تعد قاعدة ميرون الجوية من أهم قواعد المراقبة الجوية في إسرائيل (Others)
تابعنا

في صبيحة يوم السبت، السادس من يناير/كانون الثاني الجاري، هاجم حزب الله اللبناني هدفاً استراتيجياً قرب الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، باستخدام 62 صاروخاً من أنواع متعددة، ووفقاً لبيان الحزب، فإن الهدف كان قاعدة "ميرون" الجوية، التي تنفذ مهام تنظيم وتنسيق وإدارة كامل العمليات الجوية باتجاه سوريا ولبنان وتركيا ‏وقبرص والقسم الشمالي من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

أظهر مقطع الفيديو الذي نشره إعلام حزب الله أن الصواريخ قد أصابت القاعدة بشكل دقيق، معطِّلة عمل القاعدة بأداء مهامها الروتينية والطارئة في ظل الاشتباكات المتواصلة والتصعيد المتدحرج في الجبهة الشمالية، وفور استهداف القاعدة التُقطت صور ومقاطع مرئية من مدينة جنين ومن الجنوب اللبناني تُظهر رفع الجيش الإسرائيلي بالون مراقبة ضخماً، وتحليقاً لطائرات كبيرة في سماء المنطقة، فما السرّ وراء ذلك؟

أهمية قاعدة ميرون الجوية

تُعرف محطة التحكم الجوي الإقليمية الشمالية باسم قاعدة "ميرون" الجوية، ويطلق عليها اختصاراً (يابا 506)، وتقع على قمة جبل الجرمق (جبل ميرون)، أعلى جبال فلسطين والذي يبلغ ارتفاعه 1205 أمتار، يمتد في مثلث بين مدينة صفد وبيت جن وحرفيش، وتبعد القاعدة عن الحدود مع لبنان بحوالي 7 كيلومترات.

المحطة مسؤولة عن مراقبة الحركة الجوية من شمال إسرائيل حتى الوسط، وتُعرف بأنها إحدى عيني إسرائيل التي ترى كل شيء، وتقع العين الأخرى في النقب جنوب إسرائيل، وتُعرف باسم محطة التحكم الجوي الإقليمية الجنوبية "يابا 509"، فيما توجد محطة أخرى في المنطقة الوسطى وهي محطة كشف جوي غير إقليمية، وتحديداً على قمة جبل "تل العاصور" بالقرب من سلواد، وهي القاعدة الوحيدة التابعة لسلاح الجو خارج الخط الأخضر.

تقع قاعدة ميرون على قمة جبل الجرمق في المنطقة الشمالية من إسرائيل (TRT عربي)

تتلخص أبرز مهام المحطة بكشف وتحديد محاولات التسلل إلى المجال الجوي وخلق صورة للوضع الجوي فوق إسرائيل والدول المجاورة، والإنذار المبكر لصالح الدفاع الجوي والمهام التشغيلية المختلفة، مثل توجيه الطائرات المقاتلة لاستهداف التهديدات الجوية أو الأهداف الأرضية، وكذلك المهام الأخرى (النقل والبحث والإنقاذ، وغيرها).

تضمن القاعدة رادارات متقدمة عدة موجودة داخل رادوم ضخم (وهي القبب الكروية المصنوعة من الألياف الزجاجية) لكشف الطائرات، بالإضافة إلى أنظمة اتصالات وتجسس وتشويش ومراكز تحكم تحت الأرض في مخابئ محصنة، وقد وصفها موقع "مكورن ريشون" العبري، بأنها القاعدة السرية التي تدير الهجمات الجوية على سوريا، وأيضاً ذكر موقع "بحدري حريديم" أن المحطة مسؤولة عن توجيه هجمات عديدة على سوريا أوقعت عشرات القتلى.

تضم القاعدة مجموعة من أنظمة المراقبة والتجسس (TRT عربي)

المحطة الشمالية هي جزء من منظومة التحكم الجوي والتي تشرف بشكل روتيني على الحركة الجوية، العسكرية والمدنية، في جميع أنحاء المجال الجوي، وتخصص وحدات التحكم مناطق من الأجواء على ارتفاعات ومسارات مختلفة لجميع أنواع الطائرات في الجو؛ لمنع الاصطدام بين الطائرات، ويعمل فيها مراقبون مدنيون للحركة الجوية، ومراقبون على ارتفاع منخفض، ومراقبون على "ارتفاعات عالية" يسيطرون على معظم المجال الجوي، ومناطق تدريب الطائرات.

وحسب موقع "بحدري حريديم" العبري، فإن كل طائرة إسرائيلية تقلع من قاعدتها الأم تنفصل فعلياً عن قاعدتها، وتخضع للقيادة الكاملة لمحطة التحكم، والتي تشمل إعدادات السرعة وارتفاع الطيران والمسار والعمليات الأخرى.

يجري تنفيذ أعمال الكشف والتعرف باستخدام أدوات تكنولوجية متنوعة يديرها ضباط الصف وضباط التحكم من سلاح الجو الإسرائيلي، وتُكشف كل طائرة على الرادار على مسافة تزيد على 200 ميل بحري (حوالي 360 كيلومتراً)، بعيداً عن حدود إسرائيل، ووفقاً لقوانين الطيران الدولية يجب أن تتطابق أي طائرة تقترب من 80 ميلاً (120 كيلومتراً) من حدود إسرائيل مع نظام التحكم الإسرائيلي، وفي حالة عدم ارتباط الطائرة بنظام التحكم أو إثارة شكوك مختلفة يقلع زوج من الطائرات المقاتلة للتأكد من الطائرة المشبوهة.

تؤدي قاعدة ميرون مجموعة من المهام الحيوية لسلاح الجو الإسرائيلي (TRT عربي)

وينص مبدأ الدفاع الجوي الإسرائيلي على أن سلاح الجو يعتمد بشكل أساسي على الطائرات الاعتراضية كأداة لتحقيق التفوق الجوي، في حين أن نظام الدفاع الجوي هو خط الدفاع الأخير ضدّ تهديدات الطائرات بما في ذلك الطائرات بدون طيار، وخط الدفاع الأول ضدّ التهديدات الجوية، مثل الصواريخ الباليستية، صواريخ أرض - أرض وصواريخ المدفعية.

لذلك فإن تعطيل قدرات المحطة -ولو حتى جزئياً ولفترة محدودة- سيحرم العين الشمالية للجيش الإسرائيلي من رؤية وبناء صورة مستمرة للحالة الجوية، ويعطي فكرة أوسع عمّا سيكون عليه الوضع في حالة توسع الاشتباكات مع حزب الله على الجبهة اللبنانية.

المنطاد بديلاً

بالإضافة إلى المحطات الثابتة، يشتمل نظام التحكم الجوي على وحدات متحركة منتشرة لتغطية المناطق الميتة على ارتفاعات منخفضة أو كبديل للوحدات الثابتة في حالة فشلها، ولدى إسرائيل سرب من طائرات الأواكس "الإنذار المبكر"، والتي تعمل أيضاً على تعزيز النظام وهي معروفة باسم سرب "النحشون رقم 122"، وتشغل طائرات من طراز "جولف ستريم" معدلة خصيصاً لحمل رادارات كشف وإنذار مبكر.

بالإضافة إلى الرادارات الأرضية وطائرات الإنذار المبكر، تعمل وحدات البالون للمراقبة التي تحمل الرادارات في نظام التحكم الجوي، جرى إنشاء وحدة منطاد المراقبة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول 1990، ودخل أول منطاد الخدمة في مارس/آذار 1991 وقد جرى تركيبه في جنوب فلسطين المحتلة بالقرب من مفاعل ديمونا النووي، يكشف الرادار الموجود في البالون الزوايا المنخفضة ويكمل الصورة الجوية برصد الطائرات والصواريخ الكروز ذات الارتفاع المنخفض والتي لا تستطيع الرادارات الأرضية كشفها بسبب التضاريس والعوائق الأخرى.

أجبر الهجوم إسرائيل على الاستعانة بمنطاد " ندى السماء" لتعويض فقدان القاعدة (TRT عربي)

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أعلن الجيش الإسرائيلي عن بدء تركيب نظام "ندى السماء" في شمال إسرائيل بالقرب من بحيرة طبريا، وهو عبارة عن بالون (منطاد) متطور يحمل رادار كشف راداري بعيد المدى، وتتمثل مهمته في تعزيز قدرات نظام الإنذار المبكر التابع لسلاح الجو ضدّ الأهداف التي تحلق على ارتفاع منخفض، وبخاصة صواريخ كروز التي لمع صداها بعد عملية استهداف منشآت أرامكو عام 2019.

يبلغ عرض المنطاد حوالي 117 متراً، وهو من صناعة شركة (TCOM) الأمريكية المصنعة للمناطيد ومنصات المراقبة المحمولة جواً، ويحمل المنطاد راداراً مطوراً لكشف الأهداف المنخفضة، وربما يكون هو النسخة المحمولة من رادار جرين باين (EL/M-2083) ذي نطاق كشف 250 كيلومتراً.

صورة جوية بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، تُظهر المنطاد في حالة عدم تشغيل وهي الحالة المعتادة منذ أن جرى تركيبة (Others)

ومنذ تركيب المنطاد قبل ما يقارب ثلاث سنوات لم يجرِ إدخاله إلى الخدمة العملياتية ورفعه إلى السماء، بل بقي مثبتاً في المنصة المخصصة لحمل المنطاد في حالة عدم التشغيل، وتظهر المرئيات الفضائية أن العمل على تركيب المنطاد بدأ مطلع عام 2021، وليس كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ العمل عليه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ومنذ ذلك الحين وحتى حادثة استهداف محطة التحكم الجوي "قاعدة ميرون" لم يجرِ رفع المنطاد.

وبالإضافة إلى المنطاد، فقد شُوهدت طائرة "نحشون إيتام" وهي المخصصة للإنذار المبكر والكشف الجوي والأرضي، تحلق في سماء المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة، وهذا دليلٌ واضح على أن الجيش الإسرائيلي تعرض لضربة أفقدته وسيلة الكشف والإنذار المبكر وأنّ عين إسرائيل الشمالية قد فقئت، ولو مؤقتاً، إلا أن هذه الضربة ستكون اختباراً صغيراً، وإنذاراً لما قد يحدث في حال تطور الصراع على الجبهة الشمالية، وعن مقدرة حزب الله على الاستفادة من الثغرة التي فُتحت في الوعي الظرفي الذي يحيط بدولة إسرائيل.

طائرة "نحشون إيتام" من طراز "جولف ستريم" وهي تحلق في الأجواء الشمالية لفلسطين المحتلة (وسائل التواصل الاجتماعي)

بعد استهداف حزب الله اللبناني لمحطة التحكم الجوية الشمالية شُوهد منطاد ضخم في سماء المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة، وقد استطاع سكان الجنوب اللبناني وسكان شمال الضفة رؤية المنطاد وتصويره، رغم أنه يبعد أكثر من 30 كيلومتراً عن مدينة جنين، إلا أن ضخامة المنطاد جعلت ملاحظته سهلة.

وأيضاً تُظهر الصور الجوية في صباح يوم السبت، رفع الجيش الإسرائيلي منطاد "ندى السماء" في موقعه المعروف بالقرب من بحيرة طبريا، تأكيداً للصور والمقاطع المرئية التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن الحاجة العملياتية الماسة تطلبت التشغيل العملياتي العاجل للمنطاد لسدّ الثغرة التي حصلت إثر ضرب وتعطيل قاعدة "ميرون" الجوية.

صورة جوية بتاريخ 6 يناير/كانون الثاني 2024، تُظهر المنطاد في حالة رفع وتشغيل وهي المرة الأولى التي يشاهد فيها بالهواء (Others)

تهديد إسرائيلي

بعد استهداف قاعدة "ميرون"، هدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "هرتسي هاليفي" حزب الله بحرب جديدة، وذلك للأهمية الاستراتيجية التي تحتلها القاعدة ودورها في منظومة القتال الإسرائيلية.

فيما اعترف المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن أضراراً حدثت بمحطة المراقبة الشمالية، وأن الجيش الإسرائيلي سيصلح هذه الأضرار، وأن المحطة تعمل من خلال "أنظمة أخرى"، ما يعني أن الأنظمة الرئيسية والرادارات الموجودة داخل القبب الدائرية قد تعطلت بالفعل، وهذا ما دعا الجيش الإسرائيلي إلى التشغيل الطارئ لمنطاد "ندى السماء".

عطل هجوم حزب الله على القاعدة العين الثالثة لإسرائيل في الشمال (TRT عربي)

ومنذ بدء الاشتباكات بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي شمال فلسطين، استهدف الحزب منظومات المراقبة الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية مسبباً حالة من "الإغماء" لقوات الجيش شمال فلسطين، ويأتي هذا الاستهداف كتطور في نوعية الأهداف والمنشآت التي تصل إليها نار حزب الله.

TRT عربي