"نعم، هو ديكتاتور"، هكذا وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الصيني شي جين بينغ في مؤتمر صحفي، عُقد مباشرة بعد انتهاء لقاء قمة بينهما استمر لأربع ساعات في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
كان جين بينغ قد جاء إلى سان فرانسيسكو بعد دعوة تلقاها من بايدن لحضور القمة الصينية-الأمريكية، والمشاركة في الاجتماع الثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (آبيك).
ورغم أن اللقاء جاء في فترة يشهد فيها النظام الدولي عديداً من الأزمات، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار الحرب الأوكرانية، وكوارث طبيعية في مختلف مناطق العالم بسبب التغيرات المناخية، إلا أن النتيجة الأبرز التي أُعلن عنها كانت حول التوافق على استعادة بعض التواصل والتنسيق في المجال العسكري، الذي انقطع على أثر زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس/آب 2022.
كان لقاء الزعيمين بمنزلة استحضار للتاريخ لتعزيز التنافس، فقد بدأ شي خطابه الذي ألقاه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، بتذكير واشنطن على وجه الخصوص بتاريخ العلاقات بين البلدين، وركز على الحروب التي خاضتها أمريكا والصين ضد أعداء مشتركين، "الفاشية واليابان"، قائلاً: "نحن لا ننسى مجموعة النمور الطائرة...، لقد دافعنا عن بعضنا بعضاً...، وفقد أكثر من 1000 طيار صيني وأمريكي حياتهم على هذا الطريق الجوي".
واستحضر أيضاً تاريخ انفتاح العلاقات بين الصين وأمريكا عام 1971، ومؤتمر سان فرانسيسكو الذي ساعد في تأسيس الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن الصين كانت من أوائل الدول الموقعة على الميثاق الأممي.
أعداء أم شركاء؟
إن استحضار التاريخ المشترك في سياق العلاقة بين دولة صاعدة ودولة مهيمنة من المنظور الواقعي، لا يعني الوصول إلى حالة من الاستقرار أو تقليص حدة المنافسة أو حتى تقريب وجهات النظر، ففيما يتعلق بالصين، كان استحضار التاريخ مقدمة لما يليه من رفض لسياسة الاحتواء الأمريكية، إذ قال الرئيس الصيني في لقائهما: "لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخطط لقمع الصين واحتوائها".
في الواقع، تشهد العلاقات الصينية الأمريكية تعقيداً في ظل نظام دولي يتسم بالتغيير، وفي هذا السياق طرح جين بينغ سؤالاً: "هل نحن أعداء أم شركاء؟"، ورغم أن واشنطن الشريك الأول الاقتصادي للصين عالمياً، إلا أن بكين تعي جيداً أن واشنطن تحاول إضعافها وعزلها دولياً، إذ قال شي في هذا الصدد: "من الخطأ أن ننظر إلى الصين، الملتزمة بالتنمية السلمية، باعتبارها تهديداً، وبالتالي نلعب ضدها لعبة محصلتها صفر".
لقد جاء لقاء القمة بين شي وبايدن بعد ما يقارب الثلاثة عشر عاماً من التحشيد الأمريكي الداخلي والخارجي ضد الصعود الصيني المستمر، فقد وصفت إدارة أوباما الصين بأنها "فاعل دولي يهدّد الأمن العالمي"، وصعّد دونالد ترامب من ذلك "التصنيف"، ووصف الصين بأنها دولة تحريفية (Revisionist State)، أي تريد أن تحرف النظام الدولي عن شكله الراهن (الذي يتسم بالسيطرة الغربية) وتنهيه.
وحديثاً، صنّفها الرئيس بايدن بأنها التهديد الأكبر الذي يجب مواجهته ومحاسبته باعتبارها "تحدّياً متسارعاً" (Pacing Challenge). وعلى أثر ذلك، قدّم الكونغرس في 13 مارس/آذار أكبر طلب ميزانية للدفاع على الإطلاق بقيمة 842 مليار دولار.
"الأمة الأعظم"
اعتبرت واشنطن صعود الصين الاقتصادي والعسكري تهديداً لمكانتها الدولية، ومن المنظور الواقعي فإن هذه الرؤية صحيحة، إذ إن الصين تشير بشكل متكرر إلى ضرورة خلق نظام متعدد الأقطاب، ما يعني سحب مكانة واشنطن الدولية كدولة مهيمنة وتوزيع قوتها على دول أخرى، تتشارك قيادة النظام الدولي وبالطبع من ضمنها الصين.
وركّز شي بشكل كبير على أن الصين "لا تسعى إلى مناطق نفوذ، ولن تسلك الطريق القديم المتمثل في الاستعمار والنهب، أو المسار الخاطئ المتمثل في السعي إلى الهيمنة بقوة متزايدة، وليس لديها خطة لتجاوز الولايات المتحدة أو إزاحتها".
وفي الحقيقة يتناقض جزء من هذا الخطاب الصيني مع حقائق عدة، فمن ناحية، تؤكد الحتمية التاريخية لصعود القوى العظمى بأن الدول لا تكتفي بتطوير قدراتها الذاتية، بل تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها لممارسة قوتها على الصعيد العالمي فيما يخدم مصالحها. ومن ناحية أخرى، قال شي عام 2017 بشكل واضح، إن الهدف النهائي للصين هو أن تصبح "الأمة الأعظم" في تاريخ البشرية بحلول عام 2049.
ويكمن التشابه بين الصين وأمريكا بالرغبة في تعميم نموذجهما الخاص، أما الاختلاف فيكمن في الأدوات التي يستخدمها كلا البلدين، إذ تمارس الصين قوة ناعمة، مقارنة بواشنطن التي استخدمت القوة الصلبة لتحقيق ذلك.
هل خفّف اللقاء من حدة الصراع؟
بايدن قال في كلمته في اللقاء إنه "يجب علينا أن نضمن أن المنافسة لا تتحول إلى صراع، وعلينا أيضاً أن نديرها بطريقة مسؤولة، وبما أن الدولتين تحترمان بعضهما، وتتعايشان في سلام، وتسعيان إلى التعاون المربح للجانبين، ستكونان قادرتين تماماً على تجاوز الخلافات وإيجاد الطريق الصحيح للتوافق بين البلدين الرئيسيين".
وما أن خرج الرئيس الأمريكي من اللقاء حتى تحطّمت المسؤولية التي أشار إليها، حين قال -قاصداً شي ـ إن "نظرته تجاه شي لم تتغير، فهو ديكتاتور"، وهذه هي لعبة واشنطن الدائمة، التركيز على طبيعة القادة أو الأنظمة السياسية وتشويه صورتها لحشد العالم ضدها.
من الصعب أن يحاجج أحد بأن مثل هذا اللقاء سيخفف من حدة المنافسة بين بكين وواشنطن، لقد عقبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ على تصريح بايدن وقالت إن "ذلك يتعارض تماماً مع الحقائق، وينتهك البروتوكول الدبلوماسي بشكل خطير، وينتهك بشدة الكرامة السياسية للصين"، واصفةً ما قاله بايدن بأنه "استفزاز سياسي صارخ، وتصريحات سخيفة للغاية وغير مسؤولة".
الصين تصعّد، سواء قبلت واشنطن ذلك أم لا، فيمكننا تلخيص ما يقارب أربعة آلاف كلمة ألقاها شي في القمة الثنائية واجتماع أوبيك في جملة واحدة: على واشنطن أن تتكيف مع هذا الصعود، ومواجهتها لن تجدي نفعاً، واستقرار العالم مرهون باستقرار الصين.
من ناحية أخرى، أراد شي أن يومئ حين استحضر التاريخ المشترك في مقدمة اللقاء، بأن الدولتين أنشأتا هذا النظام الدولي معاً، وأن للصين الحقَّ في الحصول على حصتها الدولية من القوة والتأثير كما واشنطن.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.