الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي يتصافحان بحضور الأمير تميم بن حمد   (Others)
تابعنا

بعد سنوات من القطيعة، شكّلَت مناسبة افتتاحية كأس العالم 2022 في قطر فرصة للقاء مصافحة جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ويبدو أن الأمر لم يقتصر على المصافحة، إذ أعلنت الرئاسة المصرية، في ذات اليوم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس رجب طيب أردوغان توافقا على أن تكون المصافحة التي جرت بينهما في قطر بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

في السابق، وحرصاً على تطوير العلاقة، أجرى البلدان عدة لقاءات ثنائية على المستويين الأمني والدبلوماسي منذ مايو/أيار 2021 في كل من القاهرة وأنقرة، فضلاً عن تعيين أنقرة صالح موطلو شان سفيراً لها في القاهرة. كما أن وزير الاقتصاد التركي نور الدين نباتي زار القاهرة، فيما شارك وفد تركي على مستوى وزاري في قمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ.

مع ذلك يُعتبر اللقاء عالي المستوى بين أردوغان والسيسي هو الأهمّ في حلقة تطوير العلاقات بين البلدين، خصوصاً لمصر التي تعتبر أن للقاء على هذا المستوى دلالات خاصة تتعلق بمرحلة ما بعد 2013 في مصر، فضلاً عن التوجه الجديد للسياسة الخارجية التركية الذي تسعى من خلاله لإعادة العلاقات مع دول الجوار تعزيزاً لمكانتها الإقليمية.

ما من شك أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من العلاقات تحاول فيها الدول بناء صيغ جديدة بعد تغير التوازنات وأولويات التهديدات، وأن لكل دولة حساباتها ومصالحها. ولكن في ما يتعلق بعلاقة تركيا ومصر موضع النقاش في هذا المقال يبدو أن تركيا تركز على موضوع شرق المتوسط وأن تكون دولة وازنة وحاضرة في التفاهمات المتعلقة بالحدود البحرية والطاقة والوجود الفعلي في المنطقة وليست مستبعَدة، كما حصل في منتدى غاز شرق المتوسط الذي استُبعدت منه تركيا رغم أنها تملك أطول ساحل شرق المتوسط، وهي سياسة تحاول اليونان العمل عليها على قدم وساق.

لقد اعتادت اليونان أن تلعب على وتيرة الخلافات الإقليمية من أجل التأثير سلباً في مصالح تركيا في المنطقة. وقد حاولت في الفترة الماضية الظهور كحليف أو شريك لعدة دول لكي تعمل على تقوية موقفها في مواجهة تركيا وبشكل لا يخدم استقرار المنطقة.

لذلك سعت تركيا إلى حلول ومقاربات مع دول شرق المتوسط لتحقيق الاستقرار، ومن أهم هذه الدول مصر، إذ يمكن الاستدلال على أولوية ملف شرق المتوسط لتركيا في ما يتعلق بعلاقات تركيا مع مصر بما قاله أردوغان في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة أثناء رحلة عودته من قطر إن "طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط".

وبالتالي قد فهم من هذا التصريح أن تركيا معنية بتطوير علاقاتها وتفاهماتها مع مصر في شرق المتوسط، وهو الأمر الذي تختلف فيه مع اليونان التي استغلت فترة الخلاف بين تركيا ومصر خلال الأعوام الماضية في محاولة تغيير قواعد اللعب لصالحها.

وقد شعرت أثينا بالقلق مباشرة من مصافحة أردوغان مع السيسي، إذ أوفدت وزير خارجيتها نيكوس ديندياس إلى القاهرة مباشرة في اليوم التالي للمصافحة لعقد محادثات سياسية في مع نظيره سامح شكري حاملاً رسالة من رئيس وزرائه إلى الرئيس السيسي.

لقد طوّر عدد من دول المنطقة في فترة الخلاف علاقات أمنية وعسكرية مع اليونان في إطار المناكفة مع تركيا لم تكن لتتطور في الوضع الطبيعي، لهذا عملت اليونان على أن تشكّل زخماً لادعاءاتها وتصليب موقفها في خلافاتها مع تركيا، ولهذا فإن عودة العلاقات للاستقرار بين تركيا وعدة دول في المنطقة على رأسها مصر تعيد الأمور إلى نصابها بالنسبة إلى تركيا، وتجعل موقف اليونان أضعف، بمعنى أن سياسة اليونان في تهميش تركيا قد تُرَدّ عليها.

من الجدير بالذكر أن مصالح دول المنطقة بخاصة مصر مع تركيا هي أكبر من مصالحها مع اليونان. على سبيل المثال في ما يتعلق بالمناطق الاقتصادية البحرية فإن المساحة التي تحصل عليها مصر وفق رؤية تركيا أكبر من التي تحصل عليها بالاتفاق مع اليونان، كما أن تركيا تمثّل خياراً أفضل لمصر في ما يتعلق بتصدير الغاز المصري إلى أوروبا.

على الرغم من الخلافات بين مصر وتركيا على عدة قضايا وتنامي علاقات أثينا والقاهرة، فإن أنقرة لم تستهدف القاهرة، بل أبقت مستوى معيناً من العلاقات ولم تتعامل مع مصر كما تعاملت مع اليونان من حيث الاحتكاكات العسكرية في شرق المتوسط، وحتى في ليبيا حرص الطرفان على تجنب أي مواجهات، لذلك ساهم هذا الحرص في توفير بيئة مناسبة لإعادة العلاقات.

وفي هذا الصدد ستحرص اليونان على منع تلاقي تركيا ومصر في ليبيا، وقد ظهر التوتر اليوناني قبل أيام في ليبيا عندما حطّت طائرة وزير الخارجية اليوناني في مطار طرابلس ولم ينزل الوزير من الطائرة للقاء رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي أو وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، وتَوجَّه إلى شرق ليبيا، وهي خطوة ستُبعِد اليونان عن لعب موقف متوازن في ليبيا أيضاً.

تُسهِم أيضاً بيئة خارجية دولية في تحسين العلاقات بين القاهرة وأنقرة، فعلى سبيل المثال كان إعلان واشنطن الواضح عن عدم إمكانية تنفيذ خط إيست ميد للغاز تحت البحر المتوسط عاملاً مهمّاً فتح الطريق أمام التفاهم، كما أن الاحتياج الأوروبي للطاقة في ظل الأزمة مع روسيا في أوكرانيا يُعَدّ عاملاً آخر مُهِمّاً.

ويسهم أيضاً تحسن علاقات تركيا مع دول الخليج العربي وتحديداً السعودية والإمارات والبحرين التي تُعتبر شريكة مع مصر في عدة قضايا وبخاصة في البعد الاقتصادي مهماً في تقوية علاقات تركيا مع مصر، وبالتالي تصبح علاقة تركيا ومصر أقوى من علاقة مصر واليونان على الرغم من أن هذا لا يعني تدهور علاقات مصر واليونان، إذ تُطوَّر العلاقة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، لكن تركيا ستحرص أن لا تتحول قوة علاقات اليونان إلى تهديد لها.

إن مرحلة جديدة من العلاقات الجيدة بين تركيا ومصر هي مصلحة للمنطقة كلها واستقرارها، وسيكون لهذا الاستقرار انعكاسات إيجابية على ملفات تعاون عدة في المنطقة، من ليبيا إلى إفريقيا إلى الخليج. وإذا كان في تطبيق عمليات التعاون تسارُع فستتبخّر المكاسب التي حقّقَتها اليونان خلال الفترة الماضية لعباً على حالة عدة الاستقرار، لأنها بالأساس كانت معتمدة على أسس هشة ومؤقتة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي