مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لقرابة 3 أشهر متواصلة، يتضح ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية من سياسات ليست بالغريبة عليها من محاولة الانتصار حتى وإنْ كان هذا الانتصار ليس بيد جنودها، ومع ما تنفذه المقاومة من مواجهة قوية وسقوط لبعض عناصر قوات الجيش الإسرائيلي، اكتُشف أن إسرائيل تستعين بمرتزقة للحرب في صفوف جيشها، لتعويض خسائرها في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي ضمن أقوى 18 جيشاً في العالم، وفقاً لإحصائيات موقع "غلوبال فاير باور" الأمريكي لعام 2023، التي تضم 145 جيشاً حول العالم، وإجمالي عدد الأفراد المنتمين للجيش يصل إلى 646 ألفاً، بينهم 137 ألف عنصر قوات عاملة و465 ألفاً من قوات الاحتياط، وترصد إسرائيل ميزانية دفاع تُقدّر بـ24.3 مليار دولار، ولكن يبدو أن قوة إسرائيل العسكرية تختلف عن المواجهة الحقيقية مع قوات محاربة يوجد تخوف من قوتها لهذا لجأت إلى عناصر أجنبية.
أوكرانيا تنفي التورط
أعلنت فصائل القسام أنها استطاعت قتل 7 مرتزِقين أوكرانيين كانوا يقاتلون مع القوات الإسرائيلية في حي الشجاعية في 14 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد رصدهم في أحد شوارع الحي، وأن إسرائيل لا تدرج القتلى ضمن الأرقام التي تعترف بها حول خسائرها من الجنود، وأكدت القسام مقتل عدد آخر من جنود الجيش الإسرائيلي في الكمين.
وانتشر فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي لجنود مرتزقة في إحدى مدارس الشجاعية كان قد سُجل في اليوم ذاته الذي استُهدف فيه جنود أوكرانيون يحاربون في قطاع غزة.
ورّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولينكو على تلك الأخبار والفيديوهات المنتشرة بأن بلاده "لم ترسل جنودها سواء إلى قطاع غزة أو أية منطقة أخرى من العالم، والجيش الأوكراني يدافع عن أرضه ضد العدوان الروسي، وربما يكونون مواطنين إسرائيليين من أصول أوكرانية أو سلافية، ولكن لا علاقة لهم بالدولة الأوكرانية".
فرنسا في الواجهة
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُكشف فيها عن وجود قوات مرتزقة بجنسيات مختلفة تقاتل مع الجيش الإسرائيلي في غزة، فقد كتب النائب الفرنسي توما بورتيه عن حزب "فرنسا الأبية"، عبر حسابه بمنصة "إكس" أنه قدم شكوى جنائية إلى النيابة العامة الفرنسية ضد أكثر من 4000 جندي إسرائيلي من أصول فرنسية، وهم يمثلون أكثر من 2% من القوى العاملة في الجيش، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية المحتلة، وأنه اتصل بالمدعي العام بموجب المادة 40 حتى يمكن إجراء تحقيقات معهم.
وكان جنود فرنسيون قد صوّروا أنفسهم خلال الحرب في غزة، إذ تعتبر الجنسية الفرنسية من أكثر الجنسيات التي يحملها الجنود الإسرائيليون بعد الجنسية الأمريكية.
وقد صرح أحد الجنود حاملي الجنسية يدعى صموئيل (21 عاماً) لجريدة لو جورنال دو ديمانش، بأنه جاء إلى تل أبيب لأداء الخدمة العسكرية في إسرائيل، وأنه سوف يقضي أكثر من 18 شهراً تحت التدريب قبل أن يتمكن من الذهاب إلى الجبهة.
ورغم أنه ليس جندياً متمرساً، لكنه قال: "أنا يهودي، وإسرائيل هي أرضنا، وهي المكان الوحيد الذي لدينا وسأدافع عنه حتى النهاية"، موضحاً أنه وصل إلى إسرائيل مع حوالي 50 شاباً فرنسياً آخرين.
تورُّط جنود إسبان
وكتبت أيضاً جريدة إلموندو الإسبانية في أول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن استخدام الجيش الإسرائيلي مجموعة من المرتزقة الإسبان للقتال في غزة، وقد تواصلت الجريدة الإسبانية مع أحد الإسبان في الجيش الإسرائيلي اسمه بيدرو دياز فلوريس كوراليس (27 عاماً)، وهو جندي سابق في الجيش الإسباني.
وصرح هذا الجندي بأن قرار قتاله إلى جانب الجيش الإسرائيلي بسبب الرواتب المجزية من الجانب الإسرائيلي فهو يتقاضى نحو 3900 يورو (4187 دولاراً) راتباً أسبوعياً، بخلاف المكافآت، كما أن دورهم يتمثل فقط في الدعم الأمني لخطوط إمداد القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي، وضمان أمن نقاط التفتيش ومراقبة الدخول على الحدود.
وأشارت الصحيفة إلى تعاقد إسرائيل مع متعهدين أمنيين دوليين لتوفير مقاتلين لأداء مهام عسكرية خلال حربها في غزة، منهم شركتا التعهد الأمني "ريفن" و"غلوبال سي إس تي".
جنود أمريكان
أما بالنسبة إلى الجانب الأمريكي فقد صرحت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بشكل واضح في مقابلة على قناة "CBS"، أنه لا يوجد أية نية ولا خطط لإرسال قوات مقاتلة إلى إسرائيل أو غزة.
لكن بعد انتشار بعض مقاطع فيديو وصور في العديد من وسائل الإعلام عبر الإنترنت، أشارت تقارير صحفية إلى وجود مرتزقة أمريكيين في غزة يقاتلون إلى جانب الجيش الإسرائيلي وهم من مجموعة المراقبة الأمامية (FOG)، إذ نشرت المجموعة صوراً التُقطت في الأراضي الفلسطينية.
من ناحية أخرى، صرحت وزارة خارجية جنوب إفريقيا إنها تشعر بقلق إزاء التقارير التي تفيد بانضمام بعض مواطنيها إلى الجيش الإسرائيلي للقتال في غزة أو أنهم يفكرون في القيام بذلك، وهذه الأفعال تساهم في انتهاك القانون الدولي وارتكاب مزيد من الجرائم الدولية، ما يجعلها عرضة للمحاكمة في جنوب إفريقيا.
إسرائيل تستعين بالمرتزقة منذ عقود
ويرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والخبير في الشؤون الأمنية الفلسطيني، أن الاستعانة بالمرتزقة ليست بالأمر الجديد في الجيش الإسرائيلي، إذ إن البداية كانت مع ديفيد بن غوريون في 1948 عند تأسيس دولة الاحتلال والاستعانة بجنود شاركوا في الحرب العالمية الثانية ضد القوات العربية.
ويضيف الرقب لـTRT عربي، أن العقيد السابق بالجيش أليعازر إسحاق، أصدر دراسة عن المرتزقة في الجيش الإسرائيلي، وكشف عن كيفية الاستفادة منهم وأيضاً الأمور السلبية التي فعلوها في صفوف الجيش.
ويشير إلى أن وحدة المرتزقة ذات أهمية بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي "حتى أن رئيس الوزراء الأسبق إيهود بارك تحدث عنهم وقال لا بد أن نبني الجيش الإسرائيلي بعيداً عنهم".
ويوضح الرقب أن المرتزقة ينقسمون إلى نوعين، هم المرتزقة العقائديون المؤمنون بالفكرة الصهيونية ويحاربون من أجلها، والنوع الآخر مرتزقة "البيزنس" الذين يُقدر عددهم في الجيش الإسرائيلي من 3000 إلى 3500 مقاتل، وقد استُعين بهم في حرب غزة الحالية؛ لأنهم اتفقوا مع وحدة منهم لجمع المعلومات بسبب السقوط الكبير لجهاز المعلومات الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ومن أهم الأسباب أيضاً حسب الرقب، تراجع الروح المعنوية لدى الجنود الإسرائيليين بعد عملية طوفان الأقصى، وعدم امتلاك جيش الاحتلال الخبرة الكافية في حرب المدن والأنفاق التي تتفوق بها كتائب المقاومة على إسرائيل.
ويبيّن أستاذ العلوم السياسية أن المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بأن جيش الاحتلال يستعين أيضاً بقناصة من جنسيات مختلفة، مشيراً إلى أنه في أول الحرب جرى قتل قناص يحمل الجنسية الألمانية.
ويتابع القول: "تجري الاستعانة بجنود أوكرانيين، منهم من هرب من الحرب الروسية الأوكرانية واستقر في إسرائيل، وهؤلاء يقاتلون مع القوات الإسرائيلية بصورة مجانية".
ويضيف الرقب لـTRT عربي أن "تقديرات الرواتب تشير إلى أنها لا تقل عن 3500 يورو أسبوعياً مع تأمين مليون يورو على حياة كل مقاتل أجنبي، وكل هذا يجري عن طريق شركات أمنية أمريكية وأوروبية.
استبسال المقاومة
ويؤكد اللواء الركن واصف عريقات، الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي تدني الروح المعنوية عند الجيش الإسرائيلي بعد هزيمتهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول في عملية طوفان الأقصى، وتحديداً مع بداية عدوانهم البري في غزة ومواجهة المقاومين الفلسطينيين في ميدان القتال.
ويوضح عريقات لـTRT عربي، أن المقاومين أظهروا استبسالاً وحققوا خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي أرهبت الجنود الإسرائيليين فدنت جبهتهم القتالية وروحهم المعنوية، ما أدى إلى سحب عدد كبير منهم بخاصة لواء الجولاني الذي كان يحارب في الشجاعية.
ويردف: لذلك كان اللجوء إلى هؤلاء المرتزقة حتى تحافظ إسرائيل على وجودها داخل غزة ومواجهة المقاومة.
ويعتقد الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي أن معظم هؤلاء المرتزقة من أوكرانيا، ومن مقاتلين كانوا يحاربون مع تنظيم داعش الإرهابي، حسب عريقات.