مقعد سوريا الفارغ في اجتماعات الجامعة العربية (Others)
تابعنا

ففي مقابلة متلفزة عام 2020، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن "سوريا تستحق العودة إلى جامعة الدول العربية، لأنها وفية لمبادئها، كما أنها مؤسِسة لها، وهي من أعرق الدول العربية".

علّق وزراء الخارجية العرب في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وفي اجتماع طارئ عضوية سوريا في الجامعة العربية بعد اندلاع الأزمة التي عرفتها البلاد ولا تزال مُعلقة إلى يومنا هذا. بعد مرور عشر سنوات، هل حان الوقت لعودة سوريا إلى البيت العربي؟ أم لا تزال الأزمة تلقي بظلالها على مواقف الدول العربية من الموضوع؟ فمنهم المؤيد ومنهم المعارض.

المؤيدون عودة سوريا يرون أن الأمور تغيرت على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وأن الوضع يختلف كثيراً عما كان عليه في العقد الأخير. وفي أغسطس/آب الماضي، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن "سوريا موضوع أساسي في تحضيرات القمة العربية المقبلة". وأكد أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ستكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل وتجاوز الصعوبات الداخلية. القرار لا يفيد سوريا بأي شيء وعزلها يزيد من مشكلاتها وأزمتها ويفتح أبواب تدخُل القوى العظمى على مصراعيها أمام الأمريكان والروس وغيرهم.

قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مقابلة تلفزيونية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن "هناك دعوات عربية تتصاعد لاسترجاع سوريا مقعدها بالجامعة"، وهذا كله يمثل بداية استخدام البراغماتية والمنطق السياسي الذي يعود على العرب بالفائدة، لافتاً إلى أن بعض الدول العربية باتت تنفتح على سوريا ومقتنعة أكثر من أي وقت مضى أن عزل سوريا سيزيدها مشكلات وأزمات.

وقد قام عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بزيارة إلى دمشق من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين. خطوة الإمارات العربية المتحدة اعتبرها محللون ومختصون كُثُر، مؤشرات قوية لعودة سوريا للجامعة العربية وخطوة ضرورية لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي أضرّت بالملف السوري بشكل فادح، معتبرين أنه من الأهمية بمكان المضي قدماً في تبني هذه الآراء وتجسيدها في أرض الواقع، فاحتضان سوريا ومساعدتها في إيجاد حلول لأزمتها يعود بالفائدة الكبيرة على العرب مهما اختلفت مواقفهم من الأزمة.

يوجد تحرك إماراتي مصري أردني عراقي لبناني قوي في إطار المطالبة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهذا مؤشر إلى أن العديد من الدول العربية ترحب بعودة سوريا لبيتها الطبيعي، ما يعطيها قوة أكبر للتعامل مع التحديات التي تواجهها خاصة من القوى الفاعلة في النظام الدولي. الجزائر من خلال رئاستها للقمة ربما تستطيع أن تعيد الجانب السوري إلى المنظمة العربية.

من جهة أخرى هناك مجموعة أخرى من الدول العربية ترفض عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وترى أسباباً ما زالت قائمة في سوريا، وبسببها تم تعليق عضويتها، وتجميد مشاركتها في الجامعة العربية. الأسباب مازالت قائمة فعلياً ولم تُزَل، فلا نرى هناك أي عامل مشجع لعودة سوريا لجامعة الدول العربية. فالطرف الرافض يرى أن عودة النظام السوري إلى البيت العربي في هذه المرحلة هو فقط تطبيع مع شخص تورط في جرائم حرب وما زال يحكم البلاد ولم يتغير شيء إلى حد الساعة.

عودة سوريا إلى الحضن العربي شعبياً والجامعة العربية رسمياً تواجه عدة عقبات بعد عقد من الحرب والأزمة الخانقة التي جعلت البلاد ساحة مفتوحة للجميع غاب عنها العرب، قوى كانت تعمل على ضمان مصالحها على حساب الشعب السوري واستقرار دولة بكاملها.

ومع تزايد الأصوات العربية بضرورة دور عربي لإنقاذ سوريا من الضياع تبقى المعطيات السورية كما هي، فنظام الأسد وتصرفاته التي تسببت في تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية هي نفسها اليوم، وعقلية النظام التي رحبت بإيران لتنقذه هي نفسها اليوم، ونزعته المتغطرسة ورفضه تقديم تنازلات للسوريين والعرب هي نفسها اليوم.


يرى بعض المحللين أن العرب لم يتركوا سوريا ولن يتخلوا عنها ، فيما رفض النظام السوري أن يتعاون وينسق مع الجامعة العربية في إيجاد أي حوار بناء وحل للأزمة عن طريق النقاش والتفاهم مع مختلف الأطراف المعنية بالأزمة. أبدى العرب منذ سنين رغبتهم في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكن النظام السوري رد أن "على العرب أن يعودوا إلى سوريا لا أن تعود سوريا إلى العرب".

لا بد من دور عربي ينقذ سوريا من العقلية التي عمّقت الأزمة، ولا بد من دور عربي جاد يساعدها على الخروج من ورطتها والتخلص من كثرة اللاعبين في الداخل السوري مما فاقم الحرب والدمار والخراب.

التلاحم العربي مطلوب، ما يعني الحاجة الماسة لحلّ عربي ينقذ سوريا ويتوَّج بعودتها إلى الجامعة العربية، ودون الحل الذي يسبق العودة فلن يسمح النظام السوري بأيّ دور عربي جاد. فعقلية النظام اليوم لا تختلف أبداً عمّا كانت عليه قبل وأثناء الحرب، وخصوصاً أن سوريا اليوم فاقدة الإرادة، وعودتها إلى الجامعة العربية تتطلب الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الإقليمية والدولية وحجم ما يمكن تقديمه عربياً وإمكانيات ووسائل الحل. تزداد الضغوط الغربية اليوم على حلفاء النظام أكثر من أي وقت مضى، ومحاولة روسيا الالتفاف على هذه الضغوط بدعوة الدول العربية لإعادة النظام السوري لن تكون الحل النهائي.

الحل العربي لسوريا يجب أن يضع الجانبين الروسي والأميركي أمام التزاماتهما وفقاً للقرارات الأممية لإخراج كل الميليشيات الموجودة في سوريا، فلا حل في هذا البلد بوجود ميليشيات تمارس سلطاتها ونفوذها وكأنها دولة داخل دولة.

عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضرورة تتطلب جهداً عربياً للمشاركة في صياغة مستقبل البلاد وحل الإشكال القائم، وبنِية صادقة بعيدة عن كل الحسابات، أما إذا كان الهدف إجرائياً فقط عبر رفع قرار تجميد عضوية سوريا، فلن يتغير الوضع والتوازنات.

سوريا بحاجة ماسة إلى العودة للبيت العربي كما أنها بحاجة ماسة إلى ترتيب بيتها من الداخل وعلى العرب أن يوحدوا صفوفهم ويضعون استراتيجية جديدة للتعامل مع الأزمة السورية من جهة، ووضع استراتيجية واضحة المعالم وخارطة طريق للعمل العربي المشترك.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي