تكلفة بناء الجدار الحديدي بلغت حوالي 1.1 مليار دولار أمريكي، واستغرق العمل فيه حوالي 3 أعوام حتى عام 2021. شارك نحو 1200 عامل في المشروع، واستخدم فيه حوالي 140 ألف طن من الحديد والصلب. / صورة: AFP (Menahem Kahana/AFP)
تابعنا

على مسافة 65 كيلومتراً وباستخدام 140 ألف طن من الحديد والصلب وبتزويده بمئات الكاميرات والرادارات، شيدت إسرائيل الجدار الحديدي، لتحصين نفسها من أي هجمات لحركة حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة، ولكنها لم تفكر في أن النضال الفلسطيني يطور ذاته ويتكيف مع المستجدات، لذلك جرى اختراق هذا السد المنيع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري في عملية طوفان الأقصى.

الجدار الحديدي

يُعتبر حاجز غزة-إسرائيل، المعروف أيضاً بـ"الجدار الحديدي" أو "الجدار الفاصل"، من أبرز العناصر الحدودية في المنطقة. بني هذا الجدار من جانب الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع قطاع غزة.

تاريخ الجدار الحديدي

تاريخ بناء الجدار يعود إلى عام 1994، عندما بَنَت السلطات الإسرائيلية سياجاً أمنياً على طول الحدود مع غزة، وكان طوله حينها نحو 60 متراً. جرى التوصل إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال بأن هذا السياج لا يشكل الحدود النهائية بين الجانبين، وذلك وفقاً لاتفاقية أوسلو.

في عام 2002، خلال فترة رئاسة أرييل شارون، بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء جدار فصل عنصري في الضفة الغربية وداخل الأحياء العربية في القدس المحتلة، بهدف تأجيل حل الصراع مع الفلسطينيين. جرى بناء 510 كيلومترات من إجمالي 810 كيلومترات لهذا الجدار.

لم يقتصر استخدام الجدران كوسيلة للتحصين على الحدود الدولية فقط، بل جرى استخدامها داخلياً أيضًا. أصبح بناء جدران الفصل أمراً اعتيادياً، إذ تم بناء جدران داخل بعض المدن الساحلية المختلطة مثل اللد والرملة لفصل الأحياء العربية عن الأحياء اليهودية. كما جرت محاصرة بلدات عربية مثل جسر الزرقاء بجدران ترابية لعزلها عن بلدة قيساريا.

وفي عام 2005، عندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، قررت الاحتفاظ بمنطقة عازلة بطول كيلومتر واحد على طول الحدود، بهدف منع المقاتلين الفلسطينيين من الاقتراب. ولأن السياج الموجود لم يكن فعالاً في تحقيق هدفه، جرى تطويره عدة مرات منذ ذلك الحين.

في منتصف عام 2017، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي ببناء الجدار الحديدي، الذي يتضمن جداراً حدودياً تحت الأرض بعمق عدة أمتار على طول الحدود.

تكلفة بناء الجدار الحديدي

تكلفة بناء الجدار الحديدي بلغت حوالي 1.1 مليار دولار أمريكي، واستغرق العمل فيه حوالي 3 أعوام حتى عام 2021. شارك نحو 1200 عامل في المشروع، واستخدم فيه حوالي 140 ألف طن من الحديد والصلب.

جرى استخدام أكثر من 330 ألف شاحنة لإزالة التربة الناتجة عن المشروع، والتي تزيد عن 3 ملايين متر مكعب، وكمية الخرسانة المستخدمة قدرت بحوالي 220 ألف شاحنة، ما يكفي لشق طريق من إسرائيل إلى بلغاريا.

وصف الاحتلال الجدار الحديدي في ذلك الوقت بأنه "الوحيد من نوعه في العالم" وأنه سيوفر درعاً دفاعياً حول المواطنين على الحدود.

كما صرح وزير الدفاع آنذاك، بيني غانتس، قائلاً: "يعتبر هذا الجدار مشروعاً تكنولوجياً إبداعياً من الدرجة الأولى، إذ يحرم حماس قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع حاجزاً من الحديد وأجهزة الاستشعار والخرسانة بينها وبين سكان الجنوب".

وعلى الجانب الآخر، يعارض الفلسطينيون والمجتمع الدولي هذا الجدار الحديدي، ويعتبرونه انتهاكاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان. ويؤكد النقاد أن الجدار يعزز الانقسام والعزلة بين الفلسطينيين ويحد من حرية التنقل والوصول إلى الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية. فالجدار يعمق الانفصال الاقتصادي ويقيد فرص العمل والتنمية في الأراضي الفلسطينية، ويسرق منهم أجزاء من الأراضي الفلسطينية التي يطالب أهلها بها لإقامة دولتهم المستقلة، ويعرقل فرص إقامة دولة فلسطينية قائمة على حدود معترف بها دولياً.

مواصفات الجدار الحديدي

الجدار الحديدي الذي يحيط بقطاع غزة جعل أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في ما يشبه السجن المفتوح، حيث يمتد لمسافة 65 كيلومتراً من الحدود المصرية ويحيط بالقطاع حتى يصل إلى البحر الأبيض المتوسط. يهدف الجدار إلى منع الفصائل المسلحة في القطاع من حفر أنفاق تحت الماء، كما حاولت في الماضي.

ويتكون الجدار الحديدي من مكونات عدة، بما في ذلك جدار خرساني مقوى تحت الأرض مجهز بأجهزة استشعار للكشف عن الأنفاق، وسياج فولاذي بارتفاع ستة أمتار، وشبكة من الرادارات وأجهزة استشعار المراقبة الأخرى، وأسلحة يجري التحكم فيها عن بُعد.

الجدار الحديدي المعدني الموجود تحت الأرض، مجهز بأجهزة استشعار للكشف عن أي حفر يمكن أن يكون نفقاً محتملاً.

الجدار الحديدي الذي يقع بالكامل داخل الأراضي المحتلة، يمتد فوق سطح الأرض لأكثر من 6 أمتار، ويتضمن نظاماً للأسلحة يجري التحكم فيه عن بُعد، بالإضافة إلى حاجز بحري مجهز بمعدات مراقبة قادرة على اكتشاف التسلل عبر الطرق البحرية.

ووفقاً لتقرير نشرته واشنطن بوست، جرى إقامة أبراج مراقبة وكثبان رملية على الجانب الإسرائيلي للجدار، لمراقبة التهديدات والمتسللين.

اختراق الجدار الحديدي: الأحداث والتفاصيل

في صباح السبت، السابع من أكتوبر 2023، وقعت سلسلة مفاجئة من الهجمات المنسقة من قبل المقاتلين الفلسطينيين، ما أدى إلى اختراق الجدار الحديدي بسهولة تامة في 29 نقطة، وفقاً لاعترافات الجيش الإسرائيلي.

على الرغم من وجود أبراج المراقبة الإسرائيلية المتمركزة بين كل 500 قدم على طول الجدار في بعض المناطق، فإنه يبدو أن المقاتلين لم يواجهوا مقاومة كبيرة.

فيما يلي أبرز الأعمال التي نفذها المقاتلون الفلسطينيون لاجتياز الجدار الحديدي:

استخدام طائرات بدون طيار لإسقاط المتفجرات:

استخدم المقاتلون الفلسطينيون طائرات بدون طيار لقصف أبراج المراقبة والبنية التحتية للاتصالات وأنظمة الأسلحة الإسرائيلية على طول الحدود.

إطلاق صواريخ مصاحبة للطيران الشراعي:

أطلق المقاتلون الفلسطينيون أكثر من 3000 صاروخ على إسرائيل، بعضها وصل إلى تل أبيب والقدس. تزامن ذلك مع طيران المقاتلين الفلسطينيين على متن طائرات شراعية معلقة فوق الحدود.

استخدام المتفجرات على طول السياج:

فجّر المقاتلون أجزاء من الجدار باستخدام المتفجرات، ما سمح لهم بالاقتحام على درّاجات نارية من خلال الفجوات.

توسيع الفجوة:

استخدمت الجرافات لتوسيع الفجوة المفتوحة، ما خلق مساحة كافية لعبور المركبات كبيرة الحجم.

وكان لاختراق الجدار الحديدي العديد من الآثار على الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، فمن ناحية عزز الثقة والروح المعنوية للفلسطينيين، ومن ناحية أخرى تسبب في إضعاف الأمن والاستقرار الإسرائيلي، وزيادة التوترات والاحتكاكات العسكرية بين القوات الإسرائيلية والمقاتلين الفلسطينيين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً