تابعنا
تحدّى الشاب التونسي ربيع المجتمع عندما قرّر أن يتزوج فتاةً عاشت منذ سنوات داخل ملجأ لليتامى وفاقدي السند، فحبّهما كان أقوى من كل شيء.

تونس ــــ نظرة فإعجاب فخطبة ثم زواج، هكذا كُللت قصة حب فريدة من نوعها جمعت بين الشابة صابرين التي تعيش منذ سنوات داخل أسوار ملجأ لليتامى وفاقدي السند بمدينة المحرس جنوب العاصمة تونس، والشاب ربيع الذي يعيش خارجها، في تحدٍّ لنظرة المجتمع الدونية إلى هذه الفئة التي دفعتها الظروف أن تعيش بعيداً عن حضن الوالدين.

إعجاب ومطاردة

في 2007 كما تروي صابرين لـTRT عربي كانت بداية العلاقة مع زوجها ربيع، إذ زاولت تعليمها الثانوي بمعهد مدينة المحرس القريب من قرية الأطفال، التي دفعتها ظروف وفاة والديها في سن السابعة إلى العيش فيها.

كان ربيع الذي يعيش رفقة عائلته في نفس المدينة حريصاً على تتبعها خطوة بخطوة، سائلاً عن أخبارها في حال حضورها أو حتى غيابها عن المعهد، كما تقول صابرين، مضيفة "كان يحاصرني بنظراته واهتمامه المبالغ فيه وسؤاله الدائم عني لأصدقائي في المعهد حتى حين انتقلت لدراسة الفنون الجميلة بمدينة أخرى ينتظرني في محطة القطار".

بوح

في 2015 كان اللقاء الحاسم بعد تردد كبير من صابرين لتبوح بدورها لربيع بحبها وبأنها تبادله المشاعر نفسها، ويدخل الحبيبان في مرحلة جديدة وجادة من السعي نحو تكوين عائلة والاستعداد لمراحل الخطبة والزواج، ويجري التعارف بين عائلة الشاب ربيع وعائلة صابرين الموسعة داخل قرية الأيتام وفاقدي السند بمدينة المحرس "SOS".

وتشدد الشابة على أن عائلة ربيع لم تُبدِ أي ممانعة أو رفض أو حتى تحفظ من زواج ابنها من شابة تعيش داخل ملجأ للأيتام، على الرغم من نظرة البعض الدونية إلى هذه الفئة التي دفعتها ظروف خارجة عن نطاقها لتعيش هذه الوضعية.

رسالة في دعوة الزفاف

محبة صابرين لقريتها التي عاشت فيها طفولتها وجزءاً من شبابها دفعتها للتفكير في تكريمها بطريقة غير مسبوقة، إذ اختارت أن تكتب في دعوة الزفاف اسم القرية "SOS المحرس" بدلاً من اسم والدها المتوفى لتكون جنباً إلى جنب مع اسم والد زوجها.

وتبدي العروس فرحة بموافقة زوجها وعائلتها على هذه الخطوة التي اعتبرتها رسالة ذات معاني نبيلة، قد تساهم في تغيير بعض العقليات البالية التي تنظر إلى هذه الفئة من ساكني قرى الأيتام أو "أطفال قريةSOS" كأشخاص منبوذين وفاقدين لحق الاندماج داخل المجتمع التونسي والحب والزواج من خارجها.

ولا تخفي صابرين التي انتقلت حالياً للعيش رفقة زوجها بمدينة المنستير الساحلية شعور الحزن بسبب ابتعادها عن عائلتها الموسعة داخل القرية، لا سيما أنها أكبر فتاة من بين الأطفال الذين يعيشون داخلها، وعاشت أدواراً وتجارب كثيرة كأم وأخت لأجيال تربوا على أيديها ممن التحقوا بعدها بالقرية.

وراء "قرية SOS" المحرس النموذجية حيث تربّت صابرين فريق متكامل يعمل كعائلة واحدة من أجل إسعاد مئات الأطفال من فاقدي السند داخلها، ومن بين هؤلاء مدير القرية الذي أشرف على مراحل زواج صابرين من الألف إلى الياء.

ويعبر أشرف السعيدي في حديثه لـTRT عربي عن فرحته بإتمام مراسم حفل زفاف ابنته في ظروف طيبة، بعد أن تجند جميع العاملين داخل القرية وحتى خارجها من أجل تأمين جميع متطلبات العروس من جهاز وملابس وكوافير وفرقة موسيقية.

وحول دعوة الزفاف الفريدة من نوعها وما تضمنتها من رسالة قوية وتحدٍّ لعقليات اجتماعية بالية، عبّر مدير القرية عن امتنانه لصابرين التي استأذنته في أن تكتب اسم القرية على دعوة الزفاف بدلاً من اسم والدها المتوفى، ليوافق على طلبها دون تردد.

وأكد السعيدي أن صابرين حرصت خلال حفل زواجها على التشبث بعادات جهتها مدينة قابس التي ولدت فيها، سواء من خلال ارتداء ملابس تقليدية تعود إلى هذه الجهة أو حضور الفرق الموسيقية التراثية التي تعبر عن الموروث الشعبي لهذه الجهة جنوب البلاد.

قصة صابرين ليست إلا نموذجاً مصغراً لعشرات من الأطفال الذين لم يختاروا آبائهم ولا أمهاتهم ولا العيش داخل قرى الأيتام، لكنهم على الرغم من ذلك يؤمنون بحقهم في الحلم والعيش كغيرهم من أبناء جيلهم، وأن يتقاسموا الفرحة والمحبة مع من يختارونهم، بعيداً عن منطق الإقصاء والعنصرية المقيتة التي يفرضها المجتمع.

قصة صابرين ليست إلا نموذجاً مصغراً لعشرات من الأطفال الذين لم يختاروا آبائهم ولا أمهاتهم ولا العيش داخل قرى الأيتام (TRT Arabi)
دعوة زفاف صابرين وربيع تحمل معانٍ نبيلة وقد تساهم في تغيير بعض العقليات البالية التي تنبذ ساكنة قرى الأيتام (TRT Arabi)
العروس التونسية صابرين حرصت على ارتداء اللباس التقليدي القابسي (TRT Arabi)
TRT عربي