صورة قاتمة سوداء تبعث على التشاؤم والحسرة لأسباب عدة من أهمها: أن المنظمة فشلت بتحقيق كثير من أهدافها ومن طموحات الجماهير العريضة في الوطن العربي التي كانت ولا تزال ترى بالمنظمة العربية منبراً للحرية والديمقراطية والتعاون العربي وجهازاً لإقرار الأمن والسلم والتفاهم بين الدول العربية، وبين الدول العربية ودول العالم.
فبؤر التوتر والخلافات والنزاعات ومشكلات الحدود قائمة بين دول عربية عديدة. مشاريع التنمية فشلت في دول عربية كما يوجد أكثر من 80 مليوناً بالوطن العربي لا يعرفون القراءة والكتابة وعشرات الملايين تحت خط الفقر. أما في مجال التعاون فالتبادلات التجارية بين الدول العربية لا تكاد تذكر بينما تصل إلى نسب كبيرة وعالية مع دول العالم بخاصة أوروبا والولايات المتحدة.
تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتجديد والإصلاح لمواكبة تطورات العالم خلال العقود السبعة الماضية. والسؤال الذي يطرحه كثيرون "ماذا قدمته هذه المنظمة لتحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية؟
أين المشاريع المشتركة وأين العملة الموحدة وأين السوق العربية المشتركة؟ وأين عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الأشقاء؟ أين السكك الحديدية والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية.
كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن عوامل عدة تساعد هذا التكامل كالتاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة.
تتعرض جامعة الدول العربية اليوم أكثر من أي وقت مضى لمشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار.
الجامعة بحاجة إلى وضع حد للروتين والبيروقراطية واعتماد العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة. فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها وبعد المشاكل التي تعانيها دول عربية لا حل سوى الإصلاح والتغيير. فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها أُقرت بأربعينيات القرن الماضي وهذا يعني أنها بحاجة إلى التغيير وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية.
قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية فعالة. فالجامعة مع الأسف تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها. فقوانينها ومواثيقها لا تزال كما جاءت في الأربعينات من دون تطوير ولا تكييف مع معطيات الألفية الجديدة. وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمديرين وكبار المسئولين فيها لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسئولة وملتزمة.
وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم نلاحظ ديمقراطية وإنصافاً وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انعدام الرشاد والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية.
القمة القادمة في الجزائر ستكون كسابقاتها، رقماً آخر يضاف إلى القمم التي نظمتها المنظمة. من جهة أخرى يجب أن نقر بأن منظمة كجامعة الدول العربية لا تستطيع أن تضع برنامجاً للتعاون والتكامل العربي ولا برنامج للعمل العربي المشترك إذا كانت الدول العربية غير مقتنعة وجاهزة للتغيير والإصلاح من الداخل.
فمعظم الدول العربية فشلت بالعمل الديمقراطي ومشاريعها التنموية والاقتصادية وإدماج الجماهير الشعبية في عملية التنمية المستديمة والتعليم والبناء والتشييد والتطور والتقدم، كما فشلت في إشراك الجماهير العريضة في الممارسة السياسية وصناعة القرار.
توجد فجوة كبيرة جداً بين صانع القرار والرأي العام أو الشارع بمعظم الدول العربية. هذه الأمور لا تستطيع جامعة الدول العربية أن تحلها بقرارات وتوصيات ومؤتمرات وقمم تعقدها من حين إلى آخر. ومن دون ديمقراطية لا تستطيع أي منظمة أن تحقق العمل المشترك والتكامل بمختلف الأصعدة والمجالات.
المنظمة في واقع الأمر تعكس الوضع المتردي بالوطن العربي وفشل الأنظمة العربية بتحقيق الديمقراطية والتنمية المستديمة داخل حدودها وكذلك فشل هذه الأنظمة في لعب أدوار هامة ومحددة على الصعيد الدولي من خلال المنظمات الدولية والتكتلات والأجهزة السياسية والاقتصادية والثقافية.
جامعة الدول العربية بحاجة إلى وقفة مع الذات ومصارحة ونقد من أجل التغيير والإصلاح والخروج من الروتين والبيروقراطية والشلل القاتل. فالجامعة لا يجب أن ترتبط ببلد معين، ومنصب الأمين العام يجب أن يحدد في ميثاق الجامعة بولاية واحدة لأربع سنوات أو خمس غير قابلة للتجديد. كما يجب أن يكون هذا المنصب من حق أي دولة عربية بالتناوب وبلا ضغوط ولا مساومات ولا مزايدات، كما هو معمول به في جميع أنحاء العالم في المنظمات الإقليمية والقارية والجهوية والدولية.
يجب تحديد آليات العمل بجامعة الدول العربية وتوزيع لجانها وإداراتها المختلفة على جميع الدول الأعضاء بالتساوي. كما يجب تأكيد تنفيذ التوصيات والقرارات في أرض الواقع، على عكس ما هو معمول به الآن. كما يجب إلغاء مبدأ الأغلبية المطلقة في اعتماد القرارات والتوصيات وتغييره بمبدأ الثلثين أو أي طريقة أخرى عادلة وديمقراطية. إن فشل العمل العربي المشترك يعود بالأساس إلى غياب الرؤية والاستراتيجية والنية والإرادة عند الدول العربية للتواصل والتعاون لتحقيق مصالح شعوبها من المحيط إلى الخليج.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.