هل تتسبب السياسات البيئية في تفكيك الحكومة الألمانية؟ / صورة: DPA (DPA)
تابعنا

احتدم الصراع بين مكونات التحالف الحاكم في ألمانيا، يوم الثلاثاء، بعد أن هاجم نائب المستشار وزعيم حزب الخضر روبرت هابيك، الأحرار الليبراليين بزعامة وزير المالية كريستيان ليندنر، متهماً الحزب بعرقلة قانون الطاقة الخضراء، الذي يثير منذ طرحه عام 2022.

وتعتزم الحكومة الفدرالية الألمانية، بموجب هذا القانون، تقليل الانبعاثات الناتجة عن تدفئة المباني في البلاد، التي تشكل وحدها نسبة 15% من انبعاثات الكاربون التي تنتجها ألمانيا. ويعرف هذا المشروع جدلاً كبيراً، إذ يستهدف حظر التدفئة باستخدام موارد الطاقة الأحفورية، وهو ما يرى فيه ملاك المنازل ثقلاً مالياً جديداً ينزل على عاتقهم.

بينما ليست هي المرة الأولى التي تشهد فيها الحكومة الألمانية صداماً داخلياً بشأن السياسات الصديقة للبيئة، وخلال شهر مارس/آذار المنصرم، نشب نزاع مماثل حين هاجم الخضر ضغط الحكومة لاستمرار إنتاج سيارات الوقود الأحفوري، خلال المفاوضات الأوروبية حول قانون الانتقال الطاقي للاتحاد الذي يعتزم حظر بيع ذلك النوع من السيارات بحلول 2035.

وتمثل السياسات البيئية نقطة خلافية كبيرة بين مكونات التحالف الحاكم في ألمانيا، إذ يتبنى الخضر مواقف صلبة بشأن قضايا الانتقال الطاقي وحماية البيئة، بينما يدافع الليبراليون عن المصلحة الاقتصادية قبل ملفات البيئة، ولا يستطيع أي من الحزبين التراجع عن قناعاته تلك مخافة ضياع كتلته الناخبة، وهو ما يهدد بشكل كبير تماسك الحكومة الألمانية.

خلاف متجدد بشأن قانون "الطاقة الخضراء"

تعيش ألمانيا على وقع جدل تمرير قانون "الطاقة الخضراء"، الذي يأتي ضمن مساعي البلاد للانضباط إلى توجيهات الاتحاد الأوروبي بتخفيض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030، والوصول إلى الحياد الكاربوني بحلول 2050. واعتزم القانون المذكور حظر تدفئة البيوت بالطاقة الأحفورية (الغاز، الفحم، وكيروزين) بداية من عام 2024، وهو ما يتوقع أن يقلص الانبعاثات بنسبة 15%.

وكان من المزمع أن يطرح هذا القانون للنقاش في البوندستاغ الألماني في جلسة يوم الثلاثاء، غير أن الديمقراطي الحر قرر التراجع عن دعم القانون في آخر لحظة، ما قد يجعله غير جاهز للتنفيذ بحلول التاريخ المحدد له، علماً أن البرلمان سيدخل في عطلته الصيفية بداية من 7 يوليو/ تموز القادم.

وهاجم نائب المستشار الألماني وزعيم حزب الخضر روبيرت هابيك زعيم الأحرار الليبراليين كريستيان ليندنر، محملاً إياه مسؤولية تأخير تمرير القانون. وقال هابيك إن عدم مناقشة القانون في البرلمان هذا الأسبوع هو "خرق للاتفاق الذي أبرمناه بعد لجنة الائتلاف (...) ألاحظ أن الحزب الديمقراطي الحر لا يحافظ على كلمته".

وشدد زعيم الخضر الألماني، على أن الاتفاق بين حزبه والحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر في نهاية مارس، كان واضحاً: "نريد استكمال هذه العملية قبل العطلة الصيفية البرلمانية"، وهو ما "لن يكون ممكناً مع التأجيل".

ويدفع الليبراليون الأحرار في اتجاه عدم البث في القانون قبل الصيف، مبررين موقفهم بالانتقادات الشعبية التي يعرفها، إذ ينتقد الكثيرون حظر التدفئة بالطاقة الأحفورية على أنه سيكلف المواطنين أعباء مالية إضافية لاستبدال أنظمة التدفئة في بيوتهم، قد تتعدى 20 ألف يورو لكل بيت.

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر بيجان جير سراي: "أعتقد أنه من غير الوارد أن نقول وداعاً قبل العطلة الصيفية". مشدداً أنه لا يزال لدى مجموعته نحو 100 سؤال "ما دام لم يُرد عليها، فإن المداولات حول القانون لا يمكن حتى أن تبدأ".

من ناحية أخرى، حمّلت نائب رئيس البوندستاغ والقيادية في حزب الخضر كاترين غورينغ إيكاردت المسؤولية للمستشار أولاف شولتز لعدم دعمه للقانون. وقالت غورينغ في تصريحاتها لصحف محلية: "أجد صعوبة في التعرف على مستشارة المناخ (...) عندما تبدأ مشروعاً كبيراً مثل الذي بدأت به الحكومة، عليك دعمه بشكل موحّد. لسوء الحظ، نحن بعيدون جداً عن ذلك".

مأزق شولتز الأخضر

وتحمل تصريحات نائب رئيس البوندستاغ كاترين غورينغ إيكاردت، في طياتها إشارات إلى صعوبة تعايش بين مختلف مكونات التحالف الحاكم في ألمانيا، وخاصة بعد تطور النقاش حول القانون إلى ما هو أعمق؛ الإنفاق العام وقانون موازنة عام 2024.

إذ يخطط زعيم الليبراليين ووزير المالية كريستيان ليندر لإحداث تخفيضات كبيرة في الإنفاق العمومي، قد تصل إلى 22 مليار يورو في ميزانية العام المقبل. وكانت وكالة بلومبيرغ الأمريكية قد كشفت، يوم الثلاثاء، عن أن حكومة شولتز تعتزم تخفيض الإنفاق العمومي لكل الوزارات عدا الإنفاق الدفاعي.

ومن شأن هذه الخطط التي يدفع بها الليبراليون أن تغضب الخضر، الذين يرون وجوب الإنفاق أكثر على مشاريعهم للتحول الطاقي، وعلى رأسها قانون "الطاقة الخضراء". وهو ما سبق وصرحت به كاترين غورينغ إيكاردت، يقولها: "لا ينبغي أن يكون هناك أي أعباء كبيرة على المستأجرين (...) لهذا السبب نريد دعم نظام التدفئة الجديد بنسبة تصل إلى 80%، وليس فقط بحد أقصى 50%، كما هو متوخى في المسودة الحالية".

بينما ليست هي المرة الأولى التي ينشب فيها نزاع حول سياسات البيئة بين محونات الحكومة الألمانية. وقبل هذا في شهر مارس المنصرم، وبينما كان المسشار أولاف شولتز ووزير نقله فولكر فيسينغ، يضغطون على الاتحاد الأوروبي من أجل استمرار بيع سيارات الوقود بعد عام 2035، انتقد الخضر هذه المساعي معتبرين أنها "تسيء لسمعة البلاد".

وقتها انتقد زعيم الخضر روبرت هابيك مساعي الحكومة في اجتماع حزبي، قائلاً: "لا يمكن أن يكون لديك تحالف من أجل التقدم، إذ يكون هناك حزب واحد فقط مسؤول عن التقدم ويحاول الآخرون وقف التقدم". وأضاف الوزير الألماني، في إشارة إلى المفاوضات الأوروبية: "نحن نخسر المناقشات، ولا نحصل على دعم يذكر لمشاريعنا".

بالمقابل، تشبّث الحزب الديمقراطي الحر بموقف معارضة الاتفاق الأوروبي وفي صيغته الأولى. ودافع وزير النقل فولكر فيسينغ، الذي ينتمي للحزب ذاته، على قرار بلاده قائلاً: "نحن في ألمانيا نتقن تكنولوجيا محركات الاحتراق أفضل من أي أحد في العالم، ومن المنطقي إبقاء هذه التكنولوجيا في أيدينا، بينما تظل بعض الأسئلة حول التنقل المحايد مناخياً من دون إجابة".

على حين هذه المرة يأخذ النزاع طابعاً داخلياً-داخلياً محضاً، إذ يشكل الموقف بشأن ملفي الإنفاق وقانون "الطاقة الخضراء محور البرامج الانتخابية لكل من الحزبين، وهو ما يزيد في صعوبة التوافق، وبالتالي يهدد تماسك الحكومة الألمانية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً