تابعنا
وأظهر الاستطلاع أيضاً أنّ 44% من الإسرائيليين يرون أنّ رئيس الوزراء هو المسؤول عن الفشل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل 33% ممّن حمّلوا المسؤولية لرئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي، وكبار مسؤولي الجيش.

شهدت مدينة تل أبيب أكثر من مظاهرة تطالب رئيس الإسرائيلي نتنياهو، بالعمل على عقد صفقة تبادل مع حماس للإفراج عن نحو 250 إسرائيلياً، تحتجزهم الحركة منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما شهد مقر إقامة نتنياهو في القدس الغربية مظاهرات أخرى تطالبه بالاستقالة من منصبه وتتّهمه بالمسؤولية عمّا جرى، وفشله أمام المقاومة الفلسطينية رغم القصف المستمر لقطاع غزة، ما تسبب ولا يزال في سقوط آلاف المدنيين الأبرياء.

ومنذ ذلك الهجوم، ظهر للشارع الإسرائيلي، وربما للعالم أجمع، فشل الحكومة اليمينيّة بزعامة نتنياهو في التنبؤ بما حدث وقد يحدث، فضلاً عن اتهام المعارضة لها بأنّ تشدّدها وإطلاقها يد المستوطنين لتعيث فساداً في الضفة والقدس الفلسطينيين كان سبباً في حدوث مثل هذا الهجوم.

مؤشرات على "انتكاسة" نتنياهو

ويتزامن ذلك مع إشارات ظهرت من الإدارة الأمريكية إلى أنّ بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود اليميني على سدّة الحكم بات محدوداً، وأوردت مجلة بوليتيكو الأمريكية (Politico) نقلاً عن مسؤولين كبار في الإدارة، أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن ناقش هذا الأمر مع مستشاريه، بل إنّه اقترح على نتنياهو أن يفكر في "الدروس التي سيتقاسمها مع خليفته النهائي".

ويقول هؤلاء المسؤولون إنّ الإدارة الأمريكية تعتقد أنّه لم يتبقَّ سوى وقت محدود لنتنياهو في منصبه، إذ إنّ التوقعات داخلياً كانت ترى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي سيستمر على الأرجح في منصبه أشهراً عدّة، أو على الأقل حتى تنتهي مرحلة القتال في قطاع غزة.

يأتي ذلك على خلفية تراجع معدّلات تأييد نتنياهو، ولأنّ أي تقييم إسرائيلي داخلي قادم سيكون على الأرجح أكثر إدانة لنتنياهو؛ بسبب أدائه.

كان استطلاع للرأي نشرته القناة 13 الإسرائيلية قد أظهر أنّ 76% من الإسرائيليين يطالبون باستقالة نتنياهو فوراً، ويدعون للعمل على الإفراج عن المحتجزين لدى حماس.

وأبدى 56% من المشاركين عدم ثقتهم بإدارة نتنياهو للحرب، مقابل 28% فقط أيّدوا قراراته في الحرب.

وأظهر الاستطلاع أيضاً أنّ 44% من الإسرائيليين يرون أنّ رئيس الوزراء هو المسؤول عن الفشل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل 33% ممّن حمّلوا المسؤولية لرئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي، وكبار مسؤولي الجيش، فيما حمَّل 5% فقط من المستجوبَين وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، المسؤولية.

من ناحية أخرى، قال 47% من المستطلَعين إنّه يتوجب على نتنياهو الاستقالة بعد انتهاء الحرب، فيما رأى 29% أنّ عليه الاستقالة بشكل فوري.

وكان استطلاع رأي عام آخر أجرته صحيفة "معاريف" قد أظهر أنّ 27% فقط من الإسرائيليين لا يزالون يعتقدون أنّ نتنياهو هو الأنسب لمنصب رئيس الوزراء.

غير أنّ مؤشرات قرب نهاية نتنياهو السياسية لا تتوقف عند فشله في توقع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل إنّ كثيراً من الإسرائيليين يحمّلونه مسؤولية إضعاف مناعة الاحتلال؛ بسبب الانقسام الذي أثارته التعديلات القضائية التي قسّمت الشارع الإسرائيلي، واتجاهه لتعزيز الاستيطان في الضفة والقدس على حساب تأمين مستوطنات غلاف غزة.

ويعزّز من ذلك تشكك الإسرائيليين وكذلك الإدارة الأمريكية بقدرته على إدارة الحرب على القطاع، التي تنبع في جزء كبير منها من رغبته في الانتقام دون تمكنه مع حكومته من وضع تصور سياسي لما بعد إنجاز المهمة في غزة.

ويضاف إلى ذلك أيضاً، شعور الأمريكيين بأنّ نتنياهو سيسعى لإطالة أمد الحرب حتى يُطيل بقاءه في الحكومة ويجنّب نفسه المساءلة عن الفشل الاستخباري في توقع هجوم غزة.

ومما يسرِّع من دنوِّ نهاية حكومة نتنياهو أيضاً، الخلافات داخلها التي أسهمت في تأخير بداية الحرب البرية، وما ستكبّده للاحتلال من خسائر بسبب صمود المقاومة.

الضغوط الأمريكية

ومن هنا يأتي دور الضغوط الأمريكية التي تتعاظم على نتنياهو، وقد بدأ هذا الضغط بإلزامه تشكيل حكومة طوارئ وضم وزراء معارضين لها، ومن أبرزهم الجنرال بيني غانتس المقرّب من واشنطن، ليتطور فيما بعد للتدخل في مجرى الحرب.

وتحاول واشنطن لجم رغبة نتنياهو بإطالة أمد المعارك؛ لأنّها ترى أنّ استمرارها ووتيرة الاستهداف المكثف للمدنيين من دون تحقيق نتيجة عمليّة على الأرض، قد يضرّ بعلاقاتها في المحيط العربي، ويؤثر بالتالي سلباً على مكانتها في المنطقة.

وتخشى واشنطن أن يؤجج سيناريو شبيه مشاعر العداء للأمريكيين في المنطقة، فضلاً عن تسبب ذلك في الإضرار بصورة إسرائيل في الدول الغربية، بما يُضعف تأييد الغرب المطلق للاحتلال في حربه على غزة.

كما أنّ التخوف لا يزال حاضراً من أن تتعمق هذه الحرب ومخاطر توسع قاعدة المعركة بدخول حلفاء إيران إليها، بما قد يجرّ الولايات المتحدة إلى المنطقة على حساب تركيزها على الصين وأوكرانيا، وهو السبب الذي دفع أمريكا لإحضار سفنها الحربية لمنع وقوعه.

ولذلك سعى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال جولاته المكوكية وحضوره مجلس الحرب الإسرائيلي عدّة مرات، للَجم التوسع الإسرائيلي في استهداف المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية، ومطالبة الاحتلال بعدم استخدام القوة المفرطة، والموافقة على هدن إنسانية تسمح بإدخال المواد التموينية والوقود، وإطلاق مدنيين محتجزين لدى حماس.

وأبدت حكومة نتنياهو مقاومة لهذه الضغوط تحت ضغط إشباع رغبة الشارع الإسرائيلي في الانتقام، ومحاولة تحقيق إنجازات سريعة على الأرض، الأمر الذي يعزّز التباين في الموقف مع الإدارة الأمريكية التي وفّرت غطاء كاملاً للعدوان الإسرائيلي على غزة.

لعنة غزة

ولذلك تتضافر عوامل داخلية وخارجية لتقليص الفترة المتبقية لنتنياهو في سدّة الحكم من 3 سنوات (هي ما تبقى من ولايته الحكومية المقرّرة) إلى أشهر معدودة، على وقع تشكيل لجنة تحقيق في هزيمة 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد مرور شهر على أزمة إسرائيل، لا يزال من المبكّر الحديث عن أمد الحرب التي يشنّها الاحتلال على غزة، ولكن في نهاية المطاف، من المرجّح أن تُشكَّل لجنة تحقيق عند انتهائها، وستكون إما حكومية ذات صلاحيات ضئيلة نسبياً، وإما لجنة وطنية أكثر استقلالية، بما يؤدي في النهاية لاستقالة نتنياهو وحل الحكومة، وإجراء انتخابات الكنيست وتعيين حكومة جديدة.

ومن المؤكد أنّ الولايات المتحدة تفضل حكومة أقل تطرفاً من الحكومة الحاليّة التي تضم عتاة المتطرفين من أمثال بن غفير وسموتيرتش، وهي التي تتحمل مسؤولية ما جرى.

وقد تدعم واشنطن بعد الحرب حكومة لديها رغبة في التجاوب مع أي فرص سياسية -هذا إنْ وجدت أصلاً- قد تنشأ بعد أن تضع الحرب أوزارها، وبالتأكيد لن تكون حكومة على رأسها نتنياهو، ولا حكومة يدعو أحد وزرائها إلى ضرب غزة بالنووي.

وتشير المعطيات الميدانية للمعركة الحالية إلى أنّ حكومة الاحتلال لن تتمكن على الأرجح من تحقيق هدف الإطاحة بحماس، وبصرف النظر عن الشكل أو النتيجة التي ستسفر عنها الحرب، فإنّها ستؤدي حتماً إلى هزة سياسية لدى الاحتلال، ربما لن يقف مداها عند مجرد تشكيل حكومة جديدة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً