تابعنا
"حل الدولتين" هو حل اقترحه المفكر السياسي وعالم اللسانيات الأمريكي، نعوم تشومسكي، الذي يعدّ أول من اقترح هذا الحل المزعوم وروج له في الجامعات الأمريكية، مباشرةً بعد هزيمة العرب في حرب 67.

رغم كثرة تداول مصطلح "حل الدولتين" في أثناء الحديث عن الصراع العربي والإسلامي مع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، فإن المقصود بهذا "الحل" الذي يقترحه الكثير من الدول، من بينها دول عربية وإسلامية قد يغيب عن الكثيرين. فما المقصود بحل الدولتين؟ وما الصيغة التي يمكن تطبيقه بها؟ ولماذا يرفضه الفلسطينيون والإسرائيليون معاً؟

ما المقصود بحل الدولتين؟

ما إنْ انتهتْ حرب 1967 أو نكسة 1967، وفق التسمية المعتمدة في كثير من الدول العربية المشاركة في هذه الحرب، التي دامت ستة أيام فقط، والتي انتهت بهزيمة العرب وانتصار جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى بدأ الحديث في وسائل الإعلام، خصوصاً الغربية، عن حل الدولتين، وهو حل اقتُرح من أجل تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي في فلسطين.

وينص هذا المقترح، على تقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية إلى قسمين: قسم تابع لدولة الاحتلال الإسرائيلي الذي تأسس سنة 1948، وقسم آخر لدولة فلسطين على أراضي حدود الرابع من شهر يونيو/حزيران سنة 1967. ما يعني انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها بعد انتهاء حرب حزيران من نفس السنة، خلال ما عُرف إعلامياً في الوطن العربي باسم "النكسة".

"حل الدولتين" هو حل اقترحه المفكر السياسي وعالم اللسانيات الأمريكي، نعوم تشومسكي، الذي يعدّ أول من اقترح هذا الحل المزعوم وروج له في الجامعات الأمريكية، مباشرةً بعد هزيمة العرب في حرب 67.

نظير ذلك، وجّه الكثير من الصحفيين والكتاب الإسرائيليين -المنتمين إلى اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية- إلى تشومسكي، الكثير من الانتقادات الحادة، وصلت إلى حد التهديد بالقتل، من طرف بعض عناصر الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة داخل أمريكا وخارجها، تعبيراً منهم عن سخطهم على تصريحاته، التي عدّوها "معاداة للسامية".

القرارات الدولية التي تنادي بحل الدولتين

منذ احتلال الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية التاريخية، صدر الكثير من المواقف الدولية، تنادي بحل القضية الفلسطينية عن طريق حل الدولتين، الذي يؤيده الكثير من القوى العالمية، إلى جانب غالبية الدول العربية والإسلامية، فضلاً عن بعض الفصائل الفلسطينية. وهذه أبرزها:

لجنة بيل 1937

تعدّ اللجنة الملكية الفلسطينية، التي تُعرف اختصاراً باسم لجنة بيل (Peel Commission)، أول من تحدث عن تقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية إلى دولتين. وهي لجنة ملكية رفيعة المستوى شكّلها سنة 1937 التاج البريطاني، بهدف تقديم مقترحات حول الانتداب البريطاني لفلسطين، بعد قيام عرب فلسطين بانتفاضة وطنية ضد الانتداب البريطاني سنة 1936، إذ طالبت الجماهير الفلسطينية خلال هذه الانتفاضة التي أُطلق عليها اسم "الثورة العربية في فلسطين"، بالاستقلال وإنهاء سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة نحو الأراضي الفلسطينية، التي تنتهجها الإدارة البريطانية. وأعقبتها أعمال عنف بين العرب واليهود في فلسطين، الشيء الذي دفع البريطانيين إلى تأسيس هذه اللجنة بغرض بحث سبل إنهاء هذا الخلاف. حيث أمْلَت عليهم "لجنة بيل"، التي يرأسها إيرل بيل، وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند سابقاً، وعضو المجلس الخاص للمملكة المتحدة.

لجنة "وودهيد" 1938

فشلت لجنة "بيل" في إقناع الأطراف الثلاثة المعنية بتقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية: الفلسطينيين، واليهود، والإدارة البريطانية، ما دفع الأخيرة إلى تعويضها بلجنة "وودهيد" سنة 1938، بهدف التوصل إلى حل للانتفاضة العربية في فلسطين، وإقناع الأطراف الثلاثة بقبول التقسيم، إذ عملت اللجنة على إعادة تصحيح توصيات لجنة "بيل" السابقة، والاعتماد عليها في اقتراح عملية أخرى للتقسيم، لكنَّ بعض المراقبين يرون أن هدف هذه اللجنة ليس التقسيم بل تبرئة البريطانيين من مسؤوليتهم الأخلاقية والتاريخية تجاه فلسطين وشعبها المحتل.

القرار رقم 181 (1947)

يعدّ القرار الأممي رقم 181، الذي أصدرته الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، في التاسع والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني عام 1947، القاضي بتقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية إلى ثلاثة أقسام، فيما عرف بـ"قرار تقسيم فلسطين"، أول قرار أممي تطرق لقضية حل الدولتين ولو بشكل شبه ضمني، بعد انقضاء فترة "الانتداب" البريطاني لفلسطين.

تبنى القرار خطة تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أجزاء وكيانات، تضم دولتين ومنطقة دولية. حيث طُرح اقتراح تأسيس دولة عربية (فلسطين) تمتد على مساحة 11 ألف كيلومتر مربع (4300 ميل مربع)، بنسبة 42.3 بالمئة من إجمالي الأراضي الفلسطينية التاريخية. وتضم دولة فلسطين -وفق خطة التقسيم- مدن عكا والضفة الغربية، والجليل الغربي، والساحل الجنوبي الممتد من رفح جنوباً حتى شمال مدينة أسدود، فضلاً عن أجزاء من صحراء النقب على طول الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية.

إلى جانب دولة يهودية (إسرائيل)، بنسبة 57.7 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية. بمساحة تقدَّر بنحو 15 ألف كيلومتر مربع (5700 ميل مربع)، تمتد من جنوب مدينة تل أبيب حتى السهل الساحلي لمدينة حيفا، علاوة على بحيرة طبرية وإصبع الجليل الموجودتين في الجليل الشرقي، ثم منطقة أم الرشراش (إيلات حالياً) في الجنوب بصحراء النقب (صحراء السبع)، فيما اقترح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، إبقاء مدينة القدس الشريف ومدينة حيفا (جنوب القدس)، وجميع الأراضي الفلسطينية المجاورة لها، تحت الوصاية الدولية.

وهو قرار صوَّت عليه 33 مندوب دولة، ورفضته 13 دولة، فيما العشرة الآخرون رفضوا التصويت، أو لم يحضروا للقاعة وقت التصويت.

القرار رقم 242 (1967)

لقيت فكرة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، التي تقترح تقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية بين فلسطين وإسرائيل، صدى واسعاً داخل أروقة الأمم المتحدة، خصوصاً في مجلس الأمن الدولي‘ إذ أصدر مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني سنة 1967 -أي بعد انتهاء حرب النكسة- قراراً أممياً حمل رقم 242، كحل وسط، يحل محل القرارات السابقة التي رُفضت جميعها بسبب عدم توافق القوى التي تملك حق النقض، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.

القرار رقم 242، وضعه المندوب البريطاني لدى مجلس الأمن، اللورد كارادون، الذي اشترط قبوله كليّةً أو رفضه كليّةً، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يطرأ عليه أي تعديل أو مساومة، وإلا سيكون مصيره "الفشل" كسابقيه، حسب تعبيره.

هذا القرار لفَّه الكثير من الغموض، خصوصاً في الفقرة الأولى منه، وهي الفقرة المتعلقة بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما دفع عدداً من مندوبي عدة دول، أبرزها الاتحاد السوفييتي، والهند، ونيجيريا، إلى التصريح قبل التصويت، بأن القرار فُهم منه انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967.

والسبب في ذلك، هو أن القرار تباينت فيه الصيغ، إذ إن النص الإنجليزي تضمَّن عبارة "انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتُلت في النزاع الأخير"، فيما في النصوص الأخرى (الصينية، والفرنسية، والروسية، والإسبانية)، أُضيفت إليها "ال" التعريفية في كلمة "أراضٍ"، وهو ما يعني انسحاب الاحتلال من جميع الأراضي التي احتُلت بعد حرب 67، عكس الصيغة الإنجليزية التي لم تحدد أي أراضٍ ستنسحب منها إسرائيل، لأن الكلمة جاءت بصيغة النكرة.

إلى جانب ذلك، نَصَّ هذا القرار الأممي على احترام سيادة الدول في المنطقة، وإنهاء حالة الحرب، كما تضمن القرار بشكل ضمني الاعتراف بدولة إسرائيل، مع تجاهل الإشارة إلى حل القضية الفلسطينية، التي عدّها القرار مجرد مشكلة لاجئين. وهو قرار وافقت عليه دول عربية.

تلقّت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذا القرار بصدر رحب، حيث عدّته اعترافاً ضمنياً بكيانها، فضلاً عن عدم ذكره (القرار) كلمة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتحرير أراضيه، أو حتى العودة إليها على الأقل.

ومع ذلك، فيعدّ هذا القرار بالنسبة لبعض الفصائل السياسية الفلسطينية، خصوصاً التي تؤيد حل الدولتين، على رأسها السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تسيطر عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني، المعروفة اختصاراً بحركة "فتح"، "انتصاراً سياسياً"، لأنه هو القرار الدولي والأممي الوحيد الذي يطالب قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، إذا اعتُمدت النسخة غير الانجليزية من هذا القرار.

اتفاقية أوسلو 1993

بعد سنوات طويلة من المحادثات السرية بين عناصر من حركة فتح الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية، في العاصمة النرويجية أوسلو، وقِّعت ما سميت "اتفاقية أوسلو"، بين ياسر عرفات ممثلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، وشمعون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك.

ونصَّت الاتفاقية التي وقِّعت سنة 1993، في العاصمة الأمريكية واشنطن، على "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، وهو الاسم حملته المعاهدة، التي نصت أيضاً على قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل بحلول سنة 1999.

اللجنة الرباعية 2003

أخذت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، التي تأسست سنة 2002 باقتراح من رئيس الوزراء الإسباني السابق، خوسيه ماريا، على عاتقها مهمة حل المشكلات العالقة بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ قدمت هذه اللجنة المكوَّنة من روسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، في 30 أبريل/نيسان 2003، خريطة طريق تنصّ على إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، مقابل وقف الفلسطينيين الانتفاضة، إلى جانب التزام إسرائيل بتجميد عمليات الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الانقسام حول حل الدولتين

رغم ما يحظى به مقترح "حل الدولتين" من شبه إجماع عام من طرف الكثير من الدول والمؤسسات الأممية والدولية غير الحكومية، فإن هذا المقترح ما زال يواجه انقسامات حادة، حيث يوافق عليه بعض الأطراف، لكن وفق الصيغة التي تريده هي، فيما أطراف أخرى لا تؤمن إلا بتأسيس دولة واحدة فقط، سواء من الفلسطينيين أم المستوطنين الصهاينة.

مؤيدو حل الدولتين

تعدّ أطروحة حل الدولتين، التي اقترحها الفيلسوف والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي، الحل الوحيد الذي يحظى بدعم وموافقة الكثير من دول العالم، التي تعدّه حلاً سلمياً مقبولاً، بهدف إرساء الأمن والاستقرار والسلام في فلسطين والشرق الأوسط والعالم بشكل عام.

ويحظى هذا الاقتراح بتأييد معظم دول العالم، خصوصاً الدول العربية والإسلامية، التي دعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التاريخية التي احتلتها بعد حرب يونيو/حزيران سنة 1967، حيث تدعو باستمرار إلى تراجع الاحتلال إلى ما وراء "الخط الأخضر"، حتى تعيش الدولتان في "أمن وسلام، جنباً إلى جنب".

كما أيَّدت هيئة الأمم المتحدة هذا الحل، حيث منحت دولة فلسطين صفة العضو المراقب. ونفس الشيء بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ذكَّر وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، بأن "حل الدولتين هو الحل الوحيد والممكن من أجل تحقيق السلام".

رافضو حل الدولتين

على النقيض تماماً، تقف حركة المقاومة الإسلامية المعروفة (حماس)، أمام جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية، حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية. حيث ترفض الحركة أي محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل.

ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي. حيث أكدت الحركة أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.

في المقابل، يُبدي الكثير من الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل، امتعاضها مما يسمى "حل الدولتين". إذ ترفض هذه الجمعيات أي محاولة للاعتراف بالحق الفلسطيني داخل "أرض الميعاد"، وفق تعبيرها. والتي ما فتئت تدعو بشكل علني إلى إبادة الفلسطينيين والعرب بشكل عام.

TRT عربي