تابعنا
تمتد سيطرة الصين على إنتاج الأدوية إلى المضادات الحيوية أيضاً، إذ تستحوذ على نحو 42.4% من سوقها العالمية، لتأتي على رأس قائمة المصدرين العالميين لتلك العقارات، كما تعد الصين أكبر منتج ومصدر للفيتامينات في العالم.

بينما تستمر معركة الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين، تلوح في الأفق معركة يبدو أنها أكثر تعقيداً. ففي مارس/آذار الماضي مرّرت لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ، مشروع قانون "أمن التكنولوجيا الحيوية"، الذي يقيّد التعامل مع بعض الشركات الصينية في مجال الصناعات الدوائية، بدعوى "حماية المعلومات الصحية للأمريكيين من خصوم الولايات المتحدة الأجانب".

ويُعد قانون "أمن التكنولوجيا الحيوية" (BIOSECURE) الذي ينتظر الآن الموافقة النهائية من الكونغرس الأمريكي، أحدث الإجراءات ضمن سلسلة قرارات تتخذها واشنطن لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين، وتقليل الاستثمار الأمريكي الإجمالي مع الدول الخصوم لها.

تشريع قانوني من أجل خصم واحد

يحدد مشروع القانون 4 شركات صينية معينة، منها "ووشي آب تِك" WuXi" AppTec"، وهي من أكبر شركات الصناعات الدوائية في العالم. وينص المشروع على أن الشركات الأمريكية التي لديها اتفاقات حالية أو معلّقة مع المؤسسات المذكورة لن تحصل على عقود مع الحكومة الأمريكية، أو على قروض ومنح من الوكالات الفيدرالية، وربما أيضاً تُستبعد تلك الشركات من برنامج التأمين الصحي الأمريكي "ميدي كير" وبرنامج الرعاية الصحية "ميديكيد".

وتزعم اللجنة المقدِّمة للقانون أن الشركات المذكورة تستخدم البيانات الجينية للمواطنين الأمريكيين وتتيح أبحاثاً أو تكنولوجيا يستخدمها الجيش الصيني لتطوير أسلحة بيولوجية، وكذلك يهدف القانون إلى ضمان عدم حصول شركات التكنولوجيا الحيوية الأجنبية المنافسة على أموال الأمريكيين.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين مسؤولين في المخابرات الأمريكية، أن مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) ووزارة الخارجية ومكتب مدير المخابرات الوطنية، أبلغوا في نهايات فبراير/شباط الماضي -أي في الشهر الذي سبق تمرير مشروع القانون- 12 من أعضاء مجلس الشيوخ، الذين يعملون على مشروع القانون، أن شركة (ووشي آب تك) الصينية للأدوية نقلت بيانات تعود إلى أحد عملائها في الولايات المتحدة إلى السلطات الصينية دون الحصول على موافقة.

وردّاً على ذلك، قال متحدث باسم ووشي آب تك: "لسنا على علم بأي نقل غير مصرح به من الشركة لبيانات أو ملكية فكرية تخص أي عميل أمريكي إلى الصين. حماية معلومات عملائنا لها أهمية قصوى لدينا".

وقالت سفارة الصين في واشنطن إن ما يدّعيه الكونجرس، حول أن شركة ووشي آب تك تشكل تهديداً للأمن القومي غير مبرر. وأضافت: "إذا كان أحد يعتقد أن ووشي آب تك أو الشركات التابعة لها تخالف القوانين المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، فليقدم دليلاً مقنعاً لدعم مزاعمه".

ومن المحتمل أن يتوسَّع القانون ليشمل الشركات التي مقرها الرئيسي موجود في الصين أو إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا، أو تخضع لولايتها، بدعوى أنها تشكِّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

ما تأثير ذلك القانون في القطاع الدوائي الأمريكي؟

في حالة إقرار هذا القانون بشكل نهائي من الكونغرس، ستقع صناعة الأدوية الأمريكية في مأزق كبير، وفق ما قالته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، في 24 مارس/آذار الماضي.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن كريس ميكينز، المحلل في شركة "ريموند جيمس" الأمريكية للاستشارات المالية، "أن احتمالات إقرار مشروع القانون مرتفعة، لأن الكونغرس يرى أن التعاون مع شركات صينية في مجال التكنولوجيا الحيوية مكمن خوف كبير على الأمن القومي الأمريكي".

وأظهرت مراجعة صحيفة نيويورك تايمز مئات الصفحات من السجلات في جميع أنحاء العالم أن "ووشي" جزء لا يتجزأ من خزانة الأدوية الأمريكية، ما يجعل بعض أو كل المكونات الرئيسية للعلاجات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، خصوصاً التي تعالج بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم والغدد الليمفاوية، وكذلك السمنة وفيروس نقص المناعة البشرية، تأتي من الصين.

ووفق ما ورد في الصحيفة، فإن بعض المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا الحيوية عارضوا مشروع القانون، محاولين إقناع الكونجرس بأن الانفصال المفاجئ قد يؤدي إلى إخراج بعض الأدوية من خط الإنتاج لسنوات، في وقت تعاني فيه صناعة الأدوية في أمريكا بالفعل من نقص على نطاق واسع، وصل الآن إلى أعلى مستوى له منذ 20 عاماً .

وأثار ذلك القرار قلق عديد من شركات الأدوية الأمريكية، إذ قال الدكتور جوناثان كيل، الرئيس التنفيذي لشركة Sound Pharmaceuticals في سياتل، إن ووشي الصينية عملت جنباً إلى جنب شركته لمدة 16 عاماً لتطوير علاج لفقدان السمع وطنين الأذن، موضحاً أن محاولة العثور على مورّد آخر لتصنيع الدواء قد تعيد الشركة عامين إلى الوراء.

وحسب نفس التقرير، قدّر بيتر كولشينسكي، الشريك الإداري لشركة الاستثمار RA Capital Management، أن نصف شركات التكنولوجيا الحيوية، البالغ عددها 200 شركة في المحفظة الاستثمارية التابعة لشركته، تعمل مع "ووشي".

وأوضح رئيس مجموعة BIO التجارية لصناعة التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة، جون إف كرولي، أن التأثيرات ستكون أكثر صعوبة بالنسبة للشركات التي تعتمد على WuXi لتصنيع الأدوية المعقدة، وقد يستغرق نقل مثل هذه العملية من خمس إلى سبع سنوات. وقال: "علينا أن ندرس الأمر بشكل جيد حتى لا نلحق الضرر بالمرضى أولاً".

من ناحية أخرى نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن خبراء قولهم إن بعض الشركات في الولايات المتحدة قد تستفيد من غياب الشركات الصينية وانخفاض المنافسة، وقد يدفعها ذلك إلى تعزيز قدراتها.

في المقابل، حذر إريك كولدويل، المحلل في شركة Baird للاستثمار والخدمات المالية، من أن تقليل التعاون بين شركات التكنولوجيا الحيوية الأمريكية والصينية قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف تطوير الأدوية في الولايات المتحدة، فضلاً عن أن هذه الإجراءات قد تدفع بكين إلى الرد بالمثل، وفرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي لديها مقرات للبحث والتطوير في الصين.

مدى سيطرة الصين على صناعة الدواء في أمريكا

كانت دول الغرب واليابان تصنّع 90% من العناصر الدوائية الفعالة حتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، لكن الصين أصبحت تنتج نحو 40% من الإنتاج العالمي لهذه العناصر بداية من 2017، واليوم تشترك مع الهند في ما يزيد على نصف الإنتاج العالمي، لكن الهند بدورها أيضاً تعتمد بشكل كلي على المواد الخام القادمة من الصين.

وتمتد سيطرة الصين على إنتاج الأدوية إلى المضادات الحيوية أيضاً، إذ تستحوذ على نحو 42.4% من سوقها العالمية، لتأتي على رأس قائمة المصدرين العالميين لتلك العقارات، كما تعد الصين أكبر منتج ومصدر للفيتامينات في العالم.

وحسب غرفة التجارة الصينية لاستيراد وتصدير الأدوية والمنتجات الصحية، فالصين هي أكبر منتج للأدوية البديلة في العالم، هذا في سوق عالمية قدّرت قيمتها بـ197 مليار دولار في عام 2022، وفق موقع "Global Industry Analysts".

أما في الولايات المتحدة، فتمثل الصين جزءاً مُهمّاً من سلسلة توريد الأدوية، وتسيطر هي والهند مجتمعتين على 80% من الواردات الأمريكية لهذه المواد. وقالت مجموعة "ووشي آب تك" الصينية إن نحو 65% من إيرادات الشركة في العام الماضي جاء من عملاء في الولايات المتحدة.

وفي 2018، قبل أزمة وباء كورونا، استحوذت الصين على 95% من واردات الولايات المتحدة من الإيبوبروفين، و91% من الهيدروكورتيزون، و70% من الأسيتامينوفين، و40 إلى 45% من البنسلين، و40% من واردات الولايات المتحدة من الهيبارين، حسب بيانات وزارة التجارة الأمريكية.

وتُعد شركة WuXi Biologics واحدة من أكبر 5 شركات لتطوير وتصنيع أدوية في جميع أنحاء العالم من حيث الإيرادات، إذ يأتي نحو ثلثيها من الولايات المتحدة وفقًا لموقع بيانات Statista.

TRT عربي
الأكثر تداولاً