أفادت مصادر ملاحية وتجارية بأن ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له في إسرائيل أُغلقت نتيجة للصراع مع حركة حماس. يقع هذا الميناء على مسافة قريبة من الحدود مع قطاع غزة / صورة: Reuters (Amir Cohen/Reuters)
تابعنا

عسقلان مدينة فلسطينية أثرية قديمة يمتد تاريخها إلى ما قبل الميلاد بقرون كثيرة، تقع هذه المدينة على ساحل البحر المتوسط شمال مدينة غزة، شهدت المدينة تعاقب حضارات مختلفة على مر العصور بدءاً من العصور القديمة وصولاً إلى العصر الإسلامي، وبعد ذلك جرى احتلالها من الصليبيين قبل أن تُحرّر مرة أخرى من المسلمين.

أهل مدينة عسقلان كانوا مشهورين بالصناعة والزراعة والصيد، وشهدت المدينة الانتداب البريطاني قبل أن تُحتلّ من إسرائيل في عام 1948 وتغيّر اسمها إلى "أشكلون"، منذ ذلك الحين تسيطر إسرائيل على المدينة، وقد شهدت عسقلان تطوراً ونمواً نتيجة تركيز الاحتلال على تطويرها واستيطان المهاجرين فيها.

أين تقع عسقلان؟

مدينة عسقلان تتمتع بموقع استراتيجي مميز، إذ تقع على الساحل البحري للبحر المتوسط، ولها تاريخ طويل يعود للعصور القديمة، تشتهر هذه المدينة بمينائها البحري الحيوي الذي كان دائماً مركزاً تجارياً مهماً.

عسقلان تقع على بعد 21 كيلومتراً شمال مدينة غزة وتمتد جنوباً حتى تتصل بها، تبعد نحو 56 كيلومتراً عن تل أبيب ومتصلة شمالاً بمدينة يافا عبر خط مواصلات رئيسي، تحيط بها من الشمال أراضي حمامة وبيت داراس والجورة ونعليا وجولس وبيت طيما وكوكبا والسوافير الغربية، ترتفع مدينة عسقلان بارتفاع يبلغ نحو 50 متراً عن سطح البحر ما يمنحها منظراً جميلاً وموقعاً استراتيجياً على البحر المتوسط.

مدينة أسدود تقع شمال مدينة عسقلان، بينما تقع مدينة القدس في الاتجاه الشمالي الشرقي من عسقلان والمسافة بينها وبين عسقلان تبلغ نحو 64 كيلومتراً.

مساحة مدينة عسقلان تقدر بنحو 48 كيلومتراً مربعاً.

تسمية مدينة عسقلان

سابقاً كانت مدينة عسقلان تُعرف باسم "أشقلون"، وقد اندثر اسمها في النقوش الفرعونية التي تعود إلى القرن الـ19 قبل الميلاد. بالإضافة إلى ذلك، تمت الإشارة إلى هذه المدينة في رسائل تعود للقرن الـ14 قبل الميلاد، التي عُثر عليها في موقع "تل العمارنة" المصري.

ذُكرت مدينة عسقلان في الأسفار القديمة للعهد القديم عند اليهود بأسماء مثل "أشقلان" و"أشقلون" و"عسقلون" واحتفظت بتلك الأسماء حتى العصر الهيليني، أي نحو عام 64 قبل الميلاد حينما أصبحت تعرف باسم "أسقلون".

لم يتغير اسم المدينة حتى وصول الفتح الإسلامي في سنة 644م، إذ قام العرب بتغيير اسمها إلى "عسقلان"، وعندما احتلت إسرائيل مناطق مثل المجدل والجورة وخرائب عسقلان قاموا بإطلاق اسم "أشكلون" على هذه المناطق الثلاث، واستمر هذا الاسم حتى اليوم.

أما المدينة الحديثة التي تعرف باسم "أشكلون" تقع على مسافة تبلغ نحو 3.2 كيلومتر من مدينة عسقلان القديمة، وتمتد على مساحة تقدر بنحو 55 كيلومتراً مربعاً.

نبذة تاريخية عن مدينة عسقلان

عسقلان تُعتبر واحدة من أقدم المدن في فلسطين، إذ أظهرت الحفريات وجود حضارة تعود إلى العصور القديمة، بدءاً من العصر الحجري الحديث، بُنيت المدينة في العهد الكنعاني العربي، وشهدت مراحل تاريخية متعددة.

في القرن الـ13 قبل الميلاد، احتل فرعون مصر رمسيس الثاني فلسطين، ورغم وجود مقاومة في مدن مثل عسقلان إلا أنه استعاد السيطرة عليها بعد فترة.

بعد ذلك وصلت قبائل فالستا من البحر وحاولت الاستقرار في المنطقة، فرعون مصر رمسيس الثالث دافع عن عسقلان عام 1225 قبل الميلاد ضد هجمات الفلسطينيين.، وعلى الرغم من صراعاته معهم، تمكنوا من التوصل إلى اتفاق، وأسسوا مجتمعاتهم ومدنهم ومنها عسقلان.

في عام 731 قبل الميلاد، هاجم الآشوريون فلسطين ويُقال إنهم سيطروا على عسقلان، سكان المدينة حاولوا الثورة ضد الآشوريين لكنهم فشلوا في محاولاتهم المتكررة، هناك روايتان حول ما إذا كانت محاولات الآشوريين الأولى ناجحة أم لا، ولكن في النهاية تمكن الآشوريون من السيطرة على المدينة في عهد الملك الآشوري سنحاريب في عام 701 قبل الميلاد.

حكم الآشوريين استمر في المدينة لبعض الوقت، وسقط حكم الآشوريين عندما هاجم "نبوخذ نصر" الكلداني فلسطين وأنهى حكم مملكة يهوذا بين سنتي 587 و586 قبل الميلاد، في ذلك الوقت احتل نبوخذ نصر عسقلان وأجبر العديد من أهلها على الهجرة إلى بابل.

في عام 111 قبل الميلاد، بدأت عسقلان بسكّ العملات المعدنية بشكل خاص تحت حكم المملكة السلوقية، تدهورت الأمور واستعادت عسقلان استقلالها في عام 104 قبل الميلاد وهذا الاستقلال استمر حتى عام 64 قبل الميلاد.

في العام نفسه 64 قبل الميلاد، احتل الرومان فلسطين وسيطروا عليها بشكل قاطع، وقضوا على كل محاولات التمرد، جرى تعيين ابن عسقلان هيرودس ابن أنتيابتز كحاكم لفلسطين في عهد القيصر الروماني يوليوس، اهتمّ هيرودس بمدينة عسقلان وبنى هناك بنية تحتية جديدة، بما في ذلك الأروقة والحمامات وقصر لأخته سالومي.

جرى الفتح الإسلامي لمدينة عسقلان بعد توقيع اتفاق سلام بين معاوية بن أبي سفيان وأهالي المدينة، بعد الفتح أصبحت عسقلان مركزاً لقيادة الجيوش الإسلامية في المنطقة واستقر فيها عدد من الصحابة.

بعد أن تولى عثمان بن عفان الخلافة بعد عمر بن الخطاب، أمر معاوية بن أبي سفيان بأن يقيم في عسقلان بنفسه، وفي وقت لاحق تعرضت المدينة لهجوم من الروم وتضررت ولكن المسلمين نجحوا في استعادة السيطرة عليها.

بعد الفتح الإسلامي استمرت مدينة عسقلان بالتناوب تحت حكم المسلمين والصليبيين، وفي عام 1191م سقطت المدينة في أيدي الصليبيين، واستمرت تحت سيطرتهم حتى عام 1248م.

في تلك السنة قرر الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ استعادة المدينة، وقاد جيشه لحصارها ونجح في تحريرها من الصليبيين، إذ هدم حصون المدينة لمنع استعادتها من جديد، ثم اكتملت عملية التدمير على يد الملك الظاهر بيبرس في عام 1270م، وكان هذا الإجراء لضمان عدم عودة الصليبيين إلى المدينة مرة أخرى.

في عام 1501م تمكنت الدولة العثمانية من السيطرة على مدينة عسقلان، وأسسوا بجانبها قرية صغيرة سُميت "الجورة" أو "جورة عسقلان".

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 احتل الإنجليز المدينة وخضعت عسقلان بعد ذلك للإدارة البريطانية خلال فترة الانتداب.

خلال تلك الفترة، حاول اليهود الحصول على أراضٍ من سكان المدينة لكن من دون نجاح ولم يتمكنوا من تأسيس مستوطنات فيها، ومع ذلك نجحت الوكالة اليهودية بدعم من بريطانيا في إقامة عدة مستوطنات قرب المدينة في عام 1939، يجدر بالذكر أن الإنشاءات جرت من دون موافقة من السكان الفلسطينيين ونُفذت بمساندة الانتداب البريطاني.

في عام 1948، سيطرت إسرائيل على مدينة عسقلان بعد قصف سكانها ما اضطرهم لمغادرتها، وكانت المدينة آنذاك قرية صغيرة على ساحل البحر.

سكان مدينة عسقلان

بعد احتلال إسرائيل لعسقلان أولت المدينة اهتماماً خاصاً وسعت لزيادة عدد سكانها، وقد بلغ عدد السكان 5100 نسمة تقريباً في عام 1950، وفي عام 1961 ارتفع العدد إلى نحو 24 ألف نسمة ومن ثم ازداد إلى 40 ألف نسمة في عام 1968، وفي عام 1984 ازداد عدد السكان إلى نحو 54 ألف نسمة.

في منتصف التسعينيات، بلغ عدد سكان عسقلان نحو 73 ألف نسمة وزاد إلى نحو 103 آلاف نسمة في عام 2002، وفي عام 2012 بلغ عدد السكان نحو 120 ألف نسمة، ووفقاً للإحصاءات الرسمية الإسرائيلية لعام 2023 بلغ عدد سكان عسقلان 154,835 نسمة.

يشكل المهاجرون نسبة كبيرة من سكان مدينة عسقلان، وقدم معظمهم من الاتحاد السوفييتي السابق، إثيوبيا، فرنسا، وأمريكا اللاتينية، في العصر الحديث جرى تحويل المدينة القديمة مع آثارها المتنوعة إلى حديقة وطنية.

أبرز المعالم في عسقلان

عُثر في المدينة على مجموعة من الآثار تعود إلى العصور الحجرية الحديثة والبرونزية والرومانية، تشمل هذه الآثار بشكل رئيسي مجموعة من التماثيل الصغيرة وأدوات مصنوعة من العظام وأواني حجرية وأدوات من الصدف وأواني فخارية وألواحاً رخامية مستخدمة للكتابة.

عُثر أيضاً على آثار لمجلس المدينة الروماني، وهو عبارة عن صالة مسرحية شبه دائرية، إذ تحيط بها صفوف من المقاعد وتزينها أجنحة النصر على جوانبها، ويُزين المجلس 24 عموداً رخامياً يحملون رؤوساً كورنثية.

ضريح الحسين بن علي في عسقلان

واحد من أهم المعالم الأثرية في مدينة عسقلان كان مسجداً وضريحاً ومزاراً بُني في العهد الفاطمي، وقد وُصف هذا المبنى على أنه أجمل بناء في عسقلان، ومع ذلك جرى تدميره في عام 1950 بأمر من قائد المنطقة الجنوبية في إسرائيل، موشيه ديان.

سجن عسقلان

هذا السجن بُني خلال فترة الانتداب البريطاني، وكان في ذلك الوقت يستخدم مقراً لقيادة الجيش البريطاني في عسقلان ومناطقها المحيطة، فيما بعد تحول إلى مركز للتحقيق مع الثوار بعد الهزيمة في عام 1967، وفي عام 1970 أُعيد استخدام السجن كمركز لاستقبال الأسرى الفلسطينيين وإجراء التحقيقات معهم.

اقتصاد مدينة عسقلان

سكان عسقلان في الماضي كانوا يعملون في مجموعة متنوعة من القطاعات مثل الزراعة والتجارة وصيد الأسماك، كانت المدينة مركزاً تجارياً مهماً للقرى والبلدات المحيطة بها، وكان الناس يأتون إلى عسقلان للحصول على مستلزمات متنوعة مثل حبوب الأسمدة والبذور والأقمشة بأنواعها وأدوات النجارة والحدادة والمواد الغذائية المختلفة.

كانت المدينة مركزاً رئيسياً لصناعة النسيج، وكانت المنطقة بأكملها تعتمد على عسقلان لتلبية احتياجاتها من الأقمشة، وصُدّر جزء من هذه الأقمشة إلى المدن المجاورة، بالإضافة إلى صناعة النسيج اشتهرت المدينة أيضاً ببعض الصناعات الأخرى مثل صناعة الحلويات وإنتاج زيت الزيتون والسمسم، بالإضافة إلى صناعة الأثاث من الأخشاب.

في القرن الحادي والعشرين يعتمد اقتصاد المدينة على مجموعة متنوعة من الصناعات والخدمات التجارية والسياحية، تضم المدينة نحو 40 مصنعاً وأكثر من 1000 ورشة عمل توزعت في مناطق صناعية مختلفة، تشمل هذه الصناعات مجموعة متنوعة مثل الصناعات المعدنية والبلاستيك والخشب والإلكترونيات والمواد الغذائية والمنتجات المخبوزة والمواد الكيميائية والمقاولات.

أهم الأعلام في مدينة عسقلان

تاريخ المدينة مرتبط أيضاً بانتشار العلم، إذ وُلِد فيها الفيلسوف الشهير أنطيوخس الأشقلوني أو العسقلاني، ولد أنطيوخس عام 125 قبل الميلاد واشتهر بآرائه المتباينة حول الأكاديمية الشكية، وأسس في عسقلان أكاديمية لنشر آراء الفلاسفة وجعل المدينة مركزاً أدبياً وفنياً مهماً.

في عصر الإسلام، شهدت المدينة نمواً في الحركة العلمية وازدهرت فيها الدراسات الدينية، كانت معروفة بأنها موطن لحفّاظ الحديث النبوي، ومن هؤلاء الحفّاظ كان أبو بكر أبان بن صالح بن عمير القرشي ومحمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني وداود بن الجراح.

فيما بعد، شهدت المدينة ازدهاراً في الحركة الأدبية وشهدت ظهور عدد من الشعراء والأدباء، من بين هؤلاء الأدباء كان أحمد بن مطرق العسقلاني مؤلف كتاب "المصنفات في اللغة والأدب"، والأديب أبو علي بن عبد الصمد العسقلاني الذي عُرِف بلقب "المجيد ذي الفضيلتين".

كما ظهر في المدينة عدد من الفقهاء البارزين، منهم القاضي أبو الفتح أحمد بن مطرف العسقلاني المعروف بقاضي دمياط، وكان له مكانة بارزة في الفقه والقضاء، وأيضاً وُلد في مدينة عسقلان القاضي عبد الرحيم بن علي الميساني العسقلاني وهو واحد من أشهر كتّاب القرن السادس الهجري.

ابن حجر العسقلاني يُعتبر واحداً من أبرز علماء المدينة وقد اشتهر بمؤلفاته المهمة مثل "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" و "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" وغيرها، وتظل كتبه مرجعية مهمة في العلوم الإسلامية.

المناخ في عسقلان

مناخ المدينة يتميز بالاعتدال طوال العام نظراً لموقعها ضمن إقليم مناخ البحر المتوسط، فإن شتاءها معتدل وممطر، في حين يكون صيفها جافاً وحاراً، وتتأثر المدينة برياح خلال فصل الربيع، تسجل المدينة معدل هطل مطري منخفضاً نظراً لقربها من المناطق الصحراوية، وعادةً ما يُعتبر شهر سبتمبر/أيلول واحداً من أجمل أشهر السنة في المدينة نظراً لاعتدال طقسها وهدوء البحر.

مكانة عسقلان عند المسلمين

لمدينة عسقلان مكانة دينية خاصة بين المسلمين نظراً للإشارة إليها في الحديث النبوي، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان". ويُعتبر هذا الحديث صحيحاً ووُثّق من الشيخ الألباني.

وأُشير إلى مدينة عسقلان في أقوال بارزة لبعض الصحابة والتابعين، إذ قال عنها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لولا أن تعطّل الثغور وتضيق عسقلان بأهلها لأخبرتكم بما فيها من الفضل".

وكذلك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر قال: "لكل شيء ذروة وذروة الشام عسقلان".

وابن تيمية -رحمه الله- وصف عسقلان قائلاً: "وأمّا عسقلان فإنّها من ثغور المسلمين كان صالحو المسلمين يقيمون بها لأجل الرباط في سبيل الله".

ما السبب وراء إغلاق ميناء عسقلان ومنشأة نفط في إسرائيل؟

أفادت مصادر ملاحية وتجارية بأن ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له في إسرائيل أُغلقت نتيجة للصراع مع حركة حماس. يقع هذا الميناء على مسافة قريبة من الحدود مع قطاع غزة، وارتفعت أسعار النفط عقب هجوم غزة على إسرائيل ما أثار مخاوف جديدة بشأن التوتر في الشرق الأوسط.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية في بيان لها أن إسرائيل علقت إنتاج الغاز مؤقتاً من حقل الغاز تمار، وستبحث عن مصادر وقود بديلة لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وأكدت شركة شيفرون المشغلة لحقل تمار، أنها تلقت توجيهات من وزارة الطاقة الإسرائيلية بوقف العمليات في هذا الحقل الذي يقع في البحر المتوسط على بعد نحو 25 كيلومتراً من الساحل الجنوبي لإسرائيل، وأوضحت شيفرون أن حقل الغاز الإسرائيلي الأكبر، حقل ليفياثان، ما زال يعمل بشكل طبيعي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً