تابعنا
مثّل مقتل الطفل الفلسطيني الأمريكي ‏وديع الفيومى ‏البالغ من العمر ست سنوات في مدينة شيكاغو على يد وحشٍ بشري يبلغ من العمر 71 عاماً دليلاً دامغاً ‏على مدى ‏الاستعداء والكراهية التي أثارتها حرب غزة الأخيرة ضدّ المجتمعات المسلمة‏ ‏والعربية.

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ‏مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري عن مشروع استراتيجي وطني شامل، تحارب وتعالج من خلاله ‏الحكومة الأمريكية ومؤسساتها المختلفة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، ‏وذلك بالتعاون مع الفاعلين في شأن المجتمعات المسلمة والعربية في الولايات المتحدة.

إعلان غير مسبوق

جاء ‏هذا الإعلان إدراكاً مبكراً لخطورة الانحياز ‏الأعمى من إدارة بايدن ‏لصالح إسرائيل في حربها الأخيرة في غزّة،‏ ‏وأثر ‏هذا الانحياز في مستقبل تصويت الناخبين المسلمين الأمريكيين له في الانتخابات الرئاسية القادمة لعام 2024. ‏ولكن بالتأكيد فإنّ إعلان هذا المشروع ‏إعلاناً رسمياً للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الحديث ‏يظهر بأنّ إدارة بايدن بدأت تُولي اهتماماً خاصاً بمكافحة الإسلاموفوبيا في البلاد.

والإسلاموفوبيا، هو مصطلح حديث يعني الكراهية البغيضة والخوف غير المبرّر ‏من الإسلام والمسلمين وكل ما يتصل بهما من رموز وشعارات وشعائر دينيّة، ‏وقد استخدمت المنظماتُ المسلمةُ الأمريكية ‏هذا المصطلح في سبيل تَعرِية وكشف ‏كراهيّة العنصريين غير المبررة نحو المسلمين والعرب الأمريكيين.

و‏صوتت الغالبية العظمى من المسلمين الأمريكيين لصالح بايدن في الانتخابات الرئاسية عام 2020 ضد خصمه الرئيس السابق دونالد ترمب، ‏ورغم قلّة عدد الناخبين المسلمين الأمريكيين وتأثيرهم في العملية السياسية ‏مقارنة مع المجموعات العرقيّة والدينيّة الأخرى في الولايات المتحدة، فإن ‏وجودهم بكثافة في ولايات مثل ولاية ميشغان، سوف يُرجِّح مصيرَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ القادمة، ما أضاف ثقلاً سياسياً ‏ لهم في الساحة الأمريكية ‏بهذه الولايات.

وكانت ‏مجموعة من المنظمات المسلمة الأمريكية قد استبشرت خيراً في بداية عهد الرئيس بايدن ‏حينما ألغى بعض السياسات السابقة ضدّ المسلمين، مثل قرار ترمب حول حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة ‏من بعض الدول ذات الغالبية المسلمة. في حين ما زال المرشح الجمهوري ترمب يُظهر كراهيته ‏للمسلمين مُجدّداً ورغبته في إعادة تطبيق قراره السابق ‏بحظر دخول المسلمين القادمين من بعض البلاد المسلمة مثل اليمن والصومال وغيرهما، من ما اشتملت عليه سابقاً قائمة الدول ‏المحظور دخول مواطنيها الولايات المتحدة.

لقد أصبح الحزب الجمهوري الأمريكي أكثر عنصريةً ‏في عهد ترمب، وكذلك ‏الحال في الوسائل الإعلامية الموالية له، مثل قناة فوكس الإخبارية وغيرها من المحطات المحليّة المنتشرة ‏داخل الولايات المتحدة.

‏‏ورغم تقرّبه من المنظمات العربية والإسلامية الأمريكية، إلّا أنّ الرئيس الأمريكي بايدن لا يُخفِي ميوله الصهيونية ودعمه المطلق لإسرائيل، رغم فتور العلاقات الثنائية بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قُبيل اندلاع الحرب الأخيرة في غزّة. ‏ولطالما صرّح بايدن بأنّه صهيونيّ ‏صميمٌ، إذ لا يحتاج المرء -على حسب قوله ‏في تصريح قديم- أن يكون يهودياً لكي يصبحَ صهيونياً.

حرب غزة ‏وزيادة معدلات الكراهية

‏زارَ بايدن إسرائيل في بداية هذه الحرب ليُظهِرَ دعمه ‏المعنوي والمادي والعسكري المطلق لها، مطالباً الكونغرس الأمريكي بسرعة الموافقة على طلب دعم إسرائيل بحوالي 14 مليار دولار أمريكي.

‏‏وحتّى كتابة هذا المقال لم تطالب إدارة الرئيس بايدن إسرائيل بوقف إطلاق النار وقفاً ‏شاملاً، مما ساعد الأخيرة على إطلاق يدها للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس ومقاتليها في قطاع غزّة ‏وتدمير شامل لكل مظاهر الحياة فيها، ‏الأمر الذي ‏ستكون له مآلاته السياسية والأمنية في المنطقة وتوازن ‏القوى الدولية بها.

‏لقد عانى المسلمون الأمريكيون كثيراً من تبعات الأحداث العالمية والمحلية في بلادهم التي يكون أحد أطرافها من المسلمين، إذ تصاعدت وتيرة الإسلاموفوبيا بعد أحداث ‏هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ‏تصاعداً مخيفاً، وكذلك ‏بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية لكل من أفغانستان والعراق.

و‏كانت هذه فترات ‏عصيبة في التاريخ الحديث للمسلمين الأمريكيين، ‏إذ تجسّدتْ بعضُ مظاهر العداء للمسلمين والعرب الأمريكيين في شكل ‏إجراءات أمنية اتبعتها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش في قانونه الشهير ‏باسم "قانون الوطنية" ‏‏المُنتهِك للحقوق المدنية للمجتمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة.

‏ونتيجةً لهذه السياسات الخاطئة نحو المسلمين ‏الأمريكيين، اتجهت معظم ‏المنظمات المسلمة الأمريكية نحو دعم مرشحي قيادات الحزب الديمقراطي الأمريكي ‏بمن فيهم الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة.

لقد مثّل مقتل الطفل الفلسطيني الأمريكي ‏وديع الفيومى ‏البالغ من العمر ست سنوات في مدينة شيكاغو على يد وحشٍ بشري يبلغ من العمر 71 عاماً دليلاً دامغاً ‏على مدى ‏الاستعداء والكراهية التي أثارتها حرب غزة الأخيرة ضدّ المجتمعات المسلمة‏ ‏والعربية في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الصعب جداً ‏تصوّر ‏مدى الكراهية البغيضة ‏في قلب رجل مُسِن ‏تسوّل له نفسه قتل طفلٍ صغيرٍ ‏تكسو البراءة محياه ولا يعرف في الحياة ‏غير البراءة والجمال ‏عالماً آخر.

‏ووفقاً لمنظمة "كير" الإسلامية الأمريكية، المهتمة بالدفاع عن الحقوق المدنية للمجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة، فإنّ معدلات الكراهية ضد المسلمين ازدادت في الأسابيع الأخيرة بعد حرب غزّة بحوالي ‏أكثر من 180% مما كان عليه ‏الحال في الفترة الزمنية ذاتها من السنة السابقة.

جدية استراتيجية بايدن

‏لا شك أنّ ‏تصريح إدارة الرئيس بايدن عن مشروع استراتيجي وطني شامل ‏لمحاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا، خطوة لا بأس بها في الاتجاه ‏الصحيح، ‏إلا أنّه من المستبعد تماماً أن تؤدي إلى نتائج حقيقية ملموسة في محاربة هذه الظاهرة التي تزداد في الولايات المتحدة الأمريكية عاماً بعد عام.

لقد أشارت منظمة كير الإسلامية الأمريكية إلى أنّ محاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا ‏يجب أن تبدأ أولاً بالمطالبة الجادة والضغط على ‏إسرائيل لوقف إطلاق النار في حرب غزّة، ‏التي راح ضحيتها ‏حتى الآن أكثر من 10 آلاف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين، ‏الأمر الذي ‏ترفضه حكومة نتنياهو إلا إذا تزايدت ‏حدة الضغوطات الدولية والشعبية عليها.

‏وعليه يجب أن يشمل هذا المشروع الاستراتيجي الوطني الشامل ‏لمحاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا تقييماً حقيقياً لدور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي، وخصوصاً في الحرائق المشتعلة سابقاً في كل من أفغانستان ‏والعراق وغزّة حالياً، ‏ودون ‏مثل هذا التقييم سيكون مصير هذه الاستراتيجية الوطنية الفشل الذريع.

‏وربما ‏لا ‏يستمر هذا المشروع ‏الاستراتيجي ‏كذلك كثيراً في حال فوز ‏الرئيس السابق دونالد ترمب ‏وحزبه الجمهوري في الانتخابات ‏الرئاسية القادمة سنة 2024، إذ لا يزال المسلمون الأمريكيون يتذكرون كيف يستهدفهم الحزب الجمهوري ‏في كل مرةٍ يسيطرون فيها على الكونغرس والبيت الأبيض الأمريكي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً