تابعنا
وظّفت إسرائيل نظام ذكاء صناعي في تحديد وقصف آلاف الأهداف في قطاع غزة، وفق ما أفادت به تقارير صحفية حديثة. وليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الاحتلال هذه التقنية لإزهاق حياة الفلسطينيين.

منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة إلى الآن وظّف جيش الاحتلال الإسرائيلي نظام ذكاء صناعي في تحديد وقصف نحو 37 ألف هدف، حسب ما ذكرته تقارير صحفية حديثة نقلاً عن مصادر استخبارية إسرائيلية مشاركة في الحرب، وأوضحت المصادر ذاتها أنه استُخدم ذلك النظام بشكل مكثّف لأن "الآلة تنجز المهمة (القتل) بدم بارد".

ويُعَدّ ما قامت به إسرائيل سابقة في تاريخ الحروب، ويعطي لمحة عمّا ستكون عليه النزاعات المسلحة في المستقبل، التي يحذر محللون من اعتمادها أكثر على الذكاء الصناعي الفتاك، وتحجيم لدور الإنسان فيها، فيما تعمل إسرائيل منذ سنوات على تطوير أسلحة تستخدم هذه التقنيات الحديثة، ودأب جيش الاحتلال على تجريبها على المدنيين الفلسطينيين.

قتلت به آلاف الفلسطينيين

وأفاد تحقيق لمجلة 972+ يوم الأربعاء 3 أبريل/نيسان الجاري بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم نظام الذكاء الصناعي لافندر بشكل مكثف في غزة، خصوصاً في الأيام الأولى للحرب، وصُمم نظام لافندر لتحديد جميع النشطاء المشتبه بهم في المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك العناصر ذات الرتب المنخفضة، كأهداف محتملة للتحييد، وشملت قاعدة النظام ما يعادل 37 ألف هدف.

ونقلت المجلة على لسان ستة ضباط استخبارات إسرائيلية عملوا في تشغيل نظام لافندر تأكيدهم أن جيش الاحتلال أعطى موافقته الشاملة للضباط على اعتماد قوائم القتل التي أعدّها لافندر، من دون الحاجة إلى التحقق بدقة من سبب قيام الآلة بهذه الاختيارات أو فحص البيانات الاستخبارية الأولية التي استندت إليها.

وذكر أحد المصادر أن الضباط البشريين غالباً ما يكونون بمثابة "ختم مطاطي" فقط يصدّق على قرارات الآلة، وعادةً ما يخصصون للضباط نحو "20 ثانية" فحسب لكل هدف قبل إعطاء الإذن بالقصف. وحسب تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي فإن نسبة الخطأ في نظام تحديد الأهداف تبلغ 10%، وفي المقابل توجد إمكانية أن يستهدف أشخاصاً لا تربطهم صلة بالمقاومة، أي من المدنيين العزّل.

من ناحية أخرى تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي عدم استهداف مقاتلي المقاومة عند وجوده في أماكن عسكرية، بل كان يتتبعهم حتى يعودوا إلى بيوتهم وبين أقاربهم، ليُبيد معهم عائلات بأكملها.

وقال أحد الضباط: "لم نكُن مهتمّين بقتل عناصر (المقاومة) فقط عندما يكونون في مبنى عسكري أو يشاركون في نشاط عسكري (...)، على العكس من ذلك، قصف الجيش منازلهم دون تردد، واعتبر ذلك الخيار الأول. إنه من الأسهل بكثير قصف منزل العائلة".

وقال ضابطان آخران إنه خلال الأسابيع الأولى من الحرب أُعطيت الموافقة على غارات جوية قتلت 15 أو 20 مدنياً، بعد أن حُدد وجود مقاتلي المقاومة برتب منخفضة باستخدام لافندر.

وأوضحت المصادر أن الهجمات على مثل هذه الأهداف تُنفذ عادةً باستخدام ذخائر غير موجهة، معروفة باسم "القنابل الغبية"، مما يؤدي إلى تدمير منازل بأكملها وقتل جميع ساكنيها، وبالتالي ينسف السردية التي دأب الاحتلال وحلفاؤه على ترديدها بأن "المقاومة تستخدم المدنيين دروعاً بشرية"، على حد زعمهم.

ويبرز استخدام مثل هذا النظام المتطور نيّة إسرائيل إبادة أهالي القطاع بنزع التدخل البشري الذي يمكن أن يتردد في القتل بتلك الوحشية، وتعويضه بآلة معلوماتية فاقدة للقدرة على الشعور، وهو ما أكده أحد الضباط بأن لهم ثقة أكبر في "الآلة" مقارنة بالجندي الحزين، "فما قامت به الآلة هو أنها مكّنت من القتل بدم بارد، وهذا جعل الأمر أسهل".

أسلحة حديثة تجرَّب في غزة

وليست هذه المرة الأولى التي يُشار فيها إلى توظيف أنظمة الذكاء الصناعي لقتل الفلسطينيين في غزة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كشف بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي استخدام جنوده لنظام ذكاء صناعي لتحديد الأهداف وقصفها، أطلق عليه اسم حبسورا.

وقال البيان إنه "من خلال الاستخراج السريع والآلي للمعلومات الاستخبارية" أصدر حبسورا توصيات دقيقة حول المبحوث عنهم "بهدف المطابقة الكاملة بين توصية الآلة والتعرف الذي يقوم به الشخص". وهو ما أكدته مصادر، مشيرة إلى أن النظام استُخدم لإصدار توصيات آلية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه في أنهم نشطاء في حماس أو الجهاد الإسلامي.

ويكمن الاختلاف الأساسي بين نظامَي حبسورا ولافندر في كيفية تعريف الهدف، فبينما يشير الأول إلى المباني والمنشآت التي يزعم جيش الاحتلال أن مقاتلي المقاومة يعملون منها، يحدد لافندر الأشخاص ويضعهم على قائمة القتل.

وأضافت المصادر أنه في السنوات الأخيرة قام النظام بمساعدة فرقة الأهداف التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات لما يتراوح بين 30 ألفاً إلى 40 ألفاً من المشتبه بانتمائهم إلى المقاومة الفلسطينية، مضيفين أن أنظمة مثل حبسورا لعبت دوراً حاسماً في بناء قوائم الأفراد المسموح باغتيالهم.

وحتى قبل اندلاع الحرب الجارية صرّح القائد السابق لجيش الاحتلال الإسرائيلي أفيف كوخافي بأن "فرقة الأهداف مدعومة بقدرات الذكاء الصناعي"، وأن "الآلة تنتج كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فاعلية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم".

وأضاف كوخافي أنه في حرب مايو/أيار 2021 نجحت في تحديد 100 هدف يومياً، مقارنة بالماضي حين "كانوا ينتجون 50 هدفاً في غزة سنوياً".

وعلاوة على هذا، مثّلت الحرب في غزة مجالاً لتجربة شركات السلاح الإسرائيلية لأسلحتها المتطورة، وهو ما أكدته صحيفة هآرتس في تقرير شهر يناير/كانون الأول الماضي، مشيرة إلى أن تجارب شركات صناعة الأسلحة والتكنولوجيات الحربية الإسرائيلية الناشئة (ستارتابس) تشهد توسعاً ملحوظاً من خلال استخدامهم الحرب في غزة حقل تجارب لهذه الصناعات الفتاكة، بالإضافة إلى الانتعاش الكبير في أرقام معاملاتها، نظراً إلى ارتفاع مبيعاتها لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأضافت الصحيفة العبرية أن الحرب في قطاع غزة توفر فرص توسع في الميزانية العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي تتيح فرصاً جديدة للشركات الناشئة في مجال الصناعات الحربية.

ومن ضمن هذه الشركات SpearUAV المصنّعة للمُسيّرات الانتحارية، وشركة InfiniDome التي تعمل على تطوير أنظمة حماية الطائرات المُسيّرة من التشويش، وشركة SmartShooter التي تطوِّر أنظمة ذكية للأسلحة النارية التي تساعد الجنود على إصابة الأهداف المتحركة، فضلاً عن شركة Axon Vision العاملة على إدماج أنظمة الذكاء الصناعي في المدرعات والمُسيّرات، مما يساعد على تحديد الأهداف وتحسين الدقة.

TRT عربي