كشفت "ناسا" بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أعمق صورة للكون على الإطلاق (Reuters)
تابعنا

تمهيداً لعصر جديد من استكشاف الكون، أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، أكبر تليسكوب فضائي، يحمل اسم "جيمس ويب"، وهو أداة جديدة من شأنها إحداث ثورة في مجال مراقبة الكون، إذ سيتيح للبشرية الحصول على لمحة أولية للكون كما كان حين تشكُّله.

ويوم الاثنين كشفت "ناسا" بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس عن أعمق صورة للكون على الإطلاق التُقطَت بالأشعة تحت الحمراء، ظهرت فيها آلاف المجرّات التي تشكّلت بُعيد الانفجار العظيم قبل أكثر من 13 مليار سنة، وهي صورة لعنقود من المجرات تعرض لمحة هي الأكثر تفصيلاً على الإطلاق للكون في طوره الأول، وتُعتبر "الأقرب لفجر الكون وحافة الفضاء".

من جانبه قال بايدن في حفل أقيم بالبيت الأبيض ونُشرت خلاله باكورة حصاد التليسكوب الفضائي، إنّ هذه الصورة العلمية الملوَّنة التي تعرض لمحة هي الأكثر تفصيلاً على الإطلاق للكون في طوره الأول، وتُعتبر "الأقرب لفجر الكون وحافة الفضاء، والأولى من نوعها، وتمثّل يوماً تاريخياً".

"فجر الكون"

قبل الكشف عن الصورة قال بايدن: "إنها نافذة جديدة على تاريخ الكون الذي نعيش فيه. سنحصل اليوم على لمحة لأول ضوء يسطع من تلك النافذة: ضوء من عوالم أخرى، نجوم تسبح في أفلاك بعيدة جدّاً عن عالمنا، إنه أمر مذهل لي".

وتظهر في الصورة التي التقطها "جيمس ويب" بالأشعة تحت الحمراء ونشرتها "ناسا"، آلاف المجرّات التي تشكّلت بُعيد الانفجار العظيم وولادة الكون، ويبلغ عمرها 4.6 مليار عام، يطلق عليها اسم "سماكس 0723"، وتعمل كتلتها المجمعة بمثابة "عدسة جاذبية"، تشوّه الفضاء لتضخّم بدرجة كبيرة الضوء القادم من مجرات بعيدة خلفها.

فيما أشار رئيس "ناسا" بيل نيلسون إلى أن واحداً على الأقلّ من المشاهد الضوئية الخافتة الأقدم التي تظهر في "خلفية" الصورة، يعود إلى أكثر من 13 مليار سنة، مما يجعله أصغر بنحو 800 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، وهو الشرارة النظرية التي بدأت توسُّعَ الكون المعروف قبل نحو 13.8 مليار سنة.

تلسكوب "جيمس ويب"

بعد مرور نحو شهر على إطلاقه يوم عيد الميلاد الماضي، أعلنت "ناسا" وصول التليسكوب الفضائي "جيمس ويب" إلى مداره النهائي الذي يبعد 1.5 مليون كيلومتر عن الأرض، وسيتمكّن التليسكوب من مراقبة المجرات الأولى التي تشكّلت في الكون.

ومن شأن "جيمس ويب"، الذي طوّرته وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مع نظيرتيها الأوروبية والكندية، أن يُتيح مراقبة أولى المجرّات الّتي ظهرت بعد الانفجار العظيم والتعمُّق في فهم كيفية تشكُّل النجوم ومراقبة الكواكب خارج المنظومة الشمسية، مما يمهّد لبدء عصر جديد من استكشاف الفضاء.

والتليسكوب "جيمس ويب" الذي كلّف "ناسا" 10 مليارات دولار وفق التقديرات، من أغلى الأدوات العملية التي صُنعَت على الإطلاق، مقارنةً مع سلفه التليسكوب"هابل" أو مصادم الهدرونات الكبير التابع للمنظمة الأوروبية للبحوث النووية.

مهمة البحث عن نقطة البداية

قبل إطلاقه نهاية العام الماضي، قالت "ناسا" إنّ الهدف المنشود من أداة المراقبة الفضائية هذه، الأكثر دقّة في التاريخ، هو الإضاءة على سؤالين يشغلان البشرية: "من أين نأتي؟" و"هل نحن وحدنا في هذا الكون؟". كما يُفترض بالتليسكوب أن يراقب المجرّات الأولى التي تشكّلت في الكون، والغلاف الجوي للكواكب الخارجية، عبر مرآته الضخمة التي ستمكّنه من التقاط الإشعاعات المنبعثة من النجوم والمجرات الأولى التي تشكّلت منذ أكثر من 13.4 مليار سنة، أي بعد أقل من 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.

وتقضي الغاية منه أيضاً سبر أغوار ما يُعرف بـ"الفجر الكوني" عندما بدأت أولى المجرّات تضيء الكون منذ الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، وهو ما سيتيح التعمُّق في فهم كيفية تشكُّل النجوم والمجرّات ومراقبة الكواكب خارج المنظومة الشمسية التي ما انفكّ العلماء يكتشفون مزيداً منها، على أمل العثور على كواكب أخرى مواتية للحياة.

وسيكون "جيمس ويب" على منوال التليسكوب "هابل" الذي أحدث ثورة في تقنيات مراقبة الفضاء واكتشف العلماء بفضله ثقباً أسود في قلب كلّ المجرّات، أو بخار ماء حول الكواكب الخارجية.

TRT عربي