عادت الأوضاع للهدوء نسبياً في المدن الفرنسية التي تشهد، منذ ليلة 27 يونيو/حزيران الماضي، احتجاجات عنيفة يقودها أبناء الضواحي والأحياء المهمشة، تنديداً بالعنف البوليسي وتعبيراً عن غضبهم لمقتل المراهق من أصول جزائرية، نائل المرزوقي، برصاص الشرطة الفرنسية.
غير أن اليمين المتطرف الأوروبي لم يضع فرصة استغلال هذه الأحداث، ليجعل منها مثالاً لإثبات صحة نظرياته العنصرية وأداة لنشر خطاب الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين، بل والدعوة لمزيد من التضييقات والقمع في حقهم.
حكومات بولندا وإيطاليا.. دعوات لقمع المهاجرين!
كان رئيس الوزراء البولندي وزعيم حزب "العدالة والقانون" اليميني الشعبوي ماتيوز مورافيسكي، من أوائل المستغلين للأحداث في فرنسا. إذ قال في تغريدة: "نُهبت المتاجر، وأضرمت النيران في سيارات الشرطة، ونصبت المتاريس في الشوارع، هذا ما يحدث الآن في وسط باريس وعديد من المدن الفرنسية الأخرى (...) لا نريد مثل هذه المشاهد في الشوارع البولندية، ولا في أي مدينة في أوروبا".
وحمّل مورافيسكي المهاجرين مسؤولية هذه الأحداث، مبرراً من خلالها معارضته لاتفاق الهجرة الجديد الذي طرحته المفوضية الأوروبية. هذا الاتفاق، في نسخته الأولية، الذي رأت فيه المنظمات المناهضة للعنصرية مشروعاً تمييزياً ضد المهاجرين وطالبي اللجوء.
وفي بيان سابق وصلت إليه TRT عربي، انتقدت "الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية" بنود المسودة الأولى للاتفاق الأوروبي للهجرة، لأنه يؤسس لتمييز عنصري بين المهاجرين إذ يضع سعراً لعملية استقبالهم. وقالت المنظمة: "بدلاً من تعزيز آلية التضامن بناءً على احترام حقوق الإنسان والكرامة، فإن هذا الاتفاق يشجع الدول الأعضاء على التخلي عن مسؤوليتها في إعادة توطين المهاجرين مقابل مبلغ زهيد قدره 20 ألف يورو".
وفي تغريدة أخرى، نشر مرافيسكي مقطع فيديو تسويقي لمواقف حكومته اليمينية، يتضمن مشاهد العنف في فرنسا مصحوبة بمشاهدة لـ"الحياة الآمنة" في بولندا، معلقاً عليه بالقول: "هذه هي عواقب سياسات الهجرة غير المنضبطة التي نضطر إلى تبنيها (...) خطتنا هي أوروبا ذات حدود آمنة".
ولم يكن رئيس الوزراء البولندي الوحيد في استغلاله الأحداث للترويج لخطابه المعادي للمهاجرين، بل في إيطاليا نحا نائب وزير الداخلية وعضو حزب "الرابطة" نيكولا مولتيني نفس النحو. ذلك إذ صرّح للصحافة المحلية قائلاً إن الأحداث في فرنسا كانت "دليلاً على فشل الهجرة غير المنضبطة وتحذيراً لبقية أوروبا".
وأضاف مولتيني، مستشهداً بنهج بلاده المتشدد في مسألة الهجرة، بأنه كان من الضروري على أوروبا أن تفعل مزيداً "من أجل إدارة وتخطيط وتوجيه موجة الهجرة"، إذ "يجب أن نركز على العمل وعلى التوازن بين الحقوق والواجبات"، فـ"لا يمكنك القدوم إلى إيطاليا وفعل ما يحلو لك: لدينا هوية يجب احترامها".
في إسبانيا وبلجيكا.. فرصة انتخابية لليمين المتطرف
تتزامن أحداث العنف في فرنسا مع اقتراب الانتخابات العامة الإسبانية، المزمع إجراؤها في 23 يوليو/تموز الجاري. وهو ما جعل من مشاهد الصدامات بين المحتجين والشرطة الفرنسية أداة انتخابية مثالية في يد اليمين المتطرف الإسباني، والمتمثل في حزب فوكس الذي يمنّي النفس بالمشاركة في الحكومة القادمة.
وهو ما تلّقفه سريعاً زعيم "فوكس" سانتياغو أباسكال، واستغله في خطاب جماهيري ألقاه يوم السبت في برشلونة، قائلاً: "أوروبا مهددة من حشود من المناهضين لأوروبا، الذين حطموا أقسام الشرطة وحرقوا المكتبات وطعنوا المارة لسرقة هاتفهم المحمولة، والذين لا يرغبون في التكيف مع أسلوب حياتنا وقوانيننا".
وأضاف أباسكال أن فكرة أن الفقر أو وحشية الشرطة يمكن أن تكون الأسباب الجذرية لأعمال الشغب "خاطئة"، مجادلاً بأن من أسماهم "المسيحيون المهمشون" لم يرتكبوا أبداً أعمال عنف، واتهم من وصفهم بـ"المسلمين الراديكاليين" بالوقوف وراء الاضطرابات التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع "حرب أهلية فعلية" في فرنسا.
واختتم زعيم الحزب اليمين المتطرف خطابه الموغل في الكراهية، بالتأكيد على أن "أوروبا لا يمكنها الاستمرار في قبول المهاجرين من الدول الإسلامية".
وتتوقع استطلاعات رأي حديثة فوز اليمين الإسباني، بقيادة "حزب الشعب" المحافظ، بالانتخابات المقبلة، ومشاركة حزب "فوكس" في الحكومة بحصوله على ما بين 37 و39 مقعداً. فيما يرى مراقبون أن استغلال الحزب اليميني المتطرف لأحداث فرنسا، قد يؤكد النتائج التي كشفت عنها الاستطلاعات أو ربما يزيدها.
وهي نفس الحالة في بلجيكا، وبالرغم من أن الانتخابات العامة لاتزال بعيدة نسبياً، وتنتظر إجراءها العام المقبل. لم يضع زعيم حزب "فلامس بيلانج" القومي المتطرف توم فان غريكن، فرصة استغلال أحداث فرنسا في حملة انتخابية مبكرة.
وهاجم الزعيم اليميني المتطرف البلجيكي خصومه في اليسار، في تغريدة قال فيها: إن "حلم اليسار المناصر للتعدد الثقافي هو كابوس متعدد الثقافات للمواطنين". مضيفاً أن "هذه هي الأوضاع التي جُر مجتمعنا إليها عن طريق الهجرة الجماعية، والحكومة ليس لديها سوى قليل من القدرة (لمواجهة الأمر) وتفتقد كثيراً من شجاعة (...) التغيير الحقيقي لا يمكن ضمانه إلا مع فلامس بيلانج في عجلة القيادة".