بينما يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم لم يتعمَّدوا قتل المدنيين أو الصحفيين، لكن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة. ويوم الثلاثاء، قُتل صحفيان يعملان في قناة الميادين، ومقرها بيروت، في غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان.
وأثارت عملية القتل الأخيرة موجة واسعة من الإدانة في لبنان والعالم، كما اتهم اتحاد الصحفيين العرب، ومقره القاهرة، إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الصحفيين بسبب كشف الحقيقة. ودعا الاتحاد في بيان له إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن مقتل الصحفيين في المنطقة.
وبالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي خلفها العدوان في صفوف المدنيين في قطاع غزة، استشهد ما لا يقل عن 50 صحفيّاً وعاملاً في مجال الإعلام منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً للجنة حماية الصحفيين -وهي مجموعة معنية بالحريات الصحفية- التي وصفت بدورها فترة العدوان الإسرائيلي بأنها "الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الصراع المسلح منذ أن بدأت المجموعة في جمع البيانات في عام 1992".
وبعد استشهاد الصحفيتين آلاء طاهر الحسنات وآيات خضورة إثر غارات جوية استهدفت منزليهما، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة استشهاد 62 صحفيّاً وصحفية باستهدافهم مباشرة بصواريخ الاحتلال، أو جراء هدم منازلهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم.
استهداف بشكل متعمد
في 13 أكتوبر/تشرين الأول، اجتمع فريق من الصحفيين على الحدود بين إسرائيل وجنوب لبنان لتغطية تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية وجماعة "حزب الله" اللبنانية، عندما سقطت قذيفة إسرائيلية في مكان قريب، مما أدى إلى مقتل مصور وكالة رويترز، عصام عبد الله، وإصابة ستة آخرين.
علاوة على ذلك، فقد توصلت الاستنتاجات الأولية لـ"مراسلون بلا حدود" عبر التحقيق الجاري في حادثة 13 أكتوبر/تشرين الأول إلى أن الصحفيين لم يكونوا ضحايا جانبيين لعمليات إطلاق النار، بل كانوا أهدافاً، وذلك بناءً على أدلة الفيديو وشهادات الشهود، إذ جرى استهداف إحدى مركباتهم، التي تحمل علامة الصحافة، كما تبين أن المجموعة المتمركزة بجانبها صحفيون.
واعتباراً من 16 نوفمبر/تشرين الثاني، كان عبد الله، هو وواحد من بين 42 صحفيّاً وعاملاً في مجال الإعلام، على الأقل قُتِلا في العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً للجنة حماية الصحفيين. والحصيلة المُبلّغ عنها تجعل أكتوبر/تشرين الأول 2023 الشهر الأكثر دموية للصحفيين منذ أن بدأت المجموعة في جمع البيانات عام 1992.
وفي إحدى الحالات، كان وائل الدحدوح، مراسل شبكة الجزيرة في غزة، يبث صوراً حية للمنطقة المحاصرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول عندما تلقى أخباراً عن استشهاد زوجته وابنه وابنته جراء غارة جوية إسرائيلية.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، استشهد 4 من أطفال المصوّر المتعاون مع وكالة الأناضول، محمد العالول، جراء قصف إسرائيلي استهدف عدداً من المنازل في مخيم المغازي للاجئين وسط غزة.
جرائم حرب ضد الصحفيين
وبالإضافة إلى الشهداء المؤكَّدين، أُبلغ عن إصابة تسعة صحفيين، وفقدان ثلاثة، كما جرى الإبلاغ عن اعتقال 13 آخرين، وفقاً للجنة حماية الصحفيين، التي قالت إن ذلك وقع بالإضافة إلى "الاعتداءات المتعكررة والتهديدات والهجمات الإلكترونية والرقابة وقتل أفراد الأسرة".
وقال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، لمجلة تايم: "لا يمكننا أن نتجاهل مستوى الوَفَيات بين الصحفيين في غزة"، وأضاف: "هذه الأرقام أسوأ من تلك التي قُتلت خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وتُظهر أن ما يحدث صادم بشكل لا يُصدَّق". وتابع ديلوار: "أصبح من المستحيل على الصحفيين العمل في غزة في ظل التعتيم الإعلامي الحالي".
وردّاً على تواتر استهداف وقتل الصحفيين، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في استشهاد ثمانية صحفيين فلسطينيين، تقول إنهم قُتلوا في القصف الإسرائيلي على المناطق المدنية في قطاع غزة. وتشير الشكوى أيضاً إلى "التدمير المتعمَّد، الكُلي أو الجزئي، لمباني أكثر من 50 وسيلة إعلامية في غزة" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وكانت الشكوى الأخيرة التي تقدمها "مراسلون بلا حدود" هي الثالثة التي تقدمها المنظمة منذ عام 2018، وتقول إن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة. وبموجب القانون الإنساني الدولي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حتى لو كان الصحفيون ضحايا لأهداف عسكرية مشروعة، فإن الهجوم سيشكِّل جريمة حرب، لأنه تسبب مع ذلك في "ضرر مفرط وغير متناسب بشكل واضح للمدنيين"، وفقاً للشكوى، حسب مجلة تايم.
"لا يمكن إخفاء الحقيقة بقتل الصحفيين"
تعقيباً على استشهاد المراسل الفلسطيني محمد أبو حطب في غارة إسرائيلية مع 11 من أفراد عائلته، مطلع الشهر الجاري، قال مدير دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون: "إن تركيا تشعر بصدمة عميقة إزاء مقتل صحفي فلسطيني آخر على يد إسرائيل"، حسب وكالة الأناضول.
وكتب ألطون على حسابه بمنصة "إكس": "استهداف إسرائيل المتعمَّد للصحفيين مستمر بلا هوادة… من الواضح أن هذا يرجع إلى الحملة الممنهجة التي تشنها إسرائيل لحرمان العالم من الصورة الدقيقة لما يحدث على الأرض.. يجب أن يتوقف هذا الإرهاب.. ويجب على (العالم المتحضر) أن يعود إلى رشده من خلال معارضة هذا الجنون!".
في سياق متصل، تجمع مئات الصحفيين وعائلاتهم في نادي الصحافة في كراتشي، جنوبي باكستان، للتعبير عن تضامنهم مع زملائهم في الشرق الأوسط، الذين استشهدوا أثناء أداء واجبهم في الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة. وحمل المتظاهرون لافتات منقوشة عليها شعارات مثل "أوقفوا استهداف الصحفيين"، و"لا يمكن إخفاء الحقيقة بقتل الصحفيين"، و"حاسبوا إسرائيل على قتل الصحفيين في غزة"، وفقاً لما نقلته الأناضول.