تعرّف خريطة المشاريع الكبرى التي تنفذها شركات المقاولات التركية حول العالم. (Reuters)
تابعنا

رغم الانكماش الذي أصاب معظم الاقتصادات العالمية في ظل جائحة كورونا، فإن قطاع البناء في تركيا شهد انتعاشاً كبيراً في عام 2021 وأصبح واحداً من القطاعات الفاعلة والرائدة عالمياً منذ سبعينات القرن الماضي، وفقاً لوزير التجارة التركي محمد موش.

وأشار موش الذي تحدث يوم الثلاثاء خلال برنامج تقييمي نظمته جمعية المقاولين الأتراك حول خدمات المقاولات الخارجية والاستشارات الفنية لعام 2021، في العاصمة أنقرة، إلى أن الحكومة التركية في خططها وبرامجها الاقتصادية الجديدة تولي اهتماماً كبيراً لتصدير الخدمات بقدر أهمية تصدير البضائع. وأكد الوزير أن قطاع الخدمات هو حرفياً "نور عين" الاقتصاد التركي، لما يجلبه من تدفق نقدي بالعملات الأجنبية ومساهمته بالحد من البطالة، فضلاً عن المساهمة الإيجابية في تصدير السلع.

ولا يقتصر نجاح شركات المقاولات التركية على السوق المحلية فقط، بل يمتد إلى دول إقليمية وعالمية، وبحسب إحصائية مجلة الأخبار الهندسية (ENR) لعام 2020، احتلت 44 شركة مقاولات تركية قائمة أفضل 250 شركة مقاولات دولية على مستوى العالم أجمع، فيما تشير الإحصائية إلى أن تركيا جاءت في المرتبة الثانية بعد الصين من حيث عدد الشركات التي دخلت القائمة، وفي المرتبة السابعة من حيث إجمالي المدخولات السنوية.

تفوق كبير رغم كورونا

في أعقاب الانكماش الكبير الذي حدث في عام 2020 جراء تأثير الوباء العالمي، شهد عام 2021 تعافي قطاع صناعة البناء التركية، فتضاعفت قيمة مشاريع المقاولات التي تقودها الشركات التركية في العالم وارتفعت من 15.2 مليار دولار في عام 2020، إلى 29.3 مليار دولار قبل نهاية عام 2021.

وبذلك ارتفع إجمالي عدد المشاريع التي نفذتها شركات المقاولات التركية في 131 دولة حتى الآن إلى 11 ألفاً و93 مشروعاً، وارتفعت القيمة الإجمالية للمشاريع المنفذة إلى 451.5 مليار دولار لغاية عام 2021. آخر مرة وصلت الشركات التركية لهذا المعدل السنوي كان في فترة 2012-2013، عندما حُطم الرقم القياسي بـ 31 مليار دولار.

وأشار الوزير موش إلى أن صناعة البناء التركية أضحت علامة تجارية عالمية مهمة وأن النجاح الذي حققته حتى الآن ليس مصادفة، بل هو نتاج عمل بلا كلل في مناطق جغرافية صعبة من خلال تحمل جميع أنواع الصعوبات بصبر. ولفت موش إلى أنه خلال السنوات 15 الماضية، نفذ المقاولون الأتراك مشاريع بقيمة 23 مليار دولار في المتوسط سنوياً ​​وجلبوا ما متوسطه 650 مليون دولار من العملات الأجنبية إلى تركيا.

ولا يقتصر دور هذه الشركات على العملات الأجنبية التي تضخها في الاقتصاد التركي وحسب، بل يمتد إلى الحد من العمالة من خلال توظيفها جيوشاً من المهندسين والعمال الذين باتوا يكتسبون مهارات حديثة ومتطورة تمكنهم من المنافسة عالمياً، فضلاً عن فرص التصدير التي يوفرونها في أثناء تنفيذ المشاريع.

خريطة المشاريع

منذ تدشين أولى مشاريعها الدولية في ليبيا عام 1972، بدأت شركات المقاولات التركية بالتوسع سريعاً على المستوى العالمي، وخلال العقديْن الماضييْن أحكم المقاولون الأتراك سيطرتهم على ثلاث مناطق رئيسية، هي روسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب توسعهم في أوروبا ودول جنوب آسيا مؤخراً.

وبحسب تصريح وزير التجارة التركي، كان العام الماضي شاهداً على نشاط قوي لشركات المقاولات في أفريقيا خصوصاً في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وإذا أخذنا قيمة المشاريع التي نٌفذت كأساس للتقييم، نجد أن 55% من المشاريع في عام 2021 نٌفذت في رابطة الدول المستقلة (CIS)، و17% في إفريقيا جنوب الصحراء، و13% في الشرق الأوسط، وحوالي 10% في أوروبا.

وفيما تحتل روسيا المرتبة الأولى بين الدول ذات أعلى تكلفة للمشاريع المنفذة بمبلغ 11.2 مليار دولار، حلت العراق في المرتبة الثانية على قائمة الدول التي نفذت شركات المقاولات التركية فيها أكبر عدد من المشاريع بقيمة 3.6 مليار دولار من المشاريع المنفذة في عام 2021.

وأكد موش أن قطاع الاستشارات الفنية قد حقق اختراقات مهمة في السنوات الأخيرة، إذ تجاوزت القيمة التراكمية للمشروع الذي قامت به شركات الاستشارات الفنية التركية في الخارج 2.7 مليار دولار، وبلغت كلفة المشروع الذي نُفذ في عام 2021 حوالي 137 مليون دولار. وإلى جانب الدول التقليدية التي ينشط فيها المقاولون الأتراك، حقق قطاع الاستشارات الفنية اختراقاً كبيراً في دول جنوب آسيا، إذ أصبحت الهند الدولة الأولى من حيث حجم المشاريع التي نُفذت العام الماضي، فيما حلت باكستان بين الدول العشر الأولى.

علامة تجارية عالمية

تسعى الحكومة التركية للنهوض بقطاع البناء التركي وجعله علامة تجارية مهمة على المستوى العالمي، لذلك تجدها تبذل الجهد الكبير من أجل تشويق القطاع للقيام بمشاريع ضخمة في الخارج من خلال برامج الدعم الحكومية التي تعدها وتنفيذها وفق خطة استراتيجية محكمة، فضلاً عن تفعيلها للأدوات الدبلوماسية والتجارية لدعم هذا القطاع دولياً.

وبفضل هذه الجهود، حافظت شركات المقاولات التركية على حصتها البالغة 4.6% من السوق العالمية بإيرادات بلغت 21.6 مليار دولار أمريكي، فيما ارتفع عدد شركات المقاولات التركية في قائمة أفضل 100 شركة دولية وفقاً لإيرادات مشاريعهم من 7 شركات عام 2019 إلى 9 شركات لعام 2020، ودخلت شركة مقاولات تركية ضمن قائمة أعلى 30 شركة مقاولات دولية إيراداً لعام 2020.

وخلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، نجحت شركات البناء التركية في الحصول على موضع قدم في الدول الإفريقية، واستطاعت زيادة حصتها في سوق البناء وقطاعات الطاقة والبنى التحتية، إذ تعد من أبرز المنافسين لشركات الإنشاءات الصينية التي تسيطر على نحو 62% من حجم سوق الإنشاءات في القارة الإفريقية.

كما ونجحت مؤخراً في زيادة حصصها في السوق الأوروبية، فتمكنت الشركات التركية من منافسة شركات المقاولات الأوروبية والتغلب عليهم في العديد من المناقصات الإنشائية، ولم تقتصر المنافسة على الشركات الأوروبية وحسب، بل توسعت لتشمل الشركات الصينية والكورية.

TRT عربي