تابعنا
في 4 أبريل/نيسان من كل عام، يُحيي المجتمع الدولي اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام والمساعدة على الإجراءات المتعلقة بها. وتعدّ الألغام إحدى الآفات التي تقضّ مضجع كثير من الدول، كما تحصد حياة الآلاف، معظمهم مدنيون.

تعدّ الألغام ومخلفات الحرب إحدى المعضلات الكبيرة التي تهدد حياة المدنيين، بوصفهم أكثر المتضررين من الآفة المنتشرة في كثير من دول العالم، سواء تلك التي لا تزال تشهد نزاعات مسلحة، أو تلك التي عاشت نزاعات في السابق، إذ تبقى مخاطر الألغام مستمرة حتى بعد عقود طويلة، وتزيد تلك المخاطر في حال جهل الحكومات بمناطق انتشارها على أراضيها.

ويُحيي المجتمع الدولي في 4 أبريل/نيسان من كل عام، اليوم العالمي للتوعية بالألغام والمساعدة على الإجراءات المتعلقة بها، الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 2005، وهو ما يعد فرصة سنوية للتحرك من أجل الحدّ من مخاطر هذه الآفة الفتاكة، وحثّ الحكومات حول العالم على تكثيف الجهود في مجال نزع الألغام وحظر استخدامها.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحدّ من أضرارها، فإن استمرار وجود الألغام الأرضية المجهولة يظل مشكلة مؤرقة للبشرية، ومستمرة بتفشي النزاعات المسلحة حول العالم. وتكشف الإحصائيات عن واقع خطير بشأن هذه الآفة، إذ يُقدَّر وجود ما بين 60 و110 ملايين لغم أرضي في أكثر من 64 دولة حول العالم، وهو ما يحصد الآلاف من الضحايا سنوياً، معظمهم من المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال.

وفي عام 1997، وقّعت أكثر من 164 دولة عضواً في الأمم المتحدة على اتفاقية حظر استعمال الألغام والاتجار بها، وهي التي تُلزم الموقعين عليها (بموجب المادة 5 من الاتفاقية) بتدمير مخزونهم من هذه الأسلحة، وكذلك بذل الجهود في تحديد وتحييد مناطق انتشار الألغام في أراضيهم. ومنذ وقت إقرار الاتفاقية فكَّكت نحو 94 دولة مخزونها من الألغام، مما أدى إلى تدمير ما إجماليه 55 مليون لغم، إضافةً إلى تأكيد 64 دولة أخرى أنها لم تمتلك أبداً هذا السلاح.

معضلة دولية مستمرة

في المقابل، لا تُنهي هذه المجهودات خطر الألغام، مع استمرار النزاعات المسلحة حول العالم، وانتشار الجماعات الإجرامية التي لا تتوانى في استخدام هذه الأسلحة في حروبها.

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة استخدام الألغام؛ إذ حسب أرقام حكومة كييف فإن 174 ألف كيلومتر مربع من أراضيها ملوثة بهذه الأسلحة، وهو ما يعادل ثلث مساحة البلاد، كما أنه منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، أودت تلك الألغام بحياة 261 أوكرانياً، وتحتاج الحكومة الأوكرانية إلى 38 مليار دولار تقريباً لتمويل عملية تطهير أراضي البلاد من مخاطر الألغام.

وفي سوريا، حيث تستمر الحرب منذ عام 2011، يواجه المدنيون خطر الألغام المنتشرة بشكل كبير، وحتى الآن لا تزال كميات تلك الألغام وأماكن انتشارها مجهولة، بسبب تعدد أطراف النزاع وقلة شفافيتهم بشأن استخدامها.

وحسب الناشط في الشأن الإنساني أحمد الشيخ، الذي يعمل في المنظمات الإغاثية بالشمال السوري، فإنه "يوجد تهاون وتباطؤ من المجتمع الدولي في هذا المجال ولا تزال الألغام تشكل أكثر المعوقات لعودة الناس إلى أراضيها وبيوتها، ولعل الأمر في غاية الصعوبة، إذ لا توجد خريطة تملكها الأطراف المتنازعة بأماكن الألغام المزروعة أو إحصاءات وبيانات عن أعدادها، علاوة على القذائف أو العبوات غير المنفجرة بعد سقوطها".

وفي ليبيا أيضاً، قالت حنان صالح مديرة "هيومن رايتس ووتش" في البلاد إن "القوات المتحالفة مع خليفة حفتر زرعت ألغاماً أرضيّة وعبوّات ناسفة فقتلت وشوّهت مئات المدنيين، منهم أطفال، وحالت دون عودة سكان الضواحي الجنوبية لطرابلس إلى ديارهم".

وذكر المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب أنه منذ اندلاع الحرب في 2019، سجل تلوث نحو 720 مليون متر مربع في أحياء جنوب طرابلس، ما أدّى إلى وقوع إصابات ووفيات وتهجير الآلاف من سكان طرابلس، وإضافةً إلى الوفيات، أُصيب نحو 200 شخص.

ووفق تقرير "مرصد الألغام"، أبلغتْ ثماني دول أعضاء في الاتفاقية بأنها تشهد انتشاراً مكثفاً للألغام، هي: أفغانستان، والبوسنة والهرسك، وكمبوديا، وكرواتيا، وإثيوبيا، والعراق، وتركيا، وأوكرانيا. فيما أبلغت خمس دول أخرى هي: أنغولا، وتشاد، وإريتريا، وتايلاند، واليمن، بأنها تشهد انتشاراً واسعاً.

وأبلغت كل من موريتانيا، وجنوب السودان، وسريلانكا، والسودان، وطاجيكستان وزيمبابوي، عن وجود تلوث متوسط. كما أبلغت اثنتا عشرة دولة عن تلوث أقل من 5 كيلومترات مربعة، وهي: كولومبيا، وقبرص، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC)، والإكوادور، وغينيا بيساو، والنيجر، وعُمان، وفلسطين، وبيرو، والسنغال، وصربيا، والصومال. ولا يُعرف مدى التلوث في نيجيريا.

ويُضاف إلى كل هذا مخاطر الألغام المرتجلة، التي تستخدمها في الأغلب الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية في أعمالها، وحسب تقرير المرصد فإنه إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُعتقد أن نحو 24 دولة حول العالم على الأقل، تعاني انتشار هذا النوع من الألغام، من بينها دول الساحل وغرب إفريقيا، حيث تستخدمها جماعة بوكو حرام، كما دأبت عصابات الاتجار بالمخدرات في المكسيك على استخدام هذه الألغام، لتفخيخ مراكز نشاطها.

ضحايا بالآلاف

ويسقط آلاف الضحايا سنوياً جرّاء الألغام المنتشرة، معظمهم من المدنيين، وتُظهر أرقام "مرصد الألغام" أن هذه الأسلحة أسقطت ما لا يقل عن 4710 ضحايا في عام 2022، من بينهم 1661 قتيلاً و3015 جريحاً، في نحو 49 دولة حول العالم.

ويمثل المدنيون نحو 85% من إجمالي ضحايا الألغام، أي ما يعادل 4341 شخصاً، وشكّل الأطفال نصف هؤلاء الضحايا، بما يعادل 1171 طفلاً، أما النساء فقد مثّلن نسبة 16%، بتعداد بلغ 404 ضحايا.

وللعام الثالث على التوالي، حلّت سوريا على رأس التصنيف الدولي لأكبر عدد من ضحايا الألغام، بتسجيلها 834 ضحية، فيما جاءت أوكرانيا ثانية، بتسجيل 608 ضحايا، وهو ما يمثل زيادة بعشرة أضعاف في البلاد، فيما حلّت اليمن وميانمار في المركزين الثالث والرابع تباعاً، بتسجيل 584 و545 ضحية.

في المقابل، تبقى الأرقام المتعلقة بأفغانستان هي الأكثر تفاؤلاً، حيث تقلص عدد ضحايا الألغام فيها من 1074 عام 2021، إلى 303 عام 2022.

TRT عربي