كيف تنعكس سياسات كبح التضخم على الشعوب الأوروبية؟ (Others)
تابعنا

تسعى الاقتصادات الأوروبية، بقيادة الاتحاد الأوروبي وبنكه المركزي، إلى كبح الارتفاع المتسارع لمستويات التضخم، التي تسببت فيها زيادات أسعار الطاقة عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية التي شملت صادرات النفط والغاز الروسيين، وذلك بسياسات قاسية على رأسها رفع نسب الفائدة، مما يهدد بانكماش اقتصادي.

وقد يسهم هذا الانكماش المتوقَّع، الذي سقط فيه الاقتصاد الألماني، والشعوب الأوروبية، في اتساع رقعة الفقر إثر انهيار قدرتها الشرائية، وازدياد عدد العمال العاطلين عن العمل نتيجة تأثر خطوط الإنتاج بالظاهرة الاقتصادية.

صراع أوروبا ضد التضخم

على رأس السياسات التي ينهجها الاتحاد الأوروبي لمواجهة التضخم، رفع سعر الفائدة، وهو ما تحدث عنه حاكم بنك فرنسا، فرنسوا فيلوروا دي غالو، الأحد، قائلاً إن أسعار الفائدة في منطقة اليورو ستصل "قريباً" إلى نقطة عالية، قبل أن تبقى على هذا "المسار المرتفع" طوال الوقت اللازم لتباطؤ التضخم.

كان البنك المركزي الأوروبي قد شرع، منذ يوليو/تموز 2022، في مسار رفع الفائدة، حيث رفع وقتها سعر الفائدة الرئيسي من 0.5-% إلى الصفر.

وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي، بلغ ارتفاع سعر الفائدة إلى أعلى مستوى له خلال 22 عاماً الأخيرة، حين أعلن "المركزي الأوروبي" رفع السعر للمرة الثامنة على التوالي بواقع 25 نقطة أساس، ليبلغ عتبة 3.5%.

ونجح الاتحاد الأوروبي بفضل هذه المساعي في تخفيض مستويات التضخم، لكن على الرغم من ذلك يظل مستوى التضخم مرتفعاً نسبياً في منطقة اليورو. وبلغت نسبة التضخم في الاتحاد نحو 8.1% شهر أبريل/نيسان الماضي، لتنخفض النسبة إلى 7.1% بحلول مايو/أيار. ويضع "المركزي الأوروبي" نصب عينيه هدف خفض التضخم إلى 2% بحلول عام 2025.

وقال حاكم "المركزي الفرنسي"، فيلوروا دي غالو: "تجاوزنا ذروة التضخم في فرنسا، وسنصل قريباً إلى أعلى نقطة في أسعار الفائدة في منطقة اليورو (...) تكون ذروة بل مساراً عالياً يتعين علينا أن نبقيه لفترة كافية لضمان الانتقال الكامل لجميع آثار السياسة النقدية".

وكانت رئيسة "المركزي الأوروبي"، كريستين لاغارد، الجمعة، قد حذّرت من عدم اليقين من مسار التضخم الذي تشهده منطقة اليورو، مرجحةً استمرار الأسعار في الارتفاع خلال شهر يوليو/تموز الجاري.

وقالت لاغارد: "في السياق الحالي، فإن السؤال المهم هو ما إذا كانت الشركات ستخفض هوامشها قليلاً لتلبية توقعات زيادة الرواتب لموظفيها (...) أو ما إذا كنا سنشهد زيادة مزدوجة في الهوامش والأجور"، مؤكدةً أن "الزيادات المتزامنة في الهوامش والأجور من شأنها أن تزيد من مخاطر التضخم".

ركود اقتصادي.. فقر وبطالة

ولهذه السياسات التي تنهجها المجموعة الأوروبية أعراض جانبية خطيرة على اقتصاداتها، وعلى رأسها خطر الانكماش الذي يهدد تلك الاقتصادات، إذ أعلنت الحكومة الألمانية، في أواخر مايو المنصرم، دخول اقتصادها في حال ركود.

وكشفت أرقام رسمية نُشرت وقتها، عن أن الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، قد دخل في حالة انكماش تقني خلال الفصلين الماضيين من العام الجاري. مع تسجيل تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي، بلغت نسبته 0.3% في المدة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2023.

وجرّ الاقتصاد الألماني الاقتصاد الأوروبي كله نحو الركود، وهو ما أوضحته بيانات إحصائية لمكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، في يونيو الماضي، أكدت أن اقتصاد منطقة اليورو قد انكمش بنسبة 0.1%.

ويضاف هذا إلى استمرار نسب التضخم في الارتفاع في عدد من البلدان الأوروبية، على رأسها هنغاريا التي بلغت نسبة 24.5%، وليتوانيا 15%، والتشيك 14.3%.

وفي عموم الاتحاد، تعد هذه النسب الأعلى منذ 20 عاماً، مدفوعةً بارتفاع أسعار المواد الغذائية والكحول والتبغ بمعدل سنوي قدره 12.5%، أو السلع الصناعية باستثناء الطاقة بارتفاع قدِّر بـ5.8% في مايو 2023.

وترسم هذه الأوضاع الاقتصادية واقع معاناة بالنسبة إلى الشعوب الأوروبية، خصوصاً للطبقات الهشة منهم، إذ تضرب في مقتل قدرتهم الشرائية. وحسب تقرير لمؤسسة "Eurofound"، التابعة للمفوضية الأوروبية، فإن أصحاب الأجور المنخفضة والمحدودة في الاتحاد يواجهون انخفاضاً حاداً في قدرتهم الشرائية.

وأكد المدير التنفيذي لمؤسسة "Eurofound"، إيفيلو كالفين، أن أصحاب الأجور المنخفضة هم الأكثر تأثراً بضغوط التضخم.

وقال: "يشير تحليلنا الأوّلي إلى أنه مع رفع الحد الأدنى للأجور (الذي أقدمت عليه الدول الأوروبية) فإن تأثيرها على الشعور بزيادات ملموسة في القوة الشرائية يبقى محدوداً. لهذا يجب أن يستمر العمل على دعم أصحاب الأجور المنخفضة من خلال جميع الآليات المتاحة".

وإضافةً إلى ضعف القدرة الشرائية، يواجه الأوروبيون، بفعل الركود الاقتصادي، شبح ارتفاع معدلات البطالة، وهذا أصبح واقعاً ملموساً في حالة ألمانيا، التي سبقت اقتصادات القارة إلى الركود، حيث قفز معدل البطالة إلى 5.7% حسب إحصاءات شهر يونيو الماضي.

وزاد العاطلون عن العمل في ألمانيا بـ28 ألفاً خلال شهر واحد، وهو ما عدّه المحللون ارتفاعاً أسرع مما كان متوقعاً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً