ما هو "البند 49.3" الذي مرر به ماكرون قانون التقاعد؟ / صورة: Reuters (Gonzalo Fuentes/Reuters)
تابعنا

في جلسة برلمانية كان من المزمع أن يشرع فيها مجلس النواب الفرنسي في المصادقة على مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي تحتج عليه النقابات العمالية منذ يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أن الحكومة ستفعّل البند 49.3 من الدستور، والذي يسمح لها بتمرير القانون دون حاجة إلى أصوات النواب.

فيما ليست هي المرة الأولى التي يلتف بها ماكرون على تصويت البرلمان بخصوص إصلاح التقاعد بتفعيل هذا الإجراء الدستوري، بل شهدت ولايته الرئاسية الأولى حدثاً مماثلاً. غير أن تزامنه مع إعلان حالة الطوارئ الصحية في ذلك الوقت، حال دون تصعيد الاحتجاجات العمالية في الشارع.

اليوم، يتوعد عمال فرنسا بالاستمرار في النضال ضد هذا الإصلاح، وضد الإجراء الذي اعتبروه "احتقاراً للشعب وللديموقراطية". كما تواجه الحكومة كذلك تهديدات بتصويت لحجب الثقة، قد يسقط البلاد في أزمة سياسية قد تطول.

ما البند 49.3؟

بموجب ما ينص عليه الدستور الفرنسي في بنده 49.3: فإنه "يجوز لرئيس الحكومة، بعد مداولات مجلس الوزراء، أن يقر تحمل حكومته مسؤوليتها أمام الجمعية الوطنية بشأن التصويت على مشروع قانون الموازنة أو الضمان الاجتماعي". وفي هذه الحالة "يعتبر هذا المشروع معتمداً" دون المرور عبر آلية المصادقة البرلمانية.

وتمكن هذه الآلية الدستورية الحكومة من مواجهة سقوط مشاريعها في وضعية الانسداد السياسي، بخاصة إذا لم تكن تتحصل على أغلبية الحكومية مريحة في البرلمان، كما هي الحال في الحكومة الفرنسية الحالية، التي لا تتحصل سوى على 250 مقعداً داخل البرلمان، مقابل 327 مقعداً للمعارضة.

هذا ويحق للبرلمان الطعن في تفعيل هذا البند بتقديم طلب لسحب الثقة من الحكومة. ويشترط نص الدستور بأن تقدم هذه الطلبات في أجَل لا يتعدى 24 ساعة، ويجري تأييد كل منها من قبل 57 نائباً على الأقل، بشرط "لا يجوز لأي عضو توقيع أكثر من ثلاثة قرارات لحجب الثقة خلال جلسة عادية واحدة وليس أكثر من قرار واحد خلال جلسة استثنائية واحدة".

إثر هذا تجري برمجة جلسة للتصويت على قرار سحب الثقة، والذي لا يُعتمَد إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، أي بـ287 صوتاً على الأقل.

ومنذ إدخال البند 49.3 للدستور الفرنسي، عام 1958، جرى استخدامه في91 مرة، ثلاث منها كانت تحت حكم الرئيس ماكرون، واثنتان منها قدمتهما رئيسة الوزراء الحالية إليزابيث بورن.

وفي فبراير/شباط 2020، كان رئيس الحكومة السابق خلال ولاية ماكرون الأولى، إدوارد فيليب، قد فعّل البند نفسه إزاء مشروع إصلاح نظام التقاعد، حيث كانت استراتيجية المعارضة وقتها تروم عرقلة مرور المشروع بإغراقه في التعديلات أثناء المناقشة. هذا قبل أن تتراجع الحكومة عن الإصلاح إثر انشغالها بمواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كورونا.

زيت على نار الشارع المشتعل!

في يوم الخميس، وبعد دقائق قليلة من إعلان رئيس الحكومة الفرنسية تفعيل البند 49.3 من أجل فرض تعديلاتها على نظام التقاعد، خرجت احتجاجات عمالية تلقائية في شوارع باريس. وتوجه المحتجون نحو مبنى الجمعية الوطنية، غير أن قوات الشرطة اعترضتهم على بُعد عشرات الأمتار من ذلك، ما جعل مئات المتظاهرين يتجمهرون في ساحة الكونكورد.

وأثناء محاولتها فض التجمهر في آخر النهار، استخدمت قوات الشرطة الفرنسية القنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية وخراطيم المياه. ما أدى إلى صدامات عنيفة مع المحتجين، الذين أضرموا النار في حاويات القمامة ووضعوها في الطرقات على شكل متاريس، لعرقلة تقدم قوات الشرطة نحوهم.

هذا وحسب ما كشفت عنه الداخلية الفرنسية، جرى اعتقال ما لا يقل عن 257 شخصاً شاركوا في احتجاجات باريس، و310 في أنحاء الجمهورية كافة.

واستمرت الاحتجاجات إلى يوم الجمعة، حيث عمد المتظاهرون إلى إغلاق الطريق المداري لباريس، على مستوى ثلاثة مداخل للمدينة على الأقل. وهو ما أدى إلى انسداد في حركة المرور على طول 240 كيلومتراً من الطريق، وفق ما أعلنه نشطاء فرنسيون.

هذا واعتبر تحالف النقابات الفرنسية الذي يقود الإضراب ضد إصلاح نظام التقاعد، بأن لجوء الحكومة إلى تفعيل البند 49.3 "يعني أن ماكرون وحكومته يواجهان فشلاً ذريعاً". وقال زعيم نقابة "الاتحاد العام للشغل" فيليب مارتينيز: "ما فعلته الحكومة هو احتقار للشعب وللديموقراطية".

ودعت النقابات العمالية إلى استمرار التحركات النضالية ضد مشروع الحكومة، وأعلنت استمرار الإضرابات من 17 إلى 19 مارس/آذار الجاري، إضافة إلى مظاهرة كبيرة في الـ23 من الشهر ذاته.

بالإضافة إلى هذا، صوّت عمال مصفاة "توتال إنرجي نورماندي"، التي تعد أكبر مصفاة نفط بفرنسا، على خوض إضراب عام يوم السبت وإغلاق خطوط الإنتاج بشكل كامل. وهو ما يتوقع أن يُحدِث اضطراباً كبيراً في إمدادات المحروقات بالبلاد.

بداية انهيار حكومة ماكرون؟

هذا وأعلن تحالف أحزاب اليسار "NUPES"، الذي يعد ثاني قوة في البرلمان، رفعه طلب حجب الثقة من حكومة إليزابيث بورن لعرقلة تنفيذها لمضامين إصلاح صندوق التقاعد. وقال التحالف في بيان له: "بعد شهور من عملهم على إسقاط مشروع إصلاح التقاعد، قرر نواب فرق الاتحاد الجديد الشعبي والإيكولوجي والاجتماعي، استخدام كل الوسائل التي يمنحنا إياها الدستور لهذا الغرض".

ومن جهته، قد فريق "التجمع الوطني" اليميني المتطرف طلب حجب الثقة من الحكومة. وفي وقت سابق، كانت حذّرت رئيسة الفريق التجمعي مارين لوبان، من أنه "إذا استخدمت الحكومة البند 49.3، سنرفع طلباً لحجب الثقة وسيجري التصويت لصالحه".

هذا ولا يمكن لأي من الجانبين، سواء تحالف اليسار أو فريق "التجمع الوطني"، من تمرير قرار حجب الثقة بمفرده، كما لا يغطي نواب الجمهوريين الفارق اللازم لتحقيق الأغلبية المطلقة إذا ما تحالف مع أحدهما. وبالتالي يفرض هذا الواقع على كل من أحزاب اليسار وأحزاب اليمين المتطرف كسر تابو عدم التصويت لبعضهما.

TRT عربي
الأكثر تداولاً