشبكات احتكارية متجذرة نتجت من تزاوج السلطة المستبدة وأصحاب المصالح الملتفين حولها، فضلاً عن هشاشة القطاعات الإنتاجية وضعفها.

ونتج عن الأعراض المزمنة للخلل الهيكلي ثلة أمراض اقتصادية منها الإفراط الاستهلاكي، وضعف الادخار والاستثمار، والفساد، علاوة على اختلال الهياكل السوقية للدول العربية، والمتمثل في سوء التوزيع والتفاوت الطبقي وتآكل الطبقة المتوسطة، وانتشار الفقر والبطالة، وما صاحب ذلك من أمراض اجتماعية عديدة.

ورغم مرور ما يقارب قرناً من الزمان على اكتشاف الثروات النفطية والغاز الطبيعي في المنطقة، لم تستطع الدول العربية الانعتاق من المرض الهيكلي المزمن، ولم تنجح إلا في تخفيف بعض الأعراض ولفترة زمنية محدودة.

أزمة كورونا جاءت لتعمق جراح الاقتصادات العربية التي كانت تتلهف إلى تحسينات تواري عورات الحكومات وغياب رشدها في تخصيص مواردها، بعد أعوام من الوعود الزائفة التي تبشر المواطنين بالازدهار الاقتصادي المنشود، تبين أنها لم تكن سوى مسكنات لا تسمن ولا تشفي من مرض.

ووفق دراسة لصندوق النقد العربي ستتراجع معدلات نمو الاقتصادات العربية إلى النصف وفق السيناريو شديد التفاؤل، والذي يتوقع احتواء الأثر الاقتصادي للفيروس خلال النصف الأول من عام 2020، وذلك لم يحدث حتى الآن، أما في حال امتداد أثر انتشار الفيروس إلى كامل العام، فمن المتوقع أن تشهد الاقتصادات العربية حالة ركود اقتصادي خلال العام الجاري، وستشهد معظم الدول نمواً سلبياً.

كما تتوقع الدراسة تضاعف مستويات عجز الموازنة العامة المجمعة للدول العربية إلى الناتج المحلي الإجمالي عام ،2020 في ظل ارتفاع مستويات الإنفاق العام وتراجع الإيرادات النفطية والضريبية.

وكذلك فمن المتوقع أن تتراجع قيمة التجارة الخارجية للدول العربية في 2020 بنسبة كبيرة، بسبب الانهيار الحاصل في أسعار النفط، حيث يمثل النفط قرابة 64% من إجمالي الصادرات العربية، وسيكون لذلك أثره على أداء التجارة البينية العربية. وسيتحول الفائض المسجل في موازين مدفوعات الدول العربية خلال عام 2019 إلى عجز بنسبة 0.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020.

إضافة إلى ذلك فإن القطاع السياحي والذي يسهم بنسبة تتراوح ما بين 12 و19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من الدول العربية سيتأثر سلبياً بشدة، بجانب القطاعات المرتبطة به مثل قطاعي الطيران والفنادق.

ومؤخراً كشف الاتحاد الدولي للنقل الجوي "الإياتا" تعرض القطاع لخسائر في كل الدول نتيجة تعليق حركة الطيران، حيث بلغت خسائر الإيرادات السعودية حوالي 7.2 مليارات دولار، ووضع 287.500 وظيفة في خطر، وقدر الأضرار على الاقتصاد السعودي بـ 17.9 مليار دولار.

في حين بلغت خسائر إيرادات القطاع في الإمارات حوالي 6.8 مليارات دولار، ووضع 287.700 وظيفة في خطر، وبلغت الأضرار على الاقتصاد 23.2 مليار دولار، كما بلغت خسائر الإيرادات في مصر حوالي 2.2 مليار دولار، ووضع 279.800 وظيفة في خطر، وتكبد الاقتصاد المصري أضراراً قدرت بـ 3.3 مليار دولار.

 ووفقاً لرئيس شركة مصر للطيران، فإن خسائر الشركة بلغت 1.2 مليار جنيه شهرياً اعتباراً من أبريل الماضى، علاوة على فقدان إيرادات بقيمة شهرية 3.5 مليارات جنيه.

كما امتدت خسائر شركات الطيران إلى كل من المملكة المغربية والكويت والجزائر وقطر وتونس وسلطنة عمان.

ووفق دراسة صدرت عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا)، سيقع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر، ومن المتوقع أن يزداد أيضاً عدد الذين يعانون من نقص في التغذية بحوالي مليوني شخص. 

ويعني ذلك أنه سيصبح حوالي 101.4 مليون شخص في المنطقة العربية في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليوناً. 

جدير بالذكر أنه بحسب إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2019، فإن الفجوة الغذائية للعالم العربي بلغت نحو 35 مليار دولار، وفي ظل الانكفاء على الذات المتوقع من الدول المنتجة للسلع الغذائية في العالم، وتأثر سلاسل الإمداد والتوريد العالمية لا سيما في نقل السلع الغذائية، ستتضرر كل الدول العربية، لا سيما غير النفطية منها، لافتقارها إلى الموارد المالية اللازمة لتلبية احتياجاتها بالشكل الكافي، ممَّا يعني أنها قد تكتفي بكميات أقل من احتياجاتها، أو أنها ستضطر إلى الاستدانة من أجل توفير الغذاء.

وشهدت الدول العربية مؤخراً موجة جديدة من الاقتراض، أبرزها اقتراض مصر 2.77 مليار دولار من البنك الدولي، وتفاوضها معه على 5.2 أخرى، كما اقترضت 5 مليار دولار بسندات دولية، وفي الوقت نفسه انخفض الاحتياطي النقدي بما يقارب 9 مليارات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

كما أعلنت السعودية أنها ستتخذ إجراءات "مؤلمة" لخفض النفقات العامة، وأن الرياض تتأهب لاقتراض مبلغ قياسي يقدّر بنحو 59 مليار دولار في العام الجاري بزيادة 26.7 مليار دولار عمَّا كان مخططاً له قبل كورونا، الأمر الذي سيؤدي إلى قفزة تاريخية في الديون البالغة حالياً نحو 180.8 مليار دولار، لتبلغ ما يقارب ربع تريليون دولار تقريباً بنهاية العام. 

هذا بخلاف تأجيل دبي سداد 10 مليارات دولار لإمارة أبوظبي، كما حصل المغرب على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة تداعيات الفيروس، واقترض الأردن 440 مليون دولار من الصندوق، بخلاف قرض سابق بقيمة 1.3 مليار دولار بنهاية مارس الماضي.

ستتذرع الحكومات العربية بفيروس كورونا للمزيد من تعمية شعوبها عن الخلل الاقتصادي المزمن الذي تسببت فيه بسياساتها غير المدروسة، وستبقى هذه الاقتصادات تعاني ما دام ليس هناك شفافية، وحسن إدارة للملفات الاقتصادية، وما دامت الأنظمة بعيدة كل البعد عن إجراء تنمية حقيقية ومستدامة تحسن من أداء الاقتصاد وتبتعد عن الاقتراض. 

TRT عربي