الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (Others)
تابعنا

يعتمد مبدأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساساً على العدالة في عدم التمييز والتفرقة في المعاملة والمقاييس والمعايير بين الشعوب والأعراق والأجناس سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية. نلاحظ أن السبع عقود الماضية، أي منذ أن تم الإعلان عن الميثاق، حدثت انتهاكات وتجاوزات تفننت فيها الدول نفسها التي شاركت في صياغة الإعلان، تلك الدول التي نصبت نفسها مسؤولة عن البشرية جمعاء، ولكن وفق وجهات نظرها ورؤاها ومنطقها ومصالحها.

فمنذ البدايات الأولى، أي سنة 1948، كانت الانطلاقة خاطئة وكانت هناك ازدواجية في المقاييس والمعايير، إذ أنه في تلك الحقبة التاريخية كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار ولم يتطرق لها الميثاق لا من قريب و لا من بعيد و لم يولها أي اعتبار.

ما هو الوضع في أيامنا هذه، ونحن نعيش عصر العولمة والنزاعات والصراعات الدولية في مختلف المجالات، ونحن في نظام عالمي يسوده الاضطراب والصراعات والنزاعات الدولية؟ وفاعلون في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم، وهل بإمكاننا الحديث عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان في عالم تسيطر فيه حفنة من الدول على مصيره وأهم القرارات التي تعنيه؟

ما يمكن قوله هو أن حقوق الإنسان مثلها مثل حرية الصحافة وحرية التعبير والحريات الفردية والحريات المدنية، ومفاهيم ومصطلحات عديدة أخرى أصبحت شعارات تُمارَس وتُوظَّف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تُستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن طاعة الفاعلين في النظام الدولي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ميثاق حقوق الإنسان منذ ظهوره اتسم بثغرات ومصطلحات مبهمة وتناقضات عديدة تختلف مع قيم الكثير من المجتمعات ومعتقداتها الدينية وتقاليدها وأعرافها وعاداتها إلخ. و إذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان ورجعنا إلى الثورة الفرنسية تحديداً، نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، وهذه القضايا مع الأسف الشديد قائمة وموجودة داخل الدول الكبرى نفسها وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمَرة و هل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة و مسيطر عليها خارجياً من دولة أخرى أو دول أو نظام دولي؟

وهل بإمكاننا الحديث عن حقوق الإنسان في نظام دولي تستعمل فيه دول محددة الإرهاب والاستعمار والاستيطان والاحتلال للسيطرة على دول وشعوب وقبائل أخرى. إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة وسيلة ضغط في يد الدول القوية (حق التدخل) للتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها.

ومن أهم التناقضات التي يعيشها العالم في هذا المجال أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الأول عن حقوق الإنسان، تضرب عرض الحائط بهذا المبدأ في بلدها وداخل حدودها، عندما يتعلق الأمر بالأقليات مثل السود (قُتل العديد من المواطنين السود الأمريكيين من قبل الشرطة عمداً بلا مبرر) والهنود الحمر (السكان الأصليين لأمريكا) والأقليات الأخرى و منهم العرب. فكم من مواطن عربي، بعد أحداث 11 سبتمبر اُتُّهم و سُجن وطُرد من أمريكا بدون مبرر ومحاكمة.

وما ينسحب على أمريكا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة. فرنسا مثلا في تعاملها مع المسلمين ومع مواطني شمال إفريقيا تنتهك حقوق الإنسان، وقصة الفتاتين المغربيتين والمنديل وقصة محاكمة غارودي واغتيال المهدي بن بركة ومسألة الحجاب وإبادة ملايين الجزائريين بسبب تحرير بلادهم من جبروت الاستعمار، كلها قضايا وأحداث تبقى وصمة عار على دولة تتغنى بشعار "الحرية-الأخوة-المساواة".

تساند وتدعم الدول الفاعلة في النظام العالمي أنظمة مستبدة دكتاتورية في العالم الثالث، وهذا يتناقض جذرياً مع مبدأ حقوق الإنسان، لأن هذه الدول و بحكم نظامها السياسي السلطوي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحترم حقوق الإنسان إذا انعدمت فيها الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والتعبير والفصل بين السلطات. الغريب في الأمر أن الدول الغربية تساند هذه الدول المستبدة لفترة زمنية معينة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والاقتصادية وبعد فترة معينة تنقلب عليها، مثل ما حدث بين الولايات المتحدة وبنما والولايات المتحدة وإغتيال سلفادور أليندي و تدخل دول غربية في الإطاحة بأنظمة الحكم في دول محددة رغم أنها اُنتخبت بطريقة ديمقراطية. حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية تنتهي عندما تبدأ مصالحها.

إن الولايات المتحدة التي نصّبت نفسها رقيباً على حقوق الإنسان في العالم تكيل بمكيالين. فإذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين و بالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، فالأمر عادي وليس انتهاكاً لحقوق الإنسان. والغريب في الأمر أن أمريكا نفسها تصنف دولاً عديدة كدول إرهابية ودولاً لا تحترم حقوق الإنسان وتتغاضى عن دول أخرى تمارس إرهاب الدولة.

إسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة تحصل على 3 مليارات دولار من أمريكا وتوصف بالدولة الديمقراطية والدولة التي ترعى وتحترم حقوق الإنسان والحريات. إجراءات وممارسات من قبل الدول العظمى تتناقض جملة وتفصيلاً مع حقوق الإنسان. بأي حق تنصب الولايات المتحدة نفسها شرطياً على العالم وبأي حق تٌصنف الدول و تضعها في خانة الإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان.

أين هي حقوق الإنسان عندما تتحكم البنتاجون في حرب الخليج الثانية في الأخبار والمعلومات وتصبح قناة سي إن إن الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه خبراً أم لا؟ أين حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟

أصبح مبدأ حقوق الإنسان وسيلة في يد الدول العظمى والفاعلة في النظام الدولي للضغط وإدارة شؤون العالم وفق ما تمليه عليها مصالحها وأهدافها الإستراتيجية ونلاحظ هنا أن حتى بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسان قد تم تسيّيسها وانحازت لدول ومصالح وأيديولوجيات معينة على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس الحدود بين الدول والأمم والحضارات والديانات والشعوب والثقافات.

كيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل العولمة؟ عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالشعوب المستضعفة، عولمة همها الوحيد هو سلطة المال والسياسة والقوة ولا تعترف باختلاف الثقافات والحضارات واختلاف الآخر. فالشركات المتعددة الجنسية التي تسيطر على المال والأعمال والتجارة الدولية تستغل أطفال العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ضاربة عرض الحائط بأبسط حقوق الإنسان. هذه الشركات المتعددة الجنسية التي تبتز أطفال العالم وفقراء العالم في ضوء النهار من جهة وتطالب من جهة أخرى باحترام حقوق الطفل.

أليس من حق أطفال مناطق النزاعات والدول الفقيرة والدول المستعمَرة العيش، و كيف لنا أن نتكلم عن حقوق الإنسان في العالم وهناك شعوب محرومة من حقها حتى في العيش؟ يبدو ببساطة أن العالم بحاجة إلى وقفة مع الذات ومع أخلاق الأنا و الآخر. أما عن حق العيش و الصحة واللقاحات فحدث ولا حرج، ويكفي الازمة الأخلاقية التي يعيشها العالم الآن بسبب لقاحات كورونا.

هذا هو التحدي الكبير الذي ستواجهه البشرية مستقبلاً. التحدي يتمثل أساساً في القيم الإنسانية والأخلاقية. أما إذا سيطرت ثقافة الاستعباد والاستغلال والاستيطان واحتقار الديانات والحضارات والشعوب فالميثاق العالمي لحقوق الإنسان يبقى حبراً على ورق ومجرد شعارات جوفاء تستعملها القوى العظمى لفرض هيمنتها وبسط نفوذها على شعوب العالم.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً