كيف تتنافس الدول الكبرى حول القطب الشمالي؟ (Felipe Dana/AP)
تابعنا

في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أطلق الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف مبادرة لتخفيض السلاح في القارة المتجمدة الشمالية، وتعزيز التعاون الدبلوماسي بين الدول المتاخمة لها: كندا، فنلندا، السويد، النرويج، أيسلندا، بريطانيا، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وقتها. الأمر الذي أرسى توازناً جيو سياسياً في المنطقة، وجعلها تعيش عقوداً من الأمان.

عقود الأمان هذه التي استمرت إلى أن زعزعت استقرارها الحرب الأوكرانية على روسيا، فصدرت للقطب الشمالي الشقاق الحاصل بين روسيا والغرب. يؤكد ذلك حديث كبير دبلوماسيي روسيا في المنتدى الحكومي الدولي لمجلس القطب الشمالي، نيكولاي كورتشونوف، عن "زيادة وجود الناتو في القطب الشمالي مع اندلاع حرب أوكرانيا". وأردف محذراً من أنه: "في مثل هذا الجزء الفريد من العالم، يمكن أن تؤدي "الحوادث" من أي نوع إلى تعطيل التوازن الهش".

فيما أساس هذا التنافس هو ما كشفته التغيرات المناخية من مكاسب اقتصادية في استغلال موارد القارة المتجمدة، والتي كانت للأمس القريب ممتنعة. كما لكون ذوبان الجليد يخلق إشكالاً أمنياً للدول المتاخمة للقطب، ويسهل احتمالية تلقيها هجمات عسكرية من الشمال.

الناتو ضد روسيا في القطب الشمالي

في وقت سابق من هذا الأسبوع أعرب البرلمان الفنلندي عن دعمه الانضمام إلى نوع من التحالف العسكري، ومن المتوقع اتخاذ قرار بشأن تقديم عضوية الناتو في غضون أسابيع. السويد هي الأخرى، قالت وزيرة خارجيتها آن ليندي، إن بلادها ستسرع مراجعتها للسياسة الأمنية، التي تتضمن وجهة نظر حول عضوية محتمَلة في الناتو، على أن تُنشَر النتيجة في منتصف مايو/أيار القادم.

هذان المعطيان، إضافة إلى نقلهما التوتر من شرق أوكرانيا إلى شمالها، لهما بعد استراتيجي آخر كامن في أن فنلندا والسويد هما البلدان الوحيدان في "مجلس القطب الشمالي" غير المنحازتين. وبالتالي انضمامهما إلى الناتو سيجعل تلك المنطقة مسرح تنافس مباشر بين الحلف وروسيا التي ستبقى دون حليف هناك، هذه الأخيرة التي تسيطر على حوالي 53% من ساحل القارة المجمدة.

وقبل هذا، غيَّر التنافس الروسي الغربي في أوكرانيا "قواعد اللعبة" في القطب الشمالي، حيث دفع ضم موسكو إلى شبه جزيرة القرم حلف الناتو إلى تعزيز وجوده العسكري هناك، كما دفعه إلى إنشاء أسطوله الشمالي. هذا ما تؤكد ميلاني غارسون، أستاذة حل النزاعات الدولية والأمن بقسم العلوم السياسية في جامعة لندن بأنه "هذا الزخم (في أوكرانيا) جاء في صالح الناتو حيث دفعه إلى إعادة تقييم إستراتيجية للكيفية التي يكون موجوداً بها في القطب الشمالي، كذلك القرارات التي سيتخذها الحلف وستحدد العلاقة المستقبلية، ما قد يتسبب في حدوث توتر بالنظر إلى تذمر روسيا من هذا التوسع".

المصالح في القطب الشمالي

صبت التغيرات المناخية في صالح القوى الصناعية الكبرى العالمية الممتدة هناك حيث كشف ذوبان الثلوج عن إفساح المجال أمام استغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها تلك الأراضي. وأهم هذه الموارد النفط والغاز، الذي كشفت دراسة سنة 2008 عن أن القطب الشمالي يضم أضخم احتياطي من النفط والغاز في العالم.

وظل استغلال هذه الموارد متوقفاً إلى حدود السنوات الأخيرة، بسبب انخفاض سمك الجليد البحري إلى 95%. تُضاف إليه الطرق البحرية الجديدة المربحة والمصائد الضخمة التي تجذب أطماع المستثمرين.

ومع ذوبان الجليد أيضاً، تفقد البلدان التي لديها سواحل في القطب الشمالي حاجزاً طبيعياً يعتبره بعض المراقبين أنه يحميها من الغزو العسكري من الشمال. حيث يسبب هذا الوضع الأمني ​​الجديد القلق لدول الشمال الأوروبي، ما يفسر بنمو عدد العمليات العسكرية هناك وتهديد أن تندلع النزاعات الكامنة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً