أردوغان يؤكد أن حكومته لن تترك البلاد للتنظيمات الإرهابية (AA)
تابعنا

كما حذر من انخفاض النمو السكاني لتركيا إلى النصف تقريباً، الأمر الذي يهدد بتراجع في عدد السكان في تاريخ ليس ببعيد إذا استمر هذا الوضع.

ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاء التركية فقد بلغ عدد سكان تركيا 83 مليوناً و614 ألفاً و362 نسمة في عام 2020، بزيادة 459 ألفاً و365 نسمة على العام السابق، وتراجعت وتيرة النمو السكاني في البلاد إلى 5.5 بالألف في 2020، بعد أن كانت 13.9 بالألف عام 2019.

ولا شك أن هذا التحذير له دوافعه القوية في ظل الأزمة الديمغرافية الحادة التي تمر بها القارة العجوز، والتي نتجت عن تحلل الأسرة الأوروبية، وسيادة ثقافة التخلي عن الإنجاب لأسباب شخصية، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من إمكانية فقدان هذه الدول ربع سكانها.

وبحسب دراسة لمعهد ماك بلانك للبحوث الديمغرافية الألماني، فإن عدد سكان القارة الأوروبية كلها سيتراجع بمقدار 50 مليون نسمة بحلول عام 2050، كما أن كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة 25 في المئة، ويكمن السبب في هذا التراجع في ارتفاع معدلات الشيخوخة مقارنة بمعدلات الولادات.

ولعل الخطر الأكبر الذي حذر منه الرئيس والناتج عن تراجع السكان في أوروبا هو نقص الأيدي العاملة وارتفاع نسبة الشيخوخة، وبالتالي زيادة الإنفاق على معاشات التقاعد الذي قد يؤدي إلى عجز أوروبا عن تحقيق تطورات اقتصادية تضمن لها استمرار التفوق، الأمر الذي يدفع البلاد إلى فتح أبوابها أمام موجات من الهجرة طالما رفضتها لسنين طويلة تهرباً من فاتورتها القاسية.

إذن فالتراجع السكاني يهدد مسيرة التنمية التركية، وخير مثال على ذلك ما توقعه تقرير الأمم المتحدة الصادر بنهاية عام 2019 بحدوث تراجع في النمو الاقتصادي للقارة الأوروبية يتراوح بين 0.5 و1% سنوياً على مدار السنوات 15-20 القادمة، ممَّا يعني عدداً أقل من فرص العمل وانخفاض الإنتاجية، وانخفاض الإنفاق العام على السلع العامة، وتزايد أعباء الدين الوطني المستقبلي، وباختصار فان التراجع السكاني سيتسبب في تشوه الاقتصاد الأوروبي.

وتجدر الإشارة إلى أن الحضارة الإنسانية تبني على نوعين من الثروات: أولهما الثروات البشرية وثانيهما الثروات الطبيعية، ورغم السجالات الكثيرة من دول الوفرة السكانية حول التأثير السلبي للكثافات السكانية العالية على رفاهية تلك الشعوب، فإنه من المسلم به اعتبار رأس المال البشري هو عصب التنمية القادر على الدعم الاقتصادى للمجتمع من خلال القيمة المضافة، إلى جانب انعدام فرص استغلال الموارد الطبيعية من دون العنصر البشري.

وتمتد أهمية العنصر البشري كذلك إلى الناحية الاستهلاكية، فالسكان هم من يشترون المنتجات في النهاية، ومهما كانت الإمكانات التصديرية للدولة فسكانها هم ماكينة الاستهلاك الرئيسية، كما أن صقل الثروة البشرية بالعلم والمهارة والعمل على تشجيعها إبداعياً يجعل منها الثروة الحقيقية والمستدامة لأي أمة، ولنا في تخلف الدول التي تمتلك أنهار البترول مقارنة بتقدم اليابان عديمة الثروات الطبيعية خير مثال.

حققت تركيا خلال الأعوام العشرين الأخيرة إنجازات اقتصادية كبرى، دفعت بها الى مصاف الدول العشرين الكبرى اقتصادياً في العالم، حيث قفز الاقتصاد التركي قفزات هائلة في مضمار النمو، وتضاعف الناتج المحلي أكثر من ثلاثة أضعاف، فبينما بلغ 238.5 مليار دولار عام 2002 أوشك على بلوغ 800 مليار دولار بنهاية عام 2020، كما قفزت الصادرات التركية من 36 مليار دولار عام 2002 الى ما يزيد على 180 مليار دولار عام 2019، قبل أن تتراجع إلى 167 ملياراً فقط عام 2020 تحت تأثير جائحة كورونا.

ولم يكن لهذه التنمية الاقتصادية أن تتحقق إلا انطلاقاً من القاعدة السكانية الكبيرة للدولة التركية، والتي مثلت الأيدي العاملة في المصانع والحقول، وشكلت في نفس الوقت المستهلك الأول للسلع المنتجة، وتشجيعاً على الإنجاب تقدم الحكومة التركية دعماً للأمهات العاملات والعاطلات عن العمل بشكل شهري، ويأتي هذا الدعم على شكل منح مادية تتراوح بين 300 و600 ليرة عند الولادة و122 ليرة بدل رضاعة.

وقد أحسنت الدولة بالمسارعة في الاستثمار في رأس مالها البشري من النواحي الصحية والتعليمية، فصحياً توسعت الدولة في مشروعات المدن الطبية العملاقة، علاوة على استحداث نظم للتأمينات الصحية وطبيب الأسرة وغيرها. أما تعليمياً فقد تضاعفت أعداد الجامعات من 75 جامعة فقط عام 2002 إلى ما يزيد على 200 جامعة عام 2020، علاوة على 15 جامعة جديدة في طور الإنشاء.

هذا بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالتعليم قبل الجامعي، وانتشار أنواع متعددة من المدارس الثانوية، ومنها ثانويات العلوم التي تجتذب الطلاب الذين يمتلكون إمكانيات عالية في مواد العلوم (الأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات)، وثانويات العلوم الاجتماعية التي تهدف إلى إعداد رجال علم مميزين في مجال الأدب والعلوم الاجتماعية، وثانويات الأناضول العادية والمهنية ذات التخصصات المتعددة، وغيرها الكثير من الثانويات المتخصصة.

وفي شهر أبريل/نيسان من العام الماضي أعلنت الدولة التركية عن مشروع لتجهيز مليون مطور برمجيات على مدار 3 سنوات، ليصبحوا جاهزين في عام 2023، الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، تمهيداً لإلحاقهم بقطاعَي العمل العام والخاص.

جاء تحذير الرئيس أردوغان ليدق ناقوس الخطر من تناقص معدلات النمو السكاني، ومعلناً أن عماد التنمية التركية هو الإنسان، وأن مستقبل استدامة هذه التنمية وتحقيق الطموحات التركية بأن تصبح واحدة من الدول العشر الأكبر اقتصاداً في العالم لن يكون في ظل تراجع عدد السكان، وأن الدولة التركية تؤمن بأن التنمية الاقتصادية من الإنسان ولمصلحة الإنسان، وأنها تنوي الاستمرار في تقديم الرعاية الصحية والتعليمية الواجبة لأبنائها بما يضمن مشاركتهم الفاعلة في خلق القيم المضافة للاقتصاد الوطني.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي