تابعنا
فرض الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 واقعاً جيوسياسياً جديداً في منطقة البحر الأسود.

فرض الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 واقعاً جيوسياسياً جديداً في منطقة البحر الأسود. مع الاستيلاء على مدينة ماريوبول الأوكرانية في مايو/أيار الماضي، حولت موسكو بحر آزوف إلى بحيرة روسية.

على الرغم من الصعاب الهائلة، وجهت أوكرانيا ضربات كبيرة إلى البحرية الروسية، مثل إغراق طراد صاروخ موسكفا الرائد لأسطول البحر الأسود الروسي.

وفقاً لتقارير مفتوحة المصدر، دمّرَت أوكرانيا ما لا يقل عن ثماني سفن روسية وألحقت أضراراً بأربع سفن أخرى. كان الهجوم الأوكراني بطائرات مسيَّرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 ضد السفن الحربية الروسية المتمركزة في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو (عام 2014) هو الأول من نوعه في التاريخ.

بغضّ النظر عن كيفية تطور نتائج الحرب البرية، ستظلّ البحرية الروسية محايدة في المستقبل المنظور في البحر الأسود. أوكرانيا في حد ذاتها قادرة على أن تصبح قوة بحرية كبيرة في البحر الأسود.

ومن دخان الحرب وغبارها، برزت تركيا كلاعب عالمي رئيسي، مما يؤكّد أهمية أنقرة في ضمان السلام الإقليمي.

كان إغلاق أنقرة للمضايق أمام السفن الحربية الأجنبية للأطراف المنخرطة في النزاع، باستخدام السلطة الممنوحة لها بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936، بمثابة تذكير بأهمية أنقرة للمنطقة. ارتقت تركيا لتصبح القوة البحرية المهيمنة في مياهها الشمالية. هذا هو الواقع الجديد في المنطقة.

بالنسبة إلى واضعي السياسات في حلف شمال الأطلسي، فإن هجوم روسيا على أوكرانيا هو تذكير بأهمية تركيا في منطقة البحر الأسود لثلاثة أسباب: على سبيل المثال، يفيد الناتو بأن أحد أعضائه يتمتع بالسيطرة السيادية على المضايق التركية، الأمر الذي أثّر مباشرةً في حملة روسيا ضد أوكرانيا.

إلى جانب ذلك، لا يُسمح لروسيا بتعزيز أسطولها في البحر الأسود بسفن من أسطولها في المحيط الهادئ أو بحر البلطيق أو بحر الشمال حيث لا يمكن لأي من السفن دخول البحر الأسود بشكل قانوني.

كما تَسبَّب إغلاق تركيا المضايق أمام السفن الروسية في خلق مشكلات لما يسمى "خطوط سوريا السريعة" التي كانت تعمل باستمرار بين شبه جزيرة القرم وسوريا لدعم العمليات العسكرية لموسكو هناك.

بعض أعضاء الناتو يفشل في فهم ديناميات مونترو ويدعو إلى إعادة التفاوض بشأن المعاهدة. لا يقتصر الأمر على قصر النظر وما هو مستحيل عمليّاً، بل إن إعادة التفاوض بشأن المعاهدة من شأنها أن تتعارض مع مصالح الناتو في منطقة البحر الأسود.

علاوة على ذلك، لشركة Baykar، وهي شركة تركية خاصة تنتج الطائرات المسيرة الشهيرة TB2، خطط لفتح مصنع في أوكرانيا. يعمل بعض الطائرات التركية المسيرة أيضاً بمحركات مصنوعة في أوكرانيا.

أخيراً، تزدهر علاقة أوكرانية-تركية في المجال البحري أيضاً، مثلاً تشترك كييف وأنقرة في إنتاج طرادات تركية من فئة MILGEM.

كانت تركيا الدولة الأولى -والوحيدة حتى الآن- التي جمعت وزيرَي الخارجية الأوكراني والروسي حول طاولة واحدة منذ بدء الحرب.

كما أن دور تركيا في تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا جدير بالملاحظة، بخاصة الإفراج المشروط عن أولئك الذين قادوا الدفاع البطولي عن ماريوبول. كان الإنجاز الدبلوماسي الأكثر أهمية هو اتفاق الحبوب في البحر الأسود الذي توسطت فيه أنقرة والذي اتُّفق عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لعبت هذه الصفقة دوراً مهمّاً في منع حدوث مجاعة جماعية في جنوب الكرة الأرضية. لا يمكن لأي دولة أخرى غير تركيا أن تنجز هذه الأعمال الدبلوماسية.

أوضحت مذكرة موجزة أُعدّت لمارغريت تاتشر خلال الأسبوع الأول لها رئيسةً للوزراء عام 1979 أهمية تركيا في الناتو. وفي ما يتعلق بالبحر الأسود، تنصّ الوثيقة على أنه "إذا تخلت تركيا عن توجهها الغربي، فسيتبعها عديد من العواقب العسكرية المعاكسة للغرب، ولو لم تكن متحالفة مع الاتحاد السوفييتي. سيفقد الناتو السيطرة التي مارستها تركيا على مضيقَي البوسفور والدردنيل (مضيقَي إسطنبول وجناق قلعة)، مما يعطي الأسطول السوفييتي المطلّ على البحر الأسود نقطة الخروج الوحيدة إلى البحر الأبيض المتوسط".

بعض الحقائق لا يتغير أبداً، دور تركيا في الناتو لا يمكن الاستغناء عنه. ما كان صحيحاً في عام 1979 يظلّ صحيحاً اليوم.

لقرونٍ، دخلت روسيا وتركيا في منافسة وصراع في البحر الأسود ومناطق جنوب القوقاز. في الوقت الحالي يحابي التاريخ لدور تركيا في المنطقة.

سيكون من الحماقة أن لا يتبنى حلفاء تركيا في الناتو الواقع الجيوسياسي الجديد في البحر الأسود والدور الحاسم الذي ستلعبه تركيا في المستقبل.


جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي