أحد الأسواق الشعبية في العاصمة الأفغانية كابل (Sayed Khodaiberdi Sadat/AA)
تابعنا

وتأتي هذه الدعوة بعد إعلان غوتيريش الاثنين الماضي أن مؤتمر المانحين الذي عقد في جنيف تمخض عن "التعهد بأكثر من مليار دولار لمساعدة أفغانستان" ودعم اقتصادها الذي يعاني من مشكلات بنيوية كبيرة، الأمر الذي عبرت عنه المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أفغانستان "ليندا توم" بأن "الوضع في البلاد على شفا كارثة إنسانية".

اقتصاد على وشك الانهيار

بعد نجاح طالبان عسكرياً في السيطرة على البلاد وتحقيقها منجزات سياسية تمثلت بإعلانها في وقت سابق تشكيل حكومة تصريف الأعمال، تواجه الحركة الآن اقتصاداً على وشك الانهيار، ما يهدد بتفاقم أزمة إنسانية مدمرة ويزيد السخط الشعبي الذي قد يستثمره معارضوها ضدها لإثبات عدم قدرتها على العبور بالبلاد من هذه الأزمة.

فقد ورثت الحركة بعد تسلمها السلطة في 15 أغسطس/آب الماضي اقتصاداً هشاً يعتمد على المساعدات في بلد، وفقاً للتقديرات الرسمية، "يعيش نحو 90% من سكانه تحت خط الفقر". وقد "مُوِّلت 80% من ميزانية الحكومة الأفغانية من الولايات المتحدة والمانحين الغربيين"، ما يشير إلى حجم الانهيار الحاصل بالاقتصاد الأفغاني بوضوح وصعوبة التحدي الذي تواجهه.

ومما زاد الوضع سوءاً بالتزامن مع تسلم الحركة للسلطة، تجميد الولايات المتحدة ما قيمته 9.5 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، وتوقيف ألمانيا 300 مليون دولار من المساعدات، ومنع صندوق النقد الدولي تحصيل احتياطيات الطوارئ بأفغانستان بقيمة 460 مليون دولار.

شكَّلت هذه المساعدات نحو 40% من الناتج المحلي لأفغانستان وأكد مسؤول بإدارة بايدن أن "أي أصول للبنك المركزي تمتلكها الحكومة الأفغانية في الولايات المتحدة لن تتاح لطالبان".

لذا فإن تأثير الأزمة الاقتصادية المحتملة على أفغانستان يتمثل بثلاث تداعيات، أولها انخفاض العملة وارتفاع التضخم، ما أدى إلى رفع أسعار السلع، وقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية والوقود بنسبة 75%، وسيزداد تأثر قيمة العملة مع استمرار منع تدفق العملة الصعبة إلى داخل البلاد، وهو ما سيؤدي إلى أزمة مشابهة لتلك التي حصلت بدول أخرى كلبنان.

الثاني انخفاض إجمالي الدخل، ما سيؤدي إلى إلغاء وظائف وتضرر قطاعات حكومية هامة كالصحة والتعليم، في حين سيكون تنامي السخط الشعبي في البلاد ثالث هذه التداعيات.

وبطبيعة الحال فإن للتداعيات التي ذكرناها آنفاً تأثيراً مباشراً على استقرار الوضع الداخلي للبلاد، مع عدم وجود رؤية واضحة للبدائل التي يمكن توافرها ومدى نجاعتها بإنقاذ الاقتصاد رغم إمكانية فرض حكومة تصريف الأعمال ضرائب على تجارة النقل عبر البلاد مثلاً، وهي استراتيجية اتبعتها طالبان في تسعينيات القرن الماضي وحققت وارداتٍ تقارب 100 مليون دولار سنوياً، إلا إن من غير المرجح أن توفر هذه الاستراتيجية حاجات البلاد المتزايدة من العملة الصعبة.

هل سيقدم العالم الدعم اللازم لإنقاذ اقتصاد أفغانستان؟

رغم خطورة ما يمر به اقتصاد أفغانستان فإن الولايات المتحدة وأوروبا لا تزالا ترفضا وصول طالبان إلى الاحتياطات المالية المودعة بالخارج، وأشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مطلع الشهر الجاري إلى أن "الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدات للأفغان، لكن ليس عبر طالبان"، ويمكن القول إن هذه الدول تعتقد أن هذه الإجراءات ستجبر طالبان على تقديم تنازلات فيما يخص شكل إدارة الدولة وكيفيتها وتنفيذ مطالب الدول المانحة لترفع لاحقاً بعض العقوبات عن الحركة، مستغلين حاجتها إلى الوصول إلى النظام المالي العالمي.

وأشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بقمة افتراضية لقادة مجموعة السبع إلى أن الدول لديها "نفوذ كبير للغاية -اقتصادي ودبلوماسي وسياسي- مع طالبان، بما في ذلك حجب الأموال الكبيرة". إذ تدرك هذه الدول أن طالبان بحاجة إلى مساعدة دولية لمنع الانهيار الكامل للاقتصاد، ما يعني أنه يمكن أن تقدم هذه الدول مساعدات للاقتصاد مقابل تحقيق أهداف، منها:

الأول: إبقاء طالبان تحت ضغط تأثير العامل الاقتصادي والتحكم بشكل أو بآخر بمسارات انفتاحها على الدول الأخرى، في ظل التنافس الدولي على النفوذ في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي وخصوصاً فيما يتعلق بالدور الصيني والروسي والتقارب المحتمل مع إيران الذي يمثل هاجساً للولايات المتحدة وشركائها في أوروبا. إضافةً إلى ضمان حرمان الجماعات المسلحة الإرهابية من أن يكون لها موطئ قدم بأفغانستان. رغم تأكيد قادة طالبان أنهم لن يسمحوا بأن تكون أفغانستان منطلقاً لأحد لتنفيذ هجمات تجاه بلاد أخرى.

الثاني: إعطاء دور أكبر للمرأة ومراعاة التنوع العرقي بالبلاد، وقد ذكرت طالبان أن المرأة ستحظى بحقوقها وسمحت عملياً بفتح مدارس البنات وعودة بعض العاملات إلى مواقع عملهن.

من جانب آخر تسعى دول أخرى مؤثرة إقليمياً وذات تأثير بالملف الأفغاني لاحتواء الأزمة الاقتصادية وتقليل تأثيرها بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة ودفع المجتمع الدولي إلى الحوار مع طالبان لدعم البلاد اقتصادياً، وقد كان الموقف التركي واضحاً في هذا الإطار عبر عنه الرئيس أردوغان بكلمته بالدورة الـ76 للجمعية العامة بأنَّ "شعب أفغانستان تُرك لمواجهة مصيره وهو بحاجة إلى مساعدة المجتمع الدولي، مؤكداً استمرار تركيا بأداء دورها الأخوي لمساعدته".

خلاصة القول، تسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية المنخرطة معها بالضغط الاقتصادي لتحقيق نفوذ على طالبان، مستغلة مخاوفها من مواجهة انهيار اقتصادي ورقةَ ضغط قد لا يمكن للحركة تجاوزها قريباً حتى بحال انفتاحها على حلفاء آخرين كالصين وروسيا. وهو ما قد لا ترغب هذه الدول بحدوثه، ما سيدفعها إلى تخفيف ضغطها الاقتصادي على كابل على الأرجح.

كما لا تخلو قدرة الأنظمة على البقاء في ظل العقوبات الشديدة والتجميد المالي الغربي من سابقة -إذا أخذنا إيران في الاعتبار- إذ تعايش النظام الحالي مع العقوبات القاسية لأكثر من أربعة عقود، ما يعني عدم وجود يقين أن سلاح العقوبات سيؤدي المطلوب منه بشكل كامل.

من جانب آخر فإن تركيز الاتحاد الأوروبي على منع تدفق الهجرة غير الشرعية قد يمثل ورقة ضغط في صالح طالبان، بإمكانها الحصول من خلالها على مساعدات مالية أو التمكن من الوصول إلى الاحتياطات النقدية الخارجية، إذ يخشى الاتحاد تدفقاً هائلاً للاجئين، ومن المحتمل أن يكون هذا السيناريو وارداً في حال انهيار الاقتصاد.

أخيراً وبالنظر إلى المرونة السياسية التي أبدتها طالبان مؤخراً، وانطلاقاً من رغبتها في تحسين موقعها التفاوضي، فإن من المرجح أن تتجاوب بشكل إيجابي مع الضغوط الاقتصادية عليها من أجل كسب الرهان الاقتصادي والحصول على اعتراف المجتمع الدولي والمساعدة الاقتصادية قبل التفكير بخيارات أخرى والتفكير ببرجماتية للتوازن بين التمسك بمبادئها وضرورات الحكم.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي